رأيصحيفة البعث

خارج السياق الإنساني.. داخل سياق الغابة

أحمد حسن

بالتأكيد لم يكن العدوان الإسرائيلي الأخير على دمشق خارج السياق الحالي، كما “يحلّل” البعض، بل جاء من ضمن السياق ذاته وباعتبار “الكيان الصهيوني” أداة بارزة وفاعلة فيه.

وجه الغموض والإشكال هنا أن هذا “البعض” اعتقد رسوخ وديمومة السياق الإنساني الذي نعيشه اليوم بشأن الزلزال الذي ضرب سورية، لكن كارثة الزلزال ذاتها التي فضحت الفجور الغربي في التعاطي الإنساني معها، ووسّعت من دائرة المتعاطفين مع دمشق، وقدّمت في الآن ذاته مخرجاً إنسانياً للبعض كي يخرج من تعقيدات موقفه السابق معها نحو كسر الحصار غير الشرعي عنها، دفعت أيضاً فريق العدوان على دمشق، بزعامة واشنطن، إلى محاولة إعادة الإمساك بالموقف، وإزاء ذلك كلّه صدرت الأوامر للأدوات كي تتحرّك وتعيد اللحظة الزمنية إلى مسارها الإجرامي السابق، فارتكبت “داعش” مجزرة دموية في بادية دير الزور، وساندتها “إسرائيل” بمجزرة وحشية في دمشق التي لم تخلع بعد ثوب السواد على ضحايا الزلزال.

بهذا المعنى يمكن القول: إن الجريمة “الإسرائيلية” الجديدة جاءت في سياقها المعتاد، سواء ما اعتدناه من طبيعة “إسرائيل” الإجرامية وغير الإنسانية المعروفة، أو ممّا اعتدناه أيضاً من صمت فاجر لـ “العالم الحرّ” عن إدانتها، ولو لفظياً، في مثل هذه الظروف، وبالتالي هذه جريمة بهدف واحد: شطب السياق الإنساني الجديد الذي رسمه الزلزال لمصلحة سياق الفوضى والجريمة السابق.

بهذا المعنى يمكن القول: إن “إسرائيل” لم تخطئ الحساب لأنها لم تكن إلا مجرّد أداة في “الحساب الأمريكي” الذي يحاول اليوم “القوطبة” على حسابات ما بعد الزلزال، و”التغطية” على خطوة واشنطن “الاضطرارية” – والمخادعة كي لا ننسى – التراجعية بشأن “إجراءات قيصر” غير الشرعية والجائرة التي لم تتمّ – أي خطوة التراجع – إلا تحت ضغط موجة التعاطف الإنساني الكبير مع دمشق، وصعوبة المضيّ بنظام العقوبات والحصار دون تحمّل مسؤولية سقوط الضحايا.

إذاً هذه خطوة أمريكية جديدة للقول: إن السياق الإجرامي السابق في التعامل مع سورية، وفعلياً مع أيّ طرف وطني استقلالي، مستمرة، وهو “قول” ليس موجّهاً لدمشق بقدر ما هو موجّه لحلفاء واشنطن في المنطقة والعالم منعاً لتفكّكهم وافتراقهم، لكن ما كُتب قد كُتب، ومسار ما بعد الزلزال قد فُتح على آفاق جديدة ستبرز صورها وتداعياتها و”مفاجآتها” الدبلوماسية والسياسية بصورة أسرع ممّا يتوقع البعض، وأبعد من ذلك فإن مسار عمليات المقاومة الشعبية على “قواعد” الاحتلال غير الشرعية في شمال سورية وعلى وجودها الاحتلالي بكامله مستمر أيضاً.

وهذا “قول” سوري مزدوج لمن يهمّه الأمر بأن العالم تغيّر وأن النصر صبر ساعة.