ناجون يروون اللحظات الأولى للكارثة.. استنفار شعبي قابله استنفار رسمي.. التكافل والتضامن عزى المتضررين وخفف من وقع الفاجعة
البعث الأسبوعية – معن الغادري
لم يكن فجر يوم الاثنين عادياً، إذ ضرب مدينة حلب زلزال هو الأعنف منذ عشرات السنين، أدى إلى وقوع عشرات الضحايا وانهيار عدد كبير من الأبنية، عدا الهلع والخوف والرعب، والذي دفع بسكان حلب إلى ترك منازلهم والنزول إلى الشوارع والساحات والحدائق، خوفاً من موت محقق جراء الزلزال المدمر.
لا شك أن الصدمة كانت كبيرة، من الصعب عند اللحظات الأولى لوقوع الزلزال وصفها، لدرجة الذهول والصمت المطبق، اذ لا تملك إلا الصراخ وأن تحضن أطفالك وتتضرع إلى الله عز وجل بأن يحفظهم ويحميهم من هول هذا الحدث الجلل، وأن تجد مخرجاً للهروب إلى الشارع في مشهد هو الأقسى والأصعب على الحلبيين الذين عاشوا أوقاتاً عصيبة لا يمكن محوها من الذاكرة، خاصة أنها أدت إلى وفاة العشرات من المواطنين وإصابة المئات وانهيار العشرات من الأبنية.
احتواء الصدمة …
كان الأمر يحتاج إلى وقت طويل لاحتواء واستيعاب ما حدث، فالساحات والشوارع غصت وامتلأت عن آخرها، ترقب بكثير من الخوف والهلع ما سيحدث تباعاً من اهتزازات ارتدادية، قد تؤدي بحياة المزيد من المواطنين، خاصة بعد توارد الأخبار عن انهيارات في الأبنية في عدد من أحياء المدينة، ناهيك عن أخبار المتداولة حول مصدر الزلزال وقوته والتي بلغت 7.8 على مقياس ريختر.
أحد الناجين من حي الكلاسة قال هرعت أنا وأسرتي إلى الشارع فور حدوث الهزة ، ورأيت بأم عيني البناء المجاور لسكني وهو ينهار، كنا لا نملك إلا الصراخ والبكاء هلعاً ورعباً، على الضحايا والشهداء الذين قضوا جراء الانهيار، ويتابع حتى اللحظة لا أصدق ما حدث، وهو مشهد مبكي ومؤلم، خاصة أنك ترى الموت يحيط بك من كل جانب، والحمد الله أن الله نجانا، ولمن يبقى الألم كبير وكبير جداً على الضحايا الذين قضوا بهذه الفاجعة.
شخص آخر كان يقف على بعد أمتار من أحد المباني المنهارة، يراقب ويتابع بلهفة أعمال الإنقاذ، وأجاب باكياً عائلة أخي تحت الأنقاض، وكل رجاء من الله سبحانه وتعالى أن يكونوا سالمين.
سيدة خمسينية في حي العزيزية قالت لا يمكن أن نصف ما حدث، ما أنذكره أنني وأولادي وزوجي هرعنا الى الشارع مع سكان البناء، غير مصدقين ما يحدث، وأحسست من قوة الزلزال أن الأبنية ترقص وأن الأرض ستبتلعنا، هذا المشهد المفزع والمرعب، رافق كل سكان حلب الذين نزلوا الى الشوارع والساحات بما يلبسون، دون أن يفكروا بأي شي سوى النجاة من هول ما حدث.
ترقب وانتظار …
ساعات طويلة أمضاها سكان حلب عقب الهزة الأرضية الأولى في الشوارع والساحات يرقبون ما سيحدث، ويتناقلون فيما بينهم الأخبار والاتصالات للإطمئنان على أبنائهم وأقاربهم وأخوتهم وأصدقائهم في باقي الأحياء، وأكثر ما لفت هو التضامن الكبير بين السكان والأهالي، خلال هذه الدقائق والساعات العصيبة، والإكثار من الأدعية فيما بينهم للتخفيف من وقع الفاجعة، وتجسد ذلك بعد زوال الخطر تدريجياً من خلال تقديم المساعدات والتطوع من قبل الشباب للمساعدة في تقديم الغذاء والمأوى للمتضررين.
أخبار صادمة …
لم يكن الأمر سهلاً على السكان في الشوارع وهم يتلقون أخباراً عن حدوث انهيارات واصابات ووفيات، فكانت أصوات سيارات الإسعاف تزيدهم رعباً وخوفاً، ومنهم من سارع إلى المشافي للمساعدة وللاطمئنان على أقاربهم ومعارفهم، وما كان صادماً هو ارتفاع حصيلة الوفيات والإصابات، ما زاد من الألم والوجع.
استنفار …
الاستنفار الشعبي والسكاني قابله استنفار رسمي، إذ انتشرت فرق الدفاع المدني ورجال الإطفاء ومنظومة الإسعاف والكوادر الصحية والاسعافية والوحدات الشرطية في الأحياء والمواقع المتضررة، للقيام بأعمال الإنقاذ وانتشال العالقين تحت الأنقاض، وتشكلت وحدة عمل ومتابعة على مستوى المحافظة لتقديم كل الدعم للأسر المتضررة من مأوى وغذاء وغيرها من مستلزمات استمرار الحياة.
الدكتور زياد حاج طه مدير صحة حلب، أوضح أن ما حدث كان مهولاً ومفزعاً، مشيراً إلى المنظومة الصحية استنفرت بكامل طواقمها الطبية والإدارية وفتحت أبواب المشافي وغرف العمليات لإستقبال المصابين، وتم التعميم على كافة المشافي الخاصة، باستقبال المصابين ومعالجتهم مجاناً.
الدكتور معد مدلجي رئيس مجلس المدينة أوضح بدوره أن المديريات الخدمية استنفرت بشكل كامل، وسارعت إلى المواقع المتضررة للمشاركة في أعمال الإنقاذ، وبين الدكتور مدلجي أن المصاب كبير، والاضرار كبيرة أيضاً، وعمليات إزالة الأنقاض والبحث عن ناجين مستمرة حتى اللحظة، داعياً الأهالي إلى الإبلاغ فوراً عن أي بناء تعرض إلى التصدع أو التشقق جراء الزلزال ليتم الكشف عنه وإخلاء السكان منه، موضحاً بأن مجلس المدينة وبالتعاون مع مجلس المحافظة والجهات المعنية أهدوا مراكز إيواء للمتضررين وتم تجهيزها بكل ما يلزم من خدمات، لإستعياب الأهالي الذين تضررت متازلهم.
وأكد الدكتور مدلجي، أن العمل حارً حالياً عبر الفرق الفنية في مجلس المدينة، وبالتعاون مع نقابة المهندسين للكشف على كافة الأبنية في الأحياء المتضررة، وسيتم إخلاء أي بناء تعرض إلى الاضرار وتامين سكانه في مراكز الإيواء.
تضامن أهلي وشعبي …
أكثر ايجابيات ما حدث هو التكافل والتضامن الشعبي مع المتضررين، إذ بادرت كافة الجمعيات الأهلية والمؤسسات الخيرية، والمنظمات الشعبية والنقابات والهيئات الصناعية والتجارية، إلى تقديم الدعم والمساعدة للأهالي، وتنوعت المساعدات بين تأمين المأوى والغذاء واللباس وغيره من احتياجات الأهالي والأسر المتضررة، ما ترك كبير الأثر في نفوس المجتمع، والذي جسد كل معاني التضامن والتعايش المشترك.
126 مركز إيواء …
ضمن الإجراءات التي اتخذتها اللجنة الفرعية للإغاثة في محافظة حلب وفي سياق الاستجابة الطارئة للزلزال الذي ضرب المدينة خصصت محافظة حلب /126/ مركز إيواء للمواطنين في عدد من المواقع من مساكن مؤقتة ومدارس ومساجد وكنائس ، وتوزيع الوجبات الغذائية والمساعدات الإنسانية والاغاثية .
وتواصل محافظة حلب بالتنسيق مع الجهات الحكومية والأهلية تقديم الدعم والمساندة في ظل استنفار جميع الجهات المعنية لتأمين المستلزمات المطلوبة .
أضرار في الشبكة الكهربائية
الأضرار جراء الزلزال طالت الكثير من القطاعات الخدمية ومنها قطاع الكهرباء، إذ أوضح مدير شركة كهرباء حلب المهندس محمد حاج عمر، أن ورشات الشركة مستنفرة لإزالة الخطر جراء الزلزال.
ولفت المهندس حاج عمر إلى أن هناك أضرار وقعت على الشبكة الكهربائية شملت الأعمدة والشبكة والأبراج والمراكز التحويلية بالريف ، مشيراً إلى أنه لا يمكن تغذية الكهرباء حسب جدول التقنين ما لم يتم التأكد من سلامة الشبكة، مبيناً أن الورشات الفنية تقوم بعمليات الإصلاحات وتستجيب بالسرعة الممكنة لمعالجة أي طارىء.
حصيلة غير نهائية …
بقي أن نشير إلى أن ما لحق بحلب من أضرار جراء الزلزال يضعها ضمن تصنيف المدن المنكوبة، اذ بلغت حصيلة الوفيات وهي غير نهائية / 255 / حالة وفاة، وعدد الإصابات / 602 /مصاباً ، وعدد الذين تم انقاذهم من تحت الأنقاض أحياء / 89 / شخصاً وبلغ عدد المباني المنهارة
/ 52 / مبنى، وعدد مراكز الايواء ١٢٦ مركزاً، وعدد الاشخاص في مراكز الايواء ٧٠٠٠ شخصاً .
وحتى لحظة اعداد هذا الملف تواصل فرق الدفاع المدني والإطفاء والصحة والاسعاف والهلال الأحمر ، وكوادر وآليات القطاع العام عمليات الإنقاذ ورفع الأنقاض والبحث عن ناجين وإسعاف الجرحى، وهنا لا يسعنا إلا تقديم التحية لهؤلاء الجنود المجهولين الذين تحدوا كل المخاطر وتجاوزوا كل الإمكانات والطاقات للقيام بأعمال الإغاثة والإنقاذ.
تخوف من انهيارات
عدا عن قوة الزلزال الذي أدى إلى انهيار / 52 / مبنى، معظمهم في الأحياء الشرقية من المدينة والمكتظة بالسكان، يخشى أهالي حلب انهيار المزيد من الأبنية في هذه الأحياء، خاصة أن معظم هذه الأحياء مخالفة وأبنيتها قديمة وتعاني سابقاً من تصدعات تشققات لأسباب عدة منها عدم استيفائها لشروط السلامة العامة وبناؤها بشكل مخالف، ومنها ما تعرض إلى تصدعات نتيجة تسربات مياه شبكة الصرف الصحي إلى أقبيتها، وفيما مضى شهدت حلب انهيارات عدة في الأبنية وتوفي على أثرها عشرات المواطنين.
ويقول متابعون ومهتمون، أن الحاجة أكثر من ماسة لإجراء عملية مسح جدية لهذه الأحياء، والكشف على كافة الأبنية المتصدعة والآيلة للسقوط، والقيام بأعمال الترميم والصيانة، أو إخلائها من السكان.
ويشير أحد الذين خرجوا من حي كرم الجبل عقب الزلزال أن العديد من الأبنية تضاعف نسبة انهيارها بعد حدوث الزلزال، والأمر ينسحب على العديد من الأبنية المخالفة والمسجلة ضمن قائمة الأكثر خطراً في سجلات لجنة السلامة العامة، وبالتالي لا بد من معالجة هذا الأم وعلى وجه السرعة، خشية من حدوث فواجع جديدة.
ويرى آخرون أن الزلزال المدمر الذي ضرب المنطقة وكانت حلب الأكثر ضرراً منه، يجب أن ينبه المعنيين في مجلس المدينة، بضرورة الإسراع بإنجاز المخطط التنظيمي والإسراع بإزالة العشوائيات وإيجاد البدائل الأكثر أماناً حفاظاً على أرواح المواطنين.
يشار في هذا الصدد إلى أن البعث أثارت هذا الملف غير مرة عقب وقوع فواجع متكررة خلال الفترات السابقة، نتج عنها وفاة عشرات المواطنين، وكانت الشركة العامة للدراسات والاستشارات الفنية قد أعدت دراسة تقيمية للقطاعات التخطيطية «2-4-6» والتي تضم 36 حياً، وهي في عهدة مجلس المدينة ووزارة الإدارة المحلية، وتشير الدراسة إلى أن مجموع الأبنية غير المتضررة «33633» بناء طابقياً ومجموع الضرر المعماري الخفيف «10176» بناء طابقياً ومجموع الضرر الإنشائي الخفيف «8031» بناء طابقياً ومجموع الضرر المتوسط «4460» بناء طابقياً ومجموع الضرر الشديد «5452» بناء طابقياً، وخرجت الدراسة بتوصية فورية لمعالجة هذه الحالات وَهُو الإخلاء الفوري لمعظمها وفق الإجراءات القانونية أو مقتضيات السلامة العامة، وبالتالي تأمين إيواء مؤقت لمثل هذه الحالات ضمن الإمكانات المتاحة في محافظة حلب، كما خلصت الدراسة إلى أن عدد الحالات التي تشكل خطورة عالية «9912» بناء طابقياً مؤلفة من أربعة طوابق لكل مبنى ويضم الطابق الواحد شقتين سكنيتين أي مايعادل 80 ألف شقة سكنية مهددة بالانهيار