حضور لافت لكوادر الحزب والمنظمات الشعبية والنقابية منذ اللحظات الأولى للكارثة.. وقصة إنقاذ شاب أمضى خمسة أيام تحت الأنقاض
البعث الأسبوعية – مروان حويجة
إذا كان الزلزال المجلجل المدمّر قد فجع السوريين بهول شدته وبأضراره الكارثية المروّعة التي هزّت وزعزعت النفوس وارتعشت معه شرايين الحياة، فإنّ هذا الزلزال الغادر المشؤوم لم يكن – للأسف – إلا قدر السوريين الأقسى والأدمى لاختبار جبروتهم وتعاضدهم وتكاتفهم في وجه هذا الحدث المأساوي الدامي، وهذا التكاتف تجلّى على الأرض إنقاذاً وإغاثةً وإيواءً بتكامل المؤسسات الحكومية والمجتمعية والأهلية كما برزت المبادرات الفردية التي لم تكن غريبة عن قيم المجتمع السوري، وبالأخص في الأزمات والمحن، فكثرت دعوات أصحاب المنازل إلى المتضررين لاستضافتهم في بيوتهم بدعوات صريحة معلنة، وكثيرون ممن لديهم فائض في الأغطية والألبسة والاحتياجات الأساسية عرضوها جهاراً أمام محتاجيها، وأمّا الجمعيات والنقابات والهيئات والمؤسسات المجتمعية فقد سارعت من الساعات الأولى لمؤازرة الجهات الحكومية في أعمال الإغاثة والإيواء والإطعام والاستشفاء والإسعاف بكل كوادرها التطوعية وأدواتها ومعداتها، وأمام السيل الدافق من صور ومشاهد التطوع المجتمعي تطالعنا حكايا زلزالية تدمي القلوب من هول ما حصل عند تلك اللحظات الكارثية العصيبة التي لن ينساها السوريون لأنّها فوق كل تصوّر وتخيّل، ولأنّ الاستجابة الطارئة للتداعيات والعواقب جاءت سريعة شاملة من كل القطاعات والمؤسسات والفعاليات المجتمعية والأهلية فقد كان الأمل كبيراً بعزيمة وعزم وإرادة أبناء اللاذقية كغيرهم من أبناء الوطن أن يكون التعامل مع الحالة الكارثية الطارئة بأقل الخسائر في الأرواح وبلسمة جراح الناجين والمصابين والمنكوبين.
الكوادر الحزبية
هذا المشهد المتخم بالمواقف والحالات رصدتها مجلة ” البعث الأسبوعية ” في هذا الاستطلاع الميداني الذي انطلق من الإضاءة على جهود الكوادر الحزبية في فرع اللاذقية للحزب في مختلف جوانب الإغاثة والإنقاذ ومساعدة المنكوبين والمتضررين وهذا ما أكده أمين فرع الحزب الرفيق المهندس هيثم اسماعيل بأن كوادر الحزب انطلقت منذ اللحظات الأولى للمساعدة في أعمال الإخلاء والإنقاذ ورفع الأنقاض وإسعاف المصابين والتبرع بالدم وتوزع الرفاق البعثيون في كل المواقع المتضررة والمنكوبة كمرحلة أولى، ومن ثمّ افتتاح ١٥ مركز إيواء وتحوّلت الشعب والفرق الحزبية إلى مقرات لخدمة أهلنا المتضررين ومتابعة احتياجاتهم وبالتوازي مع الدعم النفسي للتخفيف من الآثار النفسية التي خلّفها الزلزال، وتمّ افتتاح المطبخ الميداني في شعبتي جبلة للحزب بالتعاون مع إحدى الجهات ويتم تقديم الطعام الساخن لأعداد كبيرة من المتضررين، وتشارك كوادر الحزب بأعمال تفريغ قوافل الإغاثة والمساعدات القادمة من المحافظات واستلامها ووضعها في المقر الجديد لفرع الحزب والتواصل مع الأمانة السورية للتنمية ومنظومة الإغاثة واطلاعهم على المواد الموجودة وتفريغها في أماكن عملهم بإشراف ومتابعة قيادة فرع الحزب.
وركّز الرفيق اسماعيل على برامج ونشاطات الدعم النفسي والتوعية وتهدئة النفوس ضمن خلية عمل متكاملة بمشاركة الشعب والفرق الحزبية والكوادر الاختصاصية، لافتاً إلى الانتقال إلى مرحلة المسح الكامل والدقيق للأسر المتضررة وتعميم نموذج بهذا الخصوص على الشعب والفرق لتبيان الضرر الحاصل لكل أسرة ومنزل والحالة الإنشائية للمبنى للوصول إلى إحصائية دقيقة والمساهمة مع نقابة المهندسين في الكشف على الأبنية من خلال ٧٥ لجنة تمّ تشكيلها للكشف وطمأنة الأهالي عن الحالة الإنشائية لمنا لمنازلهم، مؤكداً أنّ كوادر الحزب تواصل عملها كخلية عمل ليلا نهارا انطلاقها من واجبها البعثي والوطني والإنساني لتقديم أقصى ما تستطيع من خدمات للمجتمع الذي تنطلق منه وتنخرط فيه وتتواصل معه وتعيش كل حالاته وهواجسه وآماله وآلامه تجسيداً لإيمانها وانتمائها للبعث والوطن وقائد الوطن الرفيق الأمين العام للحزب السيد الرئيس بشار الأسد.
من مركز الإيواء
وفي مراكز الإيواء والمشافي يروي الناجون ويستذكرون بألم ومرارة تلك اللحظات ويتحدثون عن تقديم الخدمات الإغاثية لهم، وفي هذا السياق تقول المواطنة منار شمعون: لجأنا إلى مركز الإيواء في صالات المدينة الرياضية الذي سارعت لافتتاحه الجهات المعنية في المحافظة خلال الساعات الأولى لوقوع الزلزال الذي أصابنا بالهلع والذعر فاضطررنا لإخلاء المنزل، وتضيف: أنا أم لطفلين دون سن الخامسة في حي دعتور بسناده بمدينة اللاذقية، وعندما وقع الزلزال استيقظت والفراش يهتز وأغراض المطبخ تتساقط وتنكسر، حملنا أنا وزوجي طفلينا ونزلنا الدرج بسرعة البرق وأتينا إلى مركز الإيواء في مدينة الرياضية حيث يتم تقديم الخدمات والاحتياجات الضرورية الأساسية.
وتقول أم مصطفى: فجأة شعرتُ بأن المنزل يهتز وسقوط الأشياء جميعها من حولي، صرخنا أنا وعائلتي بأعلى صوتنا تنبيهاً للجيران، وكذلك فعل كل من استطاع الوصول إلى الشارع وقدمنا إلى مركز الإيواء الذي يقدم لنا المأوى والطعام والدواء.
علاء جميل كرمو أوضح أنه أخلى منزله “طابق رابع” لأنه شعر بالبناء يتمايل والجدران تنهار وحمل أطفاله هو وزوجته وبسرعة البرق كانوا في الشارع وتمّ إيواء الأسرة في مركز الإيواء وتوجّه بالشكر إلى الجهات المعنية الرسمية والمجتمعية في احتضان المنكوبين وتقديم كل أشكال الرعاية لهم.
السيدة فاطمة من حيّ بستان الصيداوي بيّنت أنهم كانوا جالسين لتهتز الأرض تحتهم، لم يتوقعوا أن ذلك زلزال لتؤكد أن الهلع والخوف الذي شعروا به لا يوصف، وأشارت إلى سرعة استجابة الجهات المعنية في افتتاح مراكز الإيواء وتوفير المتطلبات الضرورية لأنهم هجروا منزلهم دون أن يصطحبوا معهم أي احتياجات.
أحد سكان حي الأزهري قال: منزلي في الطابق السابع عندما اهتزت الأرض وتمايل البناء بدأت أغراض المنزل تتساقط والنوافذ تسكرت وانهارت جدران غرفة المعيشة وتصدعت جدران الأخرى.
الدكتور لبيب رجوب متطوع مع مجموعة بجمعية النور الخيرية قال: نحن مجموعة من الشباب طلاب طب سنة سادسة تطوعنا لنقدم ونشارك أهلنا بهذه الكارثة التي حلّت بهم ونقدّم لهم يد المساعدة المستطاع من طبابة وأدوية والحالات التي لا نستطيع علاجها نرسلها للمشفى.
ميس ريا “الناجية بأعجوبة هي وأهلها” قالت: لا أدري كيف خرجت أن وأطفالي وزوجي من المنزل، والمنزل كان أجار وخسرته والآن ليس لدينا سكن آخر، وقد لجأنا إلى مركز الإيواء الذي تمّ تجهيزه بكل المستلزمات بالسرعة الكبيرة.
الدكتورة أوديت إبراهيم من متطوعي جمعية العرين أوضحت أنهم موجودون لخدمة الناس الذين تضرروا بفعل الزلزال، وتهدمت منازلهم أو تصدعت وتقديم كل ما يلزم لهم ويواصلون عملهم التطوعي على مدار ٢٤ ساعة.
امرأة تسكن في الرمل الجنوبي تصف حالها بأنها أم لطفلين دون سنة الثالثة وزوجها عسكري ومنزلها في الطابق الرابع، عندما خرجت إلى الشارع كان همّها أن تصل بأطفالها إلى الأمان وهي تشعر تسمع أصوات تصدع البناء.
المواطنة غرام صبحي عمشة منزلها في الرمل الجنوبي تصدّع جراء الزلزال ولم تعد تستطيع العودة إليه بسبب الزلزال وهي الآن في مركز الإيواء مع أطفالها.
ويقول ربيع عبد الحي قاطن في الطابق الخامس: لا أستطيع وصف حالة الذعر التي عشناها، لا أعلم كيف خرجت مع عائلتي خلال ثواني على الدرج وفي الشارع لنرى البناء يتصدع أمام أعيننا.
كنان عبد الحي يسكن في الرمل الجنوبي الطابق الأول قال: حالة الرعب التي عشناها أنا وعائلتي لا توصف لأننا لا نعلم متى ينهار البناء علينا ونحن نرى جدرانه تتمايل وتتساقط علينا.
الحاج حيدر الساعدي من العراق قال: قدمنا مع مبادرة ” الأخوة رحماء بيننا” وهي قافلة أخوة زينب التي وصلت من العراق إلى سورية الشقيقة وتحمل خمسة عشرة ألف سلّة غذائية تحوي 12مادة غذائية تعين المواطن السوري وسوف يتم توزيعها على جميع مراكز الإيواء لأهالي المتضررين من الزلزال.
المتضرر علي غزاوي من محافظة الرقة وأهالي حي المشروع العاشر قال: المركز يقدّم لنا كل المساعدات ولا تدّخر الجهات المعنية جهداً في تقديم كل أشكال الرعاية والعناية.
عبد الغني محمد الشعار من منطقة الرمل الجنوبي يقطن في الطابق الخامس قال: شعرنا بالهزّة وهرعنا إلى الخارج ووقفنا تحت المطر الذي كان يهطل بغزارة ويتابع: أخذت عائلتي بعد ذلك إلى دوّار المحطة ولم نستطع العودة إلى منزلنا بسبب ما جرى له من انهدامات.
المسعف المنقذ وليد سمعان من الصليب الأحمر اللبناني قال: عددنا ٧٠ شخصاً قدمنا إلى سورية من أجل المساهمة بإنقاذ أخوتنا وأهلنا في سورية المتضررين من الزلزال لأنّ سورية الشقيقة دائماً السبّاقة بفعل الخير ومدّ يد العون لجميع العرب، وقفتْ جنبنا في الكثير من المواقف، وأضاف: نحن نمتلك فرق بحث وإنقاذ مدرّبة جاهزة للتعامل مع تلك الكوارث وإخراج الأهالي من تحت الأنقاض.
قصة إعجاز
أمّا القصّة التي تقارب الإعجاز بكل المعاني والمقاييس فكان مسرحها موقع انهيار بناء الريحاوي في مدينة جبلة عندما تمكنت فرق الإنقاذ من إنقاذ الشاب إبراهيم زكريا والدته ضحى نور الله تحت ركام منزلهما في مدينة جبلة بعد انقضاء خمسة أيام من انهيار المبنى بأنقاضه المتراكمة ونقلهما إلى مشفى تشرين الجامعي باللاذقية لتلقّي العلاج المناسب، مع تأكيد الأطباء على أن حالتهما الصحية مستقرة، ويصف الشاب إبراهيم الساعات والأيام المريرة المأساوية: كانت الساعات طويلة جدا توقف فيها الزمن في لحظات، مع توالي انهيار البناء، كنتُ أحاول أن أزحف، لكن كل شيء كان فوقي، لم يعد هناك مهرب، كان الناس يصرخون، وهناك أصوات أخرى كثيرة حتى وصلوا وأنقذوني، والدتي كانت تصرخ “رجلي رجلي” بينما اختفى صوت أختي راوية”.
وفي مركز الشهيد جمال داؤود للإيواء في المشروع العاشر الذي يحتضن ٤١ أسرة يوضّح المشرف على المركز علي قنجراوي أنّ المركز يقوم بكل خدمات الإيواء ويقدّم الخدمات والمواد الإغاثية من طعام وألبسة وفرش ووسادات وحليب وألعاب أطفال وأدوية ومتممات غذائية وحرامات وغيرها، مبيناً بأن المساعدات يتم تقديمها من جهات حكومية والأمانة السورية للتنمية ومؤسسة العرين والهلال الأحمر السوري ومن فاعلي الخبر والمتبرعين وأصحاب المبادرات وذوي الأيادي الخيّرة البيضاء.
بلسمة الجراح
وعن دور الفعاليات الشبابية في بلسمة الجراح ومؤازرة الجهود الحكومية قال أمين فرع الشبيبة في اللاذقية: منذ الصباح الباكر الذي حصل فيه الزلزال انطلقت كوادر اتحاد شبيبة الثورة في اللاذقية لمساعدة المتضررين ومؤازرة المؤسسات وباشرت في مختلف المواقع بالأعمال الإغاثية والمبادرات التطوعية ومنها حملات تبرع بالدم وافتتاح مراكز إيواء للمتضررين الذين أخلوا منازلهم جراء الزلزال وساعدوا فرق الإنقاذ والدفاع المدني والإطفاء في إزالة ورفع الأنقاض في مواقع الأبنية المنهارة، وتمّ تشكيل فرق تطوعية شبابية وتوزيعها على عدة أقسام في المواقع المتضررة ومحور الإغاثة وافتتاح مقرّات الروابط والفرع كمراكز للإيواء.
الدكتور معن سعد رئيس قسم الجراحة العظمية في مشفى تشرين الجامعي أكّد أن الكوادر الطبية في المشفى التحقت مباشرةً تلقائياً وبدون أي استدعاء اتصال معها فور حصول الزلزال تعبيراً منها عن واجبها الوطني والإنساني والمهني وسرعان ما تم وضع خطة طوارئ بعد معرفة حجم الكارثة وتجلّت الخطة بوضع فريق طبي من جميع الاختصاصات في الإسعاف وفرز الحالات حسب درجتها وإجراء ما يلزم بالسرعة القصوى وكل ما يحتاج إلى تدخل فوري حيث تمّ تحويلها إلى الإسعاف مباشرة وكانت جميع المواد متوفرة، وأما الحالات التي تحتاج إلى تبريد فتمّ تقديم المثبّتات لها وتحويلها إلى جناح مجاور للأشعة والإسعاف والإنعاش، وأيضاً تمّ إيقاف العمليات الباردة والعيادات الخارجية وتراوحت الإصابات بين الرضيّة البسيطة إلى الوفاة، وما فاقم الخطورة كان الطقس البارد والماطر في يوم حدوث الزلزال وكنا في حالة استنفار كامل وقدمنا كل ما يمكن تقديمه بالطاقة القصوى.
استقبال بالمجان
نقيب أطباء الأسنان في اللاذقية الدكتور طارق عبد الله أوضح أن النقابة وإيماناً منها بواجبها الوطني والإنساني والمهني دعت جميع الزملاء أطباء الأسنان في محافظة اللاذقية إلى استقبال الحالات الإسعافية مجاناً في عياداتهم بالنسبة للأسر المنكوبة من أثار الزلزال والعناية بالحالات الإسعافية والمحوّلين من مراكز الإيواء ( حالات تسكين الألم – الخراجات – التهاب اللب) وأكّد أنّ النقابة على استعداد لتعويض التكاليف في حال وجودها لمن يرغب، كما كان لمجلس فرع النقابة زيارات عمل ومساعدة إلى مركز الإيواء في جامعة الشام الخاصة مشيراً إلى أن ما يتم تقديمه من خدمات كبيرة على مدار الساعة مع تأمين كافة الخدمات والمستلزمات.