مجلة البعث الأسبوعية

صدع يمتد أكثر من 100 كيلومتر.. لماذا كان الزلزال بهذا الدمار؟

 

قد يكون الزلزال الذي ضرب تركيا وسورية، الاثنين الماضي، بقوة 7.8 درجة، أحد أكثر الزلازل تسببا في وقوع ضحايا، حيث تسبب في صدع يمتد طوله لما يزيد على 100 كيلومتر بين الصفيحة الأناضولية والصفيحة العربية.

وبعد 11 دقيقة من الزلزال الأول، تعرضت المنطقة لهزة ارتدادية بلغت قوتها 6.7 درجة. ووقع زلزال بقوة 7.5 درجة بعد ساعات، تلته هزة أخرى بقوة ست درجات في فترة ما بعد الظهر. وما حصل هو أن النشاط كان يمتد إلى فجوات مجاورة وسط توقعات باستمرار الزلازل لبعض الوقت.

 

منشأ الزلزال

كان مركز الزلزال على بعد 26 كيلومترا تقريبا شرقي مدينة نورداي التركية، وعلى عمق نحو 18 كيلومترا عند فالق شرق الأناضول. وأطلق الزلزال موجات باتجاه الشمال الشرقي، ما تسبب في حدوث دمار في وسط تركيا وسورية.

وخلال القرن العشرين، لم يتسبب فالق شرق الأناضول في نشاط زلزالي كبير، ويقول روجر موسون، وهو باحث فخري في هيئة المسح الجيولوجي البريطانية: “إذا تتبعنا الزلازل الكبيرة التي سجلتها مقاييس الزلازل، فلن نجد شيئا يذكر”.

ولم تسجل المنطقة سوى ثلاثة زلازل فقط بقوة ست درجات منذ عام 1970، وفقا لهيئة المسح الجيولوجي الأمريكية، لكن في عام 1822 تعرضت المنطقة لزلزال بقوة سبع درجات، ما أدى إلى وفاة نحو 20 ألف شخص.

 

قوة الزلزال  

بلغ متوسط الزلازل التي تتجاوز قوتها سبع درجات أقل من 20 زلزالا على مر التاريخ، ما يجعل زلزال الأسبوع الماضي حدثا خطيرا.

وبالمقارنة مع الزلزال الذي ضرب وسط إيطاليا، في عام 2016، بقوة 6.2 درجة، وأودى بحياة نحو 300 شخص، فإن الطاقة المنبعثة عن الزلزال الذي ضرب تركيا وسورية قبل أيام تزيد بمقدار 250 مرة عن زلزال إيطاليا. ولم يسجل نفس قوة زلزال الأسبوع الماضي سوى زلزالين فقط من أكثر الزلازل فتكا في الفترة من 2013 إلى 2022.

 

لماذا كان الأمر شديد الخطورة؟

صدع شرق الأناضول هو خط زلزالي عبارة عن كسر في الصخور يؤدي إلى انزلاقات زلزالية تتدافع بموجبها ألواح صخرية صلبة على امتداد خط الصدع الرأسي، ما يؤدي إلى زيادة الضغوط حتى تنزلق إحداها في النهاية في حركة تفضي إلى إطلاق قدر هائل من الطاقة التي يمكن أن تتسبب في حدوث زلزال.

وربما يكون صدع سان أندرياس في كاليفورنيا أشهر هذه الصدوع في العالم، ويحذر العلماء منذ وقت طويل من احتمال وقوع زلزال كارثي هناك.

وبدأ وقوع الزلزال التركي السوري على عمق ضحل نسبيا، وقال ديفيد روثيري عالم جيولوجيا الكواكب في الجامعة المفتوحة في بريطانيا: “ربما كان الاهتزاز على سطح الأرض أشد من تأثير زلزال على مستوى أعمق بنفس القوة عند المصدر”.

 

إدارة الكوارث والطوارئ التركية

وكشفت إدارة الكوارث والطوارئ التركية “آفاد” أن الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسورية، وهز المنطقة لمدة دقيقتين، يعادل انفجار 500 من القنابل  الذرية النووية،  وكشفت أن تركيا سجلت أكثر من ألفي هزة ارتدادية منذ وقوع الزلزال فجر الإثنين الماضي.

 

أنواع الزلازل

وتصنف الزلازل وفق 4 أنواع مختلفة، وهي: الزلازل التكتونية، والزلازل البركانية، وزلزال الانهيار، وزلزال الانفجار.

الزلزال التكتوني: هو الزلزال الذي يحدث عندما تنكسر القشرة الأرضية بسبب القوى الجيولوجية على الصخور والصفائح المجاورة، التي تسبب تغيرات فيزيائية وكيميائية، وهو أخطر أنواع الزلازل.

الزلزال البركاني: هو أي زلزال ناتج عن قوى تكتونية تحدث بالتزامن مع النشاط البركاني.

زلزال الانهيار: هي زلازل صغيرة في الكهوف تحت الأرض والمناجم، تسببها الموجات الزلزالية الناتجة عن انفجار الصخور على السطح، ويطلق عليه أيضاً اسم “زلزال بشري”.

زلزال الانفجار: هو زلزال ناتج عن تفجير جهاز نووي و/ أو كيميائي، ويطلق عليه أيضاً اسم “زلزال بشري”.

 

السدود التركية

هل يمكن للسدود في تركيا أن تكون سببا في وقوع زلزال كهرمان مرعش المدمر الذي ضرب 10 مدن تركية ومناطق واسعة من  سورية؟ وسوى آلاف المباني بالأرض في أسوأ كارثة طبيعية يشهدها البلدان.

يبحث الخبراء في أسباب علمية يمكن من خلالها فهم ما حدث، لكن التفسيرات تختلف من عالم جيولوجي إلى آخر وكل يقدم براهينه على ما توصل إليه.

