ما بعد سوليدار.. موسكو تسير على خطا السلام رغم تقدّمها الميداني
تقرير إخباري:
أحرزت موسكو انتصاراً جديداً على الأرض بتحرير بلدة سوليدار التي تُعد إستراتيجيةً لأسباب عديدة؛ كونها تمهّد الطريق للسيطرة على كامل إقليم دونباس وتوجّه رسالة للعالم بأن روسيا لا تريد ولو مرحلياً السيطرة على كييف بدليل انسحابها الطوعي منها ومن عدة مناطق رغم تقدّمها فيها، بل تُركّز جلّ جهدها على الاكتفاء بالأقاليم التي أُعيدت للوطن لحماية الشعب الروسي بداخلها من خطر عصابات النازية، كما أن هذا الانتصار سيشكل نقطة تحوّل في تحرير أراضي دونيتسك بالكامل، وبشكل يمهّد طريق التقدّم نحو منطقة كراماتورسك القريبة من باخموت التي يعمل الجيش الروسي بشكل واسع لتحريرها كونها تتضمن تحصينات دفاعية قوية لنظام كييف.
وتتضمن سوليدار شبكة من كهوف المواصلات التي تسمح بتنقل الدبابات والمدرّعات على عمق 100 متر تحت الأرض، ولمسافاتٍ تقدّر بعشرات الكيلو مترات، إضافةً إلى تلال مرتفعة تشرف على خطوط الإمداد بين لوغانسك ودونيتسك تُساعد أيضاً في الوصول إلى الخط الدفاعي الأخير لقوات النظام الأوكراني في دونباس.
وكانت الرسالة الروسية واضحةً بُعيد ساعات من هذا التقدّم برفع مستوى قيادات العملية الخاصة، حيث تشي بتوسيعٍ وتكثيف للمهام العسكرية وتوسيع نطاق العملية أيضاً بعد فترة طويلة من الهدوء الميداني الحذر في العديد من الجبهات.
على المقلب الآخر، جاء الانكسار الجديد للنظام الأوكراني بشكلٍ متزامن مع دعم أمريكي وأوروبي غير مسبوق، مالي واستخباري وعسكري وبأسلحة نوعية، وهذا يؤكد أمرين: الأول أنّ هذا الدعم لا يصل إلى وجهته سوى بشكل جزئي، كما يؤكّد أن أمريكا لا تُريد منح نظام كييف أسلحة تساعده على إحراز التقدّم بل تحاول إطالة أمد الصراع بهدف استنزاف روسيا، وحتى إضعاف أوروبا فقط، خدمةً لأهدافها الإمبريالية، وبشكل يصبّ أيضاً في مصالح صانعي الأسلحة الغربيين الذي نجحوا بإعادة عسكرة الكثير من البلدان التي كانت تُعدّ شبه محايدة، بل يسعون نحو تسليحها بأسلحةٍ نووية.
لقد كان الكرملين هادئاً إبان إعلان التقدّم الميداني لغايات تكتيكية، ربما تذكّر بسيناريو ماريوبل ومن المحتمل أنّ المنطقة تتضمن مرتزقة لـ”الناتو” أو أوروبا، ولا يستبعد أن يجري تفاوض بشأنهم بين روسيا والغرب.
كذلك فإن القيادة الروسية تصرّ حتى ضمن هذا المشهد القوي على تأكيد أهمية التفاوض في تحقيق شروطها وترجيحه على انتصارات الميدان، إضافةً لرغبتها في حقن الدماء وإنهاء الحرب التي أرادها رئيس النظام الأوكراني فلاديمير زيلنسكي أن تكون حرباً أهلية بين شعب واحد تفصله حدود دولتين، في حين تجمعه عشرات الروابط القومية والثقافية والوطنية، بعد أن أمعن في هدر حقوقه والاعتداء عليه.
وعلى الرغم من جميع المساعي الهادئة والخطوات التدريجية لموسكو فإن الغرب وللأسف ما زال يصرّ على الحسم الميداني للحرب الأوكرانية، لأنه ببساطة يعتبرها حرب وجود بين قطبين يسيران بطريقة متعارضة.
بشار محي الدين المحمد