الشاعرة مرام دريد النسر
أمينة عباس
حصلت الشاعرة مرام دريد النسر مؤخراً على جائزة الدولة التشجيعية في مجال الأدب وهي المؤمنةً أن سورية ولاّدة وفيها مئات المبدعين، وقد خُيّل لها أن فرصتها تكاد تكون معدومة في نيل الجائزة، لاسيما وأنها لم تكمل الثلاثين عاماً، حيث لم يسبق أن مُنِحت لمن يقل عمره عن الخمسين، إلا أن إيمانها بذاتها وبأن العمر هو مجرد رقم ولا مجال للتغاضي عن الإبداع مهما كان عمره أو جنسه أو انتماؤه زاد من إيمانها وثقتها بنفسها.
*ماذا يعني لك نيلك جائزة الدولة التشجيعية؟
**هذه الجائزة هي أكبر وأجمل جائزة ممكن للأديب أن يتلقاها،لا سيما وأن التكريم جاء من بلدي سورية، والدهشة والفرح مرسومان حتى هذه اللحظة على وجهي لأن هناك من يقدّر قيمة الإبداع ويفتح ذراعيه لاستقبال كل جديد.
*ما بين المجموعة الأولى لك والتي حملت عنوان “البيان” والأخيرة التي حملت عنوان “وحدي أمام البحر” فما الذي تغير فيكِ كشاعرة؟
**ما بين المجموعتين هناك كثير من الاختلاف، فوليد اليوم لا يشبه وليدَ الأمس، ومدى النضج والوعي لدى إنسان خاض تجارب الحياة لا يُقارَن بإنسان ما يزال حديث العهد في التعامل مع مجتمعه، وأظن أنني تطورتُ مع الأيام وصقلتُ موهبتي بالقراءة والمتابعة المستمرة، فالموهبة عنصر لازم ولكنه ليس كافياً للمتابعة.
*وما الذي يميز عوالمك الشعرية؟
**ربما كان الحب هو أكثر ما يميز شعري دائماً لأن له سهماً نافذاً إلى القلب، وكلما حاولنا الهروب منه نجد أنفسنا نغرق أكثر ونعود إليه مجدداً.. كنتُ أكتب عن القرب وحلاوته، وكتبتُ كثيراً عن الفراق ولوعته، ومابين هذا وذاك كثيرٌ من التفاصيل التي أثَّرت بي ودفعتني للكتابة عنها وتوثيقها.
*كثيرٌ من الأدباء كانت بداياتهم من خلال الشعر ولم ينتهوا به، في حين أنكِ بدأتِ بكتابة القصة وانتهيتِ إلى عالم الشعر، فما الذي أغراكِ به؟
**بدأتُ كتابة القصة منذ نعومة أظافري، ربما لأنني أمضيتُ ساعات طويلة على ضفة نهر الفرات وأنا أطالع الأدب العربيّ والأجنبي، وأسرح فيما أبدعتْه تلك العقول، والإنسان مفطورٌ على المحاكاة والتقليد، فأخذتُ بالكتابة النثرية لأنني أشعر أن هناك شيئاً غريباً يراودني كلما أنهيتُ قراءة كتاب ما، وأن بإمكاني أنا أيضاً أن أوصل أفكاري بطريقة ما، وكانت الكتابة هي الأقرب إلى قلبي.. ثم بدأتُ بقراءة الشعر، وكنتُ أُطرب بقراءة القصة والرواية وجلبتُ الكثير من الدواوين الشعرية وقرأتُها بعناية فائقة حتى كتبتُ أول بيتين في حياتي، وأذكر أنهما كانا عن الخيبة، وعرضتُهما على القاص الشاعر الليبي جمعة الفاخري، ففوجئ بي وقال أنتِ شاعرة وعليكِ ترك مجال القصة والالتفات للشعر وستكونين يوماً ما شاعرة لامعة، وكان أول من وضعني على درب الشعر وعرَّفني أن ما كتبتُه ليس كلاماً عادياً، علماً أنني كنت في الصف التاسع ولم أكن مطّلعة بعد على بحور الشعر.
*ما هي المحطة التي تعتبرينها علامة فارقة في مسيرتك الشعرية؟ ولماذا؟
**هناك أكثر من محطة، كانت أولها نشري للمجموعة الأولى”البيان” وأنا ما أزال طالبة جامعية في كلية الطب،وهنا بدأت المسؤوليةُ تزداد على عاتقي، لاسيما وأن الناس بدأوا يلتفتون لموهبتي وكان عليّ أن أردّ الجميل بالعمل على تطوير ذاتي والتنقيب المستمر عن اللوحات والمَشاهد التي يمكن للشعر أن يضفي عليها جمالاً وروعة.. ونشرت بعد ذلك “مراميات” أما المفرق الحاسم في حياتي فكان برنامج “أمير الشعراء” ولطالما تابعتُه ووددتُ لو تتاح لي فرصة المشاركة فيه للتعرف على نماذج مختلفة من الشعراء ومدارس شعرية عديدة تغني ذائقتي وتكسبني مهارات جديدة أستطيع من خلالها أن أحلّق كيفما شئت، وأذكر أنني استخرجتُ جواز سفر من أجل المسابقة على الرغم من أنني غير أكيدة من أنهم سيتواصلون معي أو أنني سأكون من المقبولين على كثرتهم وتنوعهم، فهذه المسابقة تضم القاصي والداني من الشعراء من المحيط إلى الخليج، لكن أملي كان كبيراً، وبالفعل اختاروني وبقيتُ حتى مراحل العروض المباشرة متجاوزة الكثير ممن يحلمون بلقب الإمارة، وصحيح أنني لم أنله لكن شرف المحاولة يكفي، وقد كنتُ أصغر المشتركين سناً آنذاك، واستطعتُ الوصول إلى النهائيات وقابلتُ لجنة مخضرمة بالأدب أضافت لي الكثير.
*ولكنكِ فزتِ بعد ذلك بجائزة نزار قباني الشعرية عن كتابك “سحر عانق الأبد” فما الذي ميّز هذا الديوان؟
**علَّمني درساً هاماً هو الإيمان بأن للشعر مدارس مختلفة، وما يروق لبعضهم قد لا يروق بعضهم الآخر، فقد كان العنوان “سحر عانق الأبد” وهو عنوان قصيدتي التي اشتركت بها في نهائيات أمير الشعراء ولم تؤهلني للمتابعة، لكنني آمنتُ بها ودافعتُ عنها فاشتركتُ بمسابقة نزار قباني الشعرية فور عودتي إلى سورية وقد أُعجِبت اللجنةُ بأسلوبي ومنحوا ديواني الثالث هذا اللقب الكبير، فأيقنتُ حينها أن الاختلاف لا يفسد للود قضية، ولولا تعدد الأذواق لما نفذت البضائع.. من هنا أدعو جميع الأدباء للدفاع عن آرائهم وكتاباتهم بشراسة وعدم الإحباط من بعض الآراء لأن القمة تتسع للجميع، والقاع مزدحم جداً.
*ما أبرز مشكلات الشعر برأيك؟
**هناك العديد من المشكلات، أبرزها النمطية والتكرار، فقد تآلفنا مع القوالب الشعرية الجاهزة والألفاظ المكررة، حتى أننا قليلاً ما نرى ألفاظاً جديدة تسترعي انتباهنا أو توقظنا مما اعتدنا عليه.. وهناك أيضاً التحرر الزائد من الوزن والقافية وشيوع قصيدة النثر بشكل كبير، وأنا أعزو هذا إلى استسهال الكثيرين لموضوع الشعر وامتهانهم لما هم ليسوا أهلاً له من البداية،وهذا لا ينفي دورَ قصيدة النثر وأن هناك الكثيرين الذين أبدعوا وأضافوا على هذا الفن، مع تحيّزي إلى البحور والموسيقا، فالشعر بتعريفه هو كلام موزون مقفّى.
*وماذا عن العثرات التي تواجه الشعر الذي تكتبه المرأة؟
**القيود المجتمعية كثيرة، أبرزها العادات والتقاليد، فحتى الآن يُنظَر للمرأة الشاعرة على أنها مذنبة أو خارجة عن السياق لمجرد تعبيرها عما يدور بذهنها، وحتى الحب ما زال بنظر الكثيرين جريمة وأن على المرأة أن تداري شعورها وتكتمه حتى لا يُظن بها السوء.. وأنا على النقيض من هؤلاء جميعهم أعبّر عن أفكاري بكل شفافية وتجرد، وكثيراً ما يسافر بي الخيال إلى أماكن لم أكن أتصور أنني سأصل إليها يوماً، فلماذا عليّ أن أبرر جميعَ ما أكتبه؟ إن وظيفة الشاعر أن يكتب ويترك الحرية للقارئ في المتابعة والاستنتاج، وكما أن للشعر أجنحة في الخيال لديه أجنحة في الواقع، فقد استطعتُ بشعري أن أسافر إلى “أمير الشعراء” وسافرتُ إلى “أمير البيان” في إيران، ولا أظن أنني سأتوقف عند حد، فالرحلة ما تزال في أولها، وأنا متشوقة للتحليق عالياً ورؤية كل جديد.
*كيف تفسرين الإقبال الكبير حالياً على كتابة الشعر من قِبل الشباب؟
**العالم بحاجة متزايدة إلى العاطفة مع تنامي الذكاء الإلكتروني الذي يحتم علينا الابتعاد عن أحاسيسنا، والكتابة هي الترياق لإشباع ذواتنا والتعبير عن خلجات نفوسنا وما يعتريها من رياح عاصفة في كل زمان ومكان، إضافة إلى الانتشار الواسع للمسابقات الأدبية ذات الجوائز المجزية التي تعطي الأدباء أملاً وتسلط على طاقاتهم الضوء وهم بأمسّ الحاجة إلى الدعم المادي والمعنوي حتى يكون لوجودهم مبرر وينهمر عطاؤهم كالغيث على عشاق الكلمة الطيبة والفن الأصيل.
*هل تمارسين النقد على ما تكتبين أم تنتظرين النقاد لفعل ذلك؟ وهل أنصفك النقد؟
**أمارس النقدَ على كل ما أكتبه، فلدى كل إنسان بصيرة تمكّنه من رؤية الأمور بشفافية مطلقة، ولا أنكر أنني قد أتسرع أحياناً بالنشر لأني بحاجة إلى سماع صدى ما أكتبه وتأثيره على الآخرين، لكن حين أعود للقراءة بعد مرور فترة من الزمان عليه لا أكون راضية عن كثير مما أكتبه سواء من ناحية العرض أو اختيار المفردات أو الصياغة، وأكون متشددة في الحكم على ذاتي كي لا أقف عند حدّ انطلاقاً من مقولة “إذا لم تزد على دنياك شيئاً كنتَ عليها زائداً” ولا أعلم فيما إذا كان النقاد قد أنصفوني أو لا، لكنني حين أنشر أترك للجميع حرية النقد وأهتم بملاحظاتهم، فبعضهم يرى ما لا أراه ويضيف إليّ الكثير بكلماته النابعة من خوفه عليّ وليس من رغبته في الانتقاص مني، وبعضهم الآخر ينتقد من أجل النقد فقط، وأشعر أنه ذو محتوى فارغ وتعلّم كلمات معينة يطبقها على الجميع، حتى بات مكشوفاً وخارجاً عن السرب.
*ماذا أضاف الطب الذي تمارسينه للشعر؟ وماذا قدم الشعر لمهنتك؟
**يقول الطبيب الشاعر وجيه البارودي: “ولي جناحان من طبّ ومن أدب حلّقتُ لا أحد في الكون يدركني” وأشعر أن هذا الكلام هو الجواب الشافي، ففي الطبّ نداوي علل الأجساد، وبالشعر نداوي الأرواح ونسمو في سماوات ما كنا لنصل إليها من قبل، وهما متناغمان ولا يمكن الفصل بينهما، فالطب مهنة إنسانية تحوفها المخاطر، والشعر موئل لكل جميل ومؤلم،وهذه التناقضات هي التي تبرر وجودنا وتلهمنا لنواصل الخطا ونقطع المسافات.
*ما هو جديدك؟
**أحضّر للمجموعة السابعة بعنوان “طفل من ورق” على اعتبار أن المجموعات الشعرية هي أبناء فكري الأحياء وكل مافيها عائد إلى تجارب حية عشتُها وسأعيشها كل يوم.
مرام دريد النسر.. خريجة كلية الطب البشري جامعة دمشق عام 2017عضو اتحاد الكتّاب العرب.. لها المؤلفات الشعرية الآتية: “البيان-مراميات-سحر عانق الأبد-نسر على قمم الغياب-يا تاركاً للريح قلبي-وحدي أمام البحر”وفازت بلقب أفضل قصيدةوطنية عام2020 في اتّحاد الكتّاب العرب.