“التيار الديني الصهيوني”.. عدوانية مفرطة بخلفية أيديولوجية متطرفة
البعث الأسبوعية- علي اليوسف
إن ارتفاع منسوب العنف ضد المواطنين الفلسطينيين العزّل مرتبط بشكل وثيق بالعدوانية المفرطة المغلّفة بخلفية أيديولوجية متطرفة للكيان الإسرائيلي، لكن على أي أساس يستخدم هذا العنف، هل هو على تلك الخلفية، أم أنها نتيجة لتحريض ممنهج من قبل “التيار الديني الصهيوني”؟.
هي أسئلة كثيرة تطرح أمام هذا العنف الذي تستخدمه أداة القمع الصهيونية، ولكي يتم التعرف على الأسباب الحقيقية لارتفاع هذا المنسوب من العنف، من الضرورة بمكان الاضاءة على دور التيار الديني الصهيوني الذي يرفع الشعارات الدينية بعد أن سيطر على الأجهزة ذات الصلاحيات الواسعة في ما يسمى دولة “إسرائيل”.
يختلف “التيار الديني الصهيوني” مع “التيار الديني الأرثوذكسي” على موضوع تأسيس ما يسمى “إسرائيل”، وبناءً على هذا الاختلاف استخدم الفتاوى للالتحاق بالوحدات القتالية، حيث يعتبرها مهمّة “مقدسة، ومن هذه الفتاوى على سبيل المثال لا الحصر، أصدر الحاخام إبراهام شابيرا الَّذي كان يشغل منصب الحاخام الأكبر من عام 1983 إلى عام 1993 فتوى دينية تعتبر أن “الخدمة العسكرية والروح القتالية مهمة جماعية يفرضها الرب، وتهدف إلى قيادة المشروع الصهيوني والمحافظة عليه”.
الحرب الأهلية في الأفق
في بداية تسعينيات القرن الماضي، تم إنشاء أكاديميات مخصصة لتلقي الطلاب المتدينين تعليمهم الديني، بالتزامن مع الالتحاق بالخدمة العسكرية، وقد مثّل ظهور تلك الأكاديميات نقطة فارقة في زيادة عدد المتدينين. ومع تشكيل حكومة الكيان الصهيوني الأكثر يمينية منذ عام 1948، من الطبيعي حدوث تداعيات كثيرة نتيجة سيطرة “التيار الديني الصهيوني” على المفاصل الأساسية السياسية والاقتصادية في ما يسمى “الدولة”، وستشمل التداعيات الساحة الداخلية بشكل كبير، وتحديداً الضفة الغربية والقدس.
هذه السيطرة ستؤثر على الكيان الإسرائيلي نفسه سواء على المستوى الشعبي أو على صعيد مؤسسات الدولة، لأن تحالف الليكود والتيار الديني الصهيوني بعد الانتخابات الأخيرة سيؤدي إلى تفكيك مؤسسات الدولة، وبالتالي زوالها لأنه سيأتي من برنامج المتدينين الحريديم ومعتقداتهم.
يرسم كتاب “قبّعة وقبّعة”، صورة قاتمة لمستقبل “إسرائيل” في حال تمكنت القوى اليمينية، وأنصار “التيار الديني الصهيوني” تحديداً، من السيطرة على مفاصل “الدولة”، لا سيّما مؤسسة “الجيش” وأجهزة الاستخبارات. وقد توقّع الكتاب أن تسير السياسة الداخلية والخارجية للكيان الصهيوني وفق ما يرتئيه الحاخامات والمرجعيات الدينية، وليس كما كانت الحال في السنوات الماضية، إذ كان المستوى السياسي صاحب الكلمة الفصل في تحديد تلك السياسات. كما أن السماح للمتدينين بالوصول إلى مراكز التأثير سيهدد حصول الإسرائيليين غير المنضوين تحت جناح هذا التيار على “حقوق المواطنة”، بما يمكن أن يؤسس في مرحلة لاحقة لانقسام داخلي ربما يصل إلى حرب أهلية.
العنف مقابل المقاومة
من الطبيعي أن تترجم الشعارات التي يرفعها حاخامات “التيار الصهيوني”، على الأرض، خاصةً لجهة التعامل مع الفلسطينيين، والتي ستكون بلا شك على شكل جرائم واعتداءات من أنصار هذا التيار، وبالتالي فإن المنطقة ستذهب باتجاه المزيد من العنف والتصعيد الذي سيُقابل بالضرورة برد فعل من المقاومة الفلسطينية، ومن عموم الشعب الفلسطيني، بما يمكن أن يُدخل المنطقة برمتها في موجة جديدة وواسعة من القتال.
وما دامت هذه الحكومة المتطرفة قائمة، فإن المواجهة القادمة لا تبدو بعيدة، حيث سيكون صاعق تفجيرها الأول هو ارتفاع منسوب الاعتداءات على مدينة القدس المحتلة، وتحديداً فرض التقسيم المكاني والزماني في المسجد الأقصى، الذي بدت ملامحه منذ زيارة إيتمار بن غفير الأخيرة، على غرار ما يحدث في المسجد الإبراهيمي في مدينة الخليل، والتوسّع في إقامة المستوطنات في مدن الضفة الغربية، وشرعنة البؤر غير المعترف بها هناك.
إن إطلاق شرارة إيتمار بن غفير ستدفع الحكومة الإسرائيلية للعب على موضوع السيطرة على المسجد الأقصى، وتدميره وإعادة بناء الهيكل الثالث على أنقاضه، إلى جانب طرد الفلسطينيين الذين يقطنون في القدس والضفة الغربية، وهذا الاحتمال وارد بقوة في ظل الدور الذي يؤديه “التيار الديني الصهيوني” وتأثيره على صانع القرار في “إسرائيل”، إذ من النادر أن تتجاهل الحكومات، بصرف النظر عن تكوينها السياسي، توصيات “الجيش” الذي يسيطر عليه هذا التيار الديني، ناهيك عن الحكومة اليمينية المتطرفة، ما يفتح الباب على مجموعة من القرارات المتطرفة والعدوانية.
هذه القرارات بدأت تظهر ملامحها منذ فترة نتنياهو الثانية في رئاسة الوزراء، حين بدأ الضباط المتدينين بتقديم ولاءهم لتيارهم الأم متأثرين بخلفيتهم الأيديولوجية المتطرفة، وبالتالي الابتعاد كثيراً عن عملية السلام مع الفلسطينيين التي لن تكون وحدها المستهدفة، لأن قوى اليمين الصهيونية مهتمة أيضاً بالتطورات المتسارعة في مجمل المنطقة، ومجمل العلاقة مع أطراف محور المقاومة.
وللتذكير كانت مواقف بنيامين نتنياهو، رئيس الحكومة الحالي، من إيران على سبيل المثال، تتسم بالتطرف والعدوانية، فقد كان يتبنى إبان فترة حكمه السابقة سياسة تدعو إلى مهاجمة إيران وفرض العقوبات عليها واستهداف برنامجها النووي والصاروخي من خلال عمليات سرية. وهذا السلوك ينطبق اليوم على شركائه الجدد، أمثال بن غفير وسموتريتش، المعبأون بنزعات عدوانية تجاه كل من يخالف مواقفهم المبنية على عقيدة أيديولوجية متطرفة، وربما يدفعون نتنياهو إلى الذهاب إلى مغامرة غير محسوبة العواقب.
كل المؤشرات تؤكد أن وصول غلاة المتطرفين في الكيان الإسرائيلي إلى سدة الحكم، سيدفعان نحو مزيد من التوتر والتصعيد، ليس داخل الأراضي الفلسطينية فحسب، وإنما على مستوى المنطقة ككل، لأن الأيديولوجيا الدينية المتطرفة التي ينشرها “التيار الديني الصهيوني”، والتي تدعو إلى ممارسة كل أشكال العنف والقتل والإجرام تجاه الغير، ستشعل المزيد من الحروب والمزيد من الصراعات التي سيدفع ثمنها الكيان الصهيوني وحده.