هكذا وجدت “الكهرباء” نفسها مجبرة لوأد عقود احتكار قطاع الطاقة التقليدية بالوليد المتجدد والكفوء
دمشق- علي بلال قاسم
على أرضية المساعي العريضة لتحقيق استراتيجية الطاقات المتجدّدة بما يدعم كميات الكهرباء المتاحة وتنويع مصادر الطاقة وتلبية الطلب المتزايد على الكهرباء، وأمام فاتورة خانقة من خسائر الحرب التي فاقت الـ6121 مليار ليرة، وجدت وزارة الكهرباء نفسها مجبرة لوأد عقود احتكار الدولة لقطاع الطاقة الاستراتيجي عندما شرعت الأبواب التشريعية منذ العام 2010 عبر مفاتيح قانون الكهرباء رقم 32 لعام 2010 الذي أعطى لأول مرة تأشيرة دخول القطاع الخاص إلى ميدان تنفيذ مشاريع توليد الكهرباء، ليستكمل التوجّه بالقانون رقم 41 الذي هيأ بيئة تشريعية جديدة للاستثمار بهذا المجال، لتكون أولى الثمار إحداث صندوق لدعم الطاقات المتجدّدة ورفع كفاءة الطاقة وتطوير بعض التشريعات القديمة لتتلاءم مع الوضع الحالي للكهرباء ما يسهم في تطوير القطاع.
كما ذكرها القانون
ووفقاً للتعديلات الجديدة يجيز القانون للمستثمرين إنشاء محطات توليد الكهرباء اعتماداً على الطاقات المتجدّدة، وبيعها للمشتركين، أو تصديرها عبر شبكة النقل، ويسمح للمؤسسة العامة لنقل وتوزيع الكهرباء وشركات الكهرباء في المحافظات بشراء الكهرباء المنتَجة من هذه المحطات بأسعار يتمّ الاتفاق عليها مع المستثمر، كما يسمح القانون الجديد أيضاً لوزارة الكهرباء بالترخيص للمستثمرين في مشاريع التوليد التقليدية، وتقوم المؤسسة العامة لنقل وتوزيع الكهرباء أو شركات كهرباء المحافظات بنقل الكهرباء إلى المشتركين أو بتصديرها، وذلك بناءً على طلب المستثمر، وضمن الإمكانيات المتاحة لشبكة النقل أو التوزيع مقابل بدلات استخدام شبكة النقل أو شبكات التوزيع، وأجاز القانون للمؤسسة العامة لنقل وتوزيع الكهرباء، أو شركات كهرباء المحافظات إذا توافرت الإمكانية الفنية لديها، شراء الكهرباء الفائضة عن حاجة استهلاك المصرَّح له بالتوليد التقليدي، شريطة أن يتمّ ربط شبكته بالشبكة العامة على التوتر المتوسط وعلى نفقته، وبالشروط والأسعار التي تحدّدها الوزارة.
كلّ ما سبق كان عرضاً لازماً لأبعاد التطبيق على أرض الواقع الذي لم يكن فيه لمشاريع التوليد التقليدية –كما ذكرها القانون– موضع قدم أمام الاهتمام الجديد المتعلق بضرورة ضخ كل الإمكانيات نحو الاستثمار في الطاقة المتجددة، ولاسيما الشمسية والريحية لتوليد الطاقة والتي أخذت طريقها للتنفيذ عبر مجموعة من المشاريع الاستراتيجية التي دشّنت وأطلقت في ريف دمشق وحلب وحمص، في تجارب يصرّ وزير الكهرباء المهندس غسان الزامل على تسويقها والتطمين عليها، من قبيل أن دخول المستثمرين على خط إنتاج الكهرباء من الطاقات المتجدّدة والتقليدية لا يعