خالد الخطاب: استشهاد وحيدي أبكاني شِعراً
حلب- غالية خوجة
العالم يتسع ويضيق، وما بين الموجتين يشدك حدسك إلى ما يعلمه ولا تعلمه، وقد تحدث في حياة كل منّا أمور غامضة، غير متوقعة، لكنها تخفي حكمة بصيرة، وصبراً منيراً، وأملاً ينجو من الغرق صمتاً، وكلاماً، وبخوراً.
وهذا ما يدركه أهالي الشهداء في سوريتنا الحبيبة مع جرحى الوطن وذويهم، وما يعيشه، أيضاً، كل مواطن سوري منتمٍ، يجعل من نفسه، بالضرورة، جنديّاً مجهولاً، يقاوم ويصمد وينتصر على كل الجبهات الظلامية والحياتية والحصارية، وكل ذلك، فقط، لأن وطننا علامة فارقة ومميزة ومن أهم العلامات الحضارية في تأريخ ومستقبل وكينونة البشرية.
وضمن هذه الأمواج، نصادف ملامح الحزن والتفاؤل على الوجوه والقلوب، وتسعى الأرواح جاهدة في الاستمرار مع قاعدة “أفضل الأسوأ”.
بعد الخمسين جاءني الشعر
وضمن هذه الحياة السورية تلمع أرواح الشهداء شمساً مستقبلية تجذبنا لمزيد من الصبر والتحدي، وأولهم الأهالي الذين يعبّرون بفخرٍ واعتزاز عن استشهاد أبنائهم، ومنهم خالد الخطاب الذي تراهُ حاضراً للأنشطة الثقافية والفنية المختلفة، ومن ضمنها أمسيات اتحاد الكتّاب، والذي لفتني صمته الداخلي الحزين، فسألته عن نفسه، ليجيب: أنا إنسان بسيط من مواليد حلب 1964، دراستي جداً متواضعة، حاصل على الشهادة الإعدادية، ولكني كنت ومازلت من محبي قراءة الشعر لا سيما لأبي فراس الحمداني والمتنبي، وأحب ترتيل القرآن الكريم، وبدأت كتابة الشعر بعد الخمسين من العمر.
مائة يوم من الاستشهاد وقصيدة
وعندما سألته: لكن، كيف؟ ولماذا؟
أجاب: أتاني نبأ استشهاد ولدي الوحيد قصيكأول شهيد وحيد في حلب، فحمدت ربي الذي شرفني باستشهاده، وأقسمت أن لايرى أحد دمع عيني، لأنه ما زال وسيظل هو وجميع الشهداء من ساكني الروح والقلب والقصائد، هو الذي عاش في قرية الواحة السكنية التابعة لمعامل الدفاع، ودرس في مدارسها، تطوع في صفوف قوات الدفاع المحلي الرديف الأول للجيش العربي السوري، وتم تكليفهم بحماية معامل الدفاع والبحوث العلميةفي قرية الواحة، وبعون الله، صان الأمانةورفاقه، وحفظ الوديعةورفاقه، بالزود عنها حتى نال شرف الشهادةمع من نالها، وكان ذلك يوم الأثنين (4/3/2013) في قرية باشكوي بالريف الجنوبي الشرقي لحلب.
وبعد مائة يوم على استشهاده،أنطقني الله كلاماً قالوا عنه:إنه شعر! وتوالت القصائد التي كانت بغالبيتها ارتجالية، وبدأت أضع لها لحناً، ألحّن كل شطر وأغنيه،والشطر الذي أرى فيه خللاً موسيقياً أحاول إصلاحه بتبديل بعض الكلمات، وإعادة الصياغة، وشعرتُ بأن عليّ دراسة عروض الشعر لأتمكّن من أوزانه بشكل جيد، ففعلت، وتابعت.
وكانت أولى قصائدي بعنوان “مائة يوم”، مطلعها يقول: عَدَدتُها مِئَةً ما زِلتُ في ألَمي، فيها فَقَدتُ عَزيزَ الرَّحمِ والشِّيَمِ، فيها افتَدَيتُ بلادي كُلَّها كَرَماً، فلا تَقيسوا عَليَّ الفَضلَ من كَرمِ، أمَّا عُيوني فَقَد جَفَّت مَدامِعُها، في طُغيَةِ الحَربِ ليسَ الدَّمعُ من شِيَمي، حَتَّى القَوافي بَكَت إن رحتُ أنظِمُها، بالدَّمِّ دونَ قَراطيسٍ ولا قَلَمِ”.
الضريح من لزومياتي
واسترسل الشاعر والد الشهيد: وتوالت القصائد، ومنها قصيدة “الضريح” التي نالت العديد من الجوائز ونشرت ورقياً بأكثر من بلد عربي، وشعرتُ بأن الاستشهاد حوّلَ آلامي وحزني إلى لغة وموسيقا وبحور، ودفعني إلى المثابرة على حضور الفعاليات الثقافية والفنية بحلب، كما أصبحت عضواً في مجلس إدارة الجمعية العلمية التاريخية السورية فرع حلب، وشاركت في العديد من الأمسيات الشعرية والفعاليات الوطنية في سورية،واستُضفت في مقابلات إذاعية وتلفازية، كما نلت العديد من التكريمات الثقافية من عدد من الملتقيات، وحالياً، أعمل على طباعة أول ديوان شعري مؤلف من 30 قصيدة أغلبها على البسيط والطويل والوافر، وأتوقع أن أعنونه بـ”قصائد كأنها الشعر”.
العمودي والزجل ومسرحية للأطفال
وأضاف: أميل إلى الشعر العمودي، وأجرّب التفعيلة، لكنني أكتب الشعر الزجلي المحكي أيضاً، كما أنني أكتب هذه الأيام مسرحية استعراضية شعرية للأطفال المصابين بمرض السرطان على البحر الوافر.
قصص في مخيلتي
وانتبهتُ إلى ما يعصف بدواخله من حكايات، فسألته: يبدو أن لديك الكثير لتقوله، فهل جربت كتابة القصة؟
فأجاب: في مخيلتي مشاريع قصصية قد أكتبها لاحقاً، نابعة من حياتنا ومعاناتنا وأحلامنا، لكنني لا أعرف كيف ستكون؟ واقعية؟ أم رمزية؟ أم ماذا؟ لكنني سأكتب ما يجول في قلبي وأعماقي، لأن الحياة التي لا نعيشها مرتين تستحق أن نكتبها ولو مرة واحدة.
ينقصنا المزيد من الاهتمام
وعن المشهد الثقافي بحلب، قال: نأمل أن يتطور أكثر، وأن يكون هناك إقبال من الأهالي، لأننا بعد هذه الحرب الظلامية، بحاجة إلى تأهيل النفوس وبنائها، والالتفات إلى المواهب ما كافة الأجيال، الشابة منها والتي شابت، لأن رسالتنا للمستقبل.