الباحث والجيولوجي الأردني أحمد ملبح “اتهم” السدود التي أقامتها تركيا وتوسعت فيها بدرجة كبيرة تحولت إلى تهديد لأمن العراق المائي مع انحسار تدفق المياه إلى دجلة والفرات.

ويقول مبلح إن السدود التي أقيمت في منطقة جنوب شرق الأناضول كان لها “تأثير جيولوجي محتمل” على الزلزال المدمر الذي ضرب في كهرمان مرعش.

وأوضح أن السدود في جنوب شرق تركيا ساهمت في حجم الزلزال وإن لم يكن بشكل مباشر، مشيرا إلى أن السدود قد وصلت إلى أقصى طاقتها وأصبحت من أكبر السدود في العالم مع أكثر من 651 مليار متر مكعب من الاحتياطيات الإستراتيجية.

وتابع: هذه الكمية من المياه يمكن أن تؤثر على قشرة الأرض وحتى على الأرض كلها، مضيفا أن كمية المياه في السدود تعادل 10 أضعاف المياه المخزنة في سد النهضة الإثيوبي الكبير.

وقال: هذه الكمية من المياه يمكن أن يكون لها تأثير كبير على حركة الأرض حتى ولو لثانية واحدة ويتأخر دوران الأرض بسبب وزن الماء. وينتقل الماء إلى مناطق أخرى. ولو تفرقت لكان الوضع أسهل مما هو عليه الآن.

وحسب تفسيرات الجيولوجي الأردني فإن المياه الموجودة في السدود تصل إلى البرك الجوفية عن طريق التسرب من الشقوق والفجوات في الأرض وإذا زادت المياه ستؤدي إلى تمدد البرك وزيادة كمية المياه المخزنة.

وأشار إلى أن ذلك سيؤدي إلى اتساع أو تعميق الشقوق الموجودة في البرك الجوفية أو تعميقها، مما يؤدي إلى عدم الاستقرار والانهيار. وسينفتح على حقيقة أن هذا قد تحقق بالفعل.

واعتبر أن السدود ربما تكون قد زادت من حجم زلزال كهرمان مرعش، لكنها لم تتسبب فيه، مضيفا بأن السبب الرئيسي هو تحرك النقاط والصفائح التكتونية وخاصة الصفيحة العربية باتجاه الصفيحة الأوراسية أو الأناضولية الأصغر.

 

الفوالق الجيولوجية

وتذهب التفسيرات العلمية في تفسير حدوث الزلازل إلى التأكيد على أن الفوالق الجيولوجية أو الصدوع هي عبارة عن ثغرات بين كتلتين من الصخور تسمح لكل جانب بالتحرك ما يؤدي إلى حصول الزلزال. ويعتمد كل نوع من الفوالق على زاويته واتجاه حركته. وتنزلق كتلتان في اتجاه افقي من اليمين إلى اليسار أو من اليسار إلى اليمين وحصل زلزال تركيا بسبب هذا الفالق وفقا لهيئة المسح الجيولوجي الأميركية.

وتحمّل المعارضة التركية الرئيس رجب طيب إردوغان مسؤولية الدمار الذي لحق بالمنطقة، ويقدّره البعض بـ 100 مليار دولار، بعد أن اتهمته بإصدار عدد من قوانين العفو على السكن العشوائي والمخالف للمعايير الخاصة بالمباني في مناطق الزلازل، إذ إن 80% من مساحة تركيا تقع في مثل هذه المناطق. وهو ما يفسر الزلازل التي وقعت منذ الزلزال الكبير بالقرب من إسطنبول في آب 1999، وأدّى إلى مقتل نحو20 ألفاً من سكان المنطقة، ووصل عددها إلى 34 زلزالاً فيما زاد عددها على 135 زلزالاً منذ عام 1900.

لم تصغِ حكومات إردوغان، ومن قبلها الحكومات الأخرى، إلى توصيات الخبراء الذين اعترضوا على مواقع العديد من السدود، التي زاد عددها في تركيا على 400 سد بين كبير وصغير ومتوسط، في عموم البلاد، وأهمّها سد أتاتورك على نهر الفرات وسعة بحيرته تزيد على 55 مليار متر مكعب من المياه. ويقع هذا السد بالقرب من مدينة أورفة التي كانت ضمن الولايات العشر التي دمّرها الزلزال، ولو بدرجات متفاوتة.

كذلك بنت تركيا على نهر الفرات، قبل سد الفرات وبعده، 5 سدود أخرى، هي: كابان (بالقرب من مدينة العزيز التي تعرضت لزلزال بقوة 6.5 بمقياس ريختر في تموز/يوليو 2020)، وكاراكايا (بالقرب من مدينة ديار بكر) وبيراجيك وقرقميش ويبعدان عن الحدود مع  سورية نحو 3 كيلو مترات فقط، وسدان آخران داخل حدود ولاية أورفة التي تضررت من الزلزالين الأخيرين.

هذه هي حال السدود التي بنيت على نهر دجلة وآخرها سد ايلوسو، وقيل إنه تضرر من الزلزال الأخير. الخبراء الذين لفتوا الانتباه إلى أن عدد السدود في المنطقة التي تعرضت للزلزالين الأخيرين يصل إلى 15 سداً، دعوا السلطات الحكومية إلى إجراء الدراسات العاجلة بشأن هذه السدود بعد التوقعات بحدوث هزات أرضية جديدة، خلال الفترة القريبة القادمة، ما قد يعرض هذه السدود لخطر جدي، خصوصاً أن اختيار أماكنها في البداية لم يكن سليماً، حتى إن كانت مواصفات البناء ممتازة.