الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

المفاهيم واختلافها

عبد الكريم النّاعم

لنتوقّفْ بداية عند تعريف المفاهيم.

“هي فكرة مجرّدة تمثّل الخصائص الأساسيّة للشيء الذي تُمثّله”.

“يمكن أن تنشأ المفاهيم ضمن إطار التجريد أو التعميم، كنتيجة للتحوّلات التي تطرأ على الأفكار القائمة”.

“يتجسّد في تعريف المفهوم كافّة الصًور الذّهنيّة الممكنة لِما تمثّله”.

لا شكّ أنّ المفاهيم متحوّلة بحسب الأزمنة، وهي تخضع للظروف الخاصّة، ولتطوّرات المجتمعات، وأزمنتها المختلفة، فمفاهيم ما قبل الثورة العلميّة تختلف عمّا بعدها، فلم تعد الشمس هي التي تدور حول الأرض، بل العكس تماماً، كما أنّ العقائد الدينية، بتأثيراتها، تختلف من زمن لآخر، فمن عبدة مظاهر الطبيعة إلى عبادة الله العليّ القدير، وهذا ينعكس على المفهوم حُكماً، لا كفهم فحسب، بل كسلوك له منعكساته الذهنيّة، والمفهوميّة، والاجتماعيّة، لنتوقّف عند ما يدلّ على ذلك.

*******

من تغيّر المفاهيم في أوروبا التي تُعتبَر قبلة في كثير من المسائل لدى كثيرين، أنّها في القرون الوسطى كان الرجل قبل خروجه من البيت يُلبِس زوجته أداة يسمّونها حزام العفّة، وهو حزام يمنع الزوجة من ممارسة الجنس، وتظلّ هكذا حتى يعود زوجها فيحرّرها من ذلك الحزام.

أخذتُ موضوعة الجنس لِما لها من آثار عميقة في حياة البشر، وهي في الشرق ما يسمّونه الكبت الشرقيّ، وحيث يتزايد الكبت تتزايد الانحرافات.

نعود لأوروبا فهي الآن تعتبر الجنس حريّة شخصيّة بحتة، ولا يُعاقب القانون على ممارستها بين رجل وامرأة، فمن المألوف هناك أن يتعايش رجل وامرأة تحت سقف واحد كأيّ زوجين دون أيّ رابط قانوني، وحين يملّ أحدهما من الآخر يتّفق معه على الافتراق، وقد بالغ الغرب في هذه الحريّة لدرجة إباحة العلاقات المثليّة، المحرّمة في كلّ ديانات العالم، ويُراهِن بعض المرشّحين لانتخابات ما على أصوات هؤلاء بإعلانهم الدفاع عن حريّتهم، ولا شكّ أنّ ذلك جاء نتيجة ظروف اجتماعيّة معقّدة، ومنها بروز مفاهيم جديدة. ورغم ذلك فإنّ هذه الحريّة المصونة بقوانين تتغيّر تغيّراً شبه جذريّ حين يمارس صاحب منصب رفيع في تلك المجتمعات علاقة غير شرعيّة، وتلك مفارقة مثيرة، فكم من صاحب منصب حساس استقال من منصبه، أو أُقيل بعد اكتشاف علاقة جنسيّة، وهو متزوّج، لكأنّ تلك المَناصب تعني فيما تعنيه ضمناً، أن تظلّ محافظة على رِفعة يُفترض ألاّ تُجرَح.

المشكلة تبرز مع مَن يُهاجر من هذه البلاد هو وزوجته، ويُرزقان بابن أو ابنة، ويدخلان مرحلة الشباب، والمفاهيم، والقوانين هناك تعطيهما حقّ أن يتصرّفا كما يتصرّف أبناء البلد، فلا يستطيع الأب منع ابنته من استقبال صديقها في بيته وعلى انفراد وأن يأخذا حريتهما الجسدية المحميّة بالقانون، فماذا يفعل الأبوان اللّذان نشأا نشأة شرقية بحتة؟ وكيف يتوازنان؟ وهل يستطيعان التخلّص ممّا نشأا عليه؟!!

aaalnaem@gmail.com