مجلة البعث الأسبوعية

تعثر أسواق الحرف يحولها لورش عمل ومراكز تدريب بطرطوس

البعث الأسبوعية – محمد محمود

بعد تعثر انطلاقتها لسنوات عديدة في محافظة طرطوس أبصرت أسواق الحرف اليدوية النور أخيرا في مكانين مختلفين الأول في ساحل مدينة طرطوس بالعبارة المحاذية لحديقة الطلائع على الكورنيش البحري فكانت خطوة شجعت إنطلاق الحرفيين لإحداث أسواق مشابهة في كافة المدن والمناطق الساحلية للبحر الأبيض المتوسط الذي أبحرت من شواطئه السفينة الأولى للعالم، ليتم منذ أشهر إحداث سوق ثاني للمهن اليدوية في مدينة بانياس مقابل مبنى البريد من الجهة الشرقية بالتعاون مع مجلس مدينة بانياس.

 نشاط محدود

ورغم أن الأمل كان واقعا أفضل للحرفيين الذين أتعبهم التنقل بين المعارض المختلفة، والبحث عن تسويق منتجاتهم من خلال أسواق ثابتة تكون بوابات عرض وتسويق للحرف التراثية المتعددة في المحافظة، لكن النشاط التجاري في تلك الأسواق بدا ضعيفا للغاية ومخيبا للآمال، فجولة بسيطة في سوق المدينة بطرطوس يؤكد محدودية زواره، بحكم موقعه السيء ضمن عبارة قليلة الاستخدام، وكذلك سوء الأوضاع الاقتصادية، وقلة النشاط السياحي، والأمر نفسه بالنسبة للسوق الجديد في بانياس، وإن بدا أفضل نسبيا بحكم موقعه، ما جعل هذه الأسواق شبه معارض منسية، تعيش نشاطا تجاريا محدودا للغاية، لكن في المقابل كان ملفتا أن هذه الأسواق تجاوزت مشكلتها لتتحول مؤقتا ربما لشيء آخر أبرز فعاليتها ودورها.

أنشطة متعددة

جولة في سوق الحرف اليدوية بطرطوس ولقاء مع بعض حرفييه في فترة الأعياد أكدت هذا الواقع الذي آل إليه حال السوق حيث كان يبدو كورشة عمل كبيرة متخصصة بتصنيع أصناف متعددة من الزينة المختلفة لعيد الميلاد ورأس السنة. حيث أكد كل من الحرفي فراس شلدح وهو حرفي متخصص بصناعة مجسمات الفينيقية السفن أن واقع السوق حاليا يتطلب التحول لهذا النوع من الأعمال التي ينفذها الحرفييون بالتعاون مع بعضهم، مضيفا في ظل الظروف الحالية تراجع واقع عملنا جدا، فبتنا نضطر لتنفيذ أعمال تجارية نوعا ما وبيع بعض القطع الفنية بسعر الكلفة فقط، مضيفا: للأسف في بعض الأحيان عملنا الحرفي يصبح كعمل المساجين ومشغولاتهم اليدوية التي ينتجونها، فنحن نقوم بتصنيع أعمال وزخارف على قطع منزلية كالزجاجات القارغة أو الكؤس تتطلب وقتا طويلا ونبيعها بسعر التكلفة فقط كتذكارات وصمديات.

كما تتحدث الحرفية روجيه ابراهيم المتخصصة بصناعة أطباق القش وصناعة لوحات من الحرير أن التحول في السوق لأعمال ومشغولات يدوية خاصة بالمناسبات حدث منذ فترة في السوق، فتؤكد تصنيع عدد من أشجار الميلاد بوسائل ومواد بسيطة، ولكن بكثير من الحب والشغف، وتضيف: منذ افتتاح سوق المهن اليدوية في طرطوس قمنا كفريق واحد بتشكيل ورش عمل مصغرة لتعليم عدد من الحرف اليدوية وذلك بالتعاون مع مديرية المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وقمنا بتدريب الأطفال على بعض الحرف الموجودة في السوق لنقل مهارات متعددة إليهم، وتختم قولها: اليوم تحول هذا السوق لمركز حقيقي لنقل الخبرات والمهارات لكن الأمل أن يكون الدعم أكبر من ذلك بكثير وأن يأخذ دورا أساسيا في احتضان الأعمال الحرفية الخاصة بمحافظة طرطوس وأن يتم التشبيك مع أكثر من مديرية لتفعيل دوره كما يجب.

 الحاجة أم الاختراع

ويشرح منذر رمضان عضو مجلس إتحاد الحرفيين بطرطوس كيف تحولت هذه الأسواق لمراكز تدريب حرفي وورش عمل تنشط في المناسبات، وتقدم الكثير من الأفكار الفنية الملفتة والابتكارات الحرفية التي تحمل بصمة محافظة طرطوس، فعملت مؤخرا على زينة أعياد الميلاد ورأس السنة ونجحت في صنع شجرة عيد ميلاد مميزة تمت إضائتها في بانياس بجهود الحرفيين وعملهم الفردي.

وأضاف رمضان: عندما نتكلم عن التراث السوري نرى التاريخ ماثلأ أمامنا من خلال الموروث الغني الذي ورثناه عن أجدادنا منذ القدم ، كما يقال في الأمثال الشعبية( الحاجة أم الإختراع ) فمن هنا بدأت رحلة الزمن والتاريخ والإبتكار والتطوير للإنسان السوري حيث بدء بصناعة أدوات الصيد ليتفوق على سائر المخلوقات بفكره ولم يكتفي بذلك بل طور ابتكاراته عبر حقبات من الزمن وصولأ إلى صناعة

المراكب والسفن وخوض غمار البحار وإستكشاف العالم وقد توارث الأحفاد حرف وصناعات وفنون متعددة منها المادي واللآمادي وقد مرت هذه الحرف بمنعطفات مختلفة كان أصعبها في منتصف الحرب الظالمة التي يتعرض لها الوطن منذ عام ٢٠١١ حيث كانت تستهدف إضافة إلى الجغرافيا الحدودية وسيادة الدولة .

التاريخ والحضارة السورية العريقة ومحاولة تدميرها وطمسها بمنهجية مخطط لها .

وفق المتاح

وأكد رمضان أنه كان للحرفيين اللذين يعملون بهذه الحرف دور كبير في الحفاظ عليها بالتوازي مع مسيرة الجيش وتضحياته البطولية وذلك من خلال نقل هذه الحرف لأجيال متعاقبة ولكافة الشرائح بدورات تدريبية هادفة ومنظمة ضمن الأسواق وإقامة المعارض والفعاليات الهادفة بحس وطني قل نظيره آملين أن تتيح هذه الأسواق فرصة لترويج بعض ما ينتجه الحرفيون ولو بشكل محدود بداية.

فالأسواق الحرفية تساهم بتعريف المجتمع على هذا الموروث العريق من تاريخ الأجداد وهي معارض دائمة وثابتة إلا أنها تحتاج الدعم من الجميع ويكون ذلك بتسليط الضوء على أهميتها وتأمين الترويج المطلوب لما ينتجه الحرفيون لضمان ديمومتهم في العطاء المستمر . إضافة إلى ضرورة تخصيص مكان يتم عليه تشييد بناء طابقي على الكورنيش البحري في مدينة طرطوس وتحويله إلى حاضنة تراثية لتاريخنا العريق نرى من خلالها كافة الأدوات التي صنعت على يد الإنسان السوري الأول وكيفية مساهمته في نقل التطور والحضارة للتاريخ المعاصر وللعالم . وهذا ما نأمل أن نراه في القريب العاجل .

رواد الحضارة

وختم رمضان: من هذه الأرض الطيبة انطلقت الحضارة على يد الأجداد . وواجب علينا أن نحافظ على موروثنا ونخلده .بالتوازي مع الإنطلاق بالصناعة والزراعة نحو المستقبل لمواكبة التطور والحداثة والابتكار كما فعل الأجداد لنصبح في المستقبل جزء أساسي من التاريخ والحضارة العالمية محافظين على شعلة الأجداد التي انطلقت منذ القدم وكانت منارة للعالم . من المؤكد بأننا سنصبح لاحقاً الأجداد فلنترك بصمة يفتخر بها الأحفاد كما نفتخر بتاريخ الأجداد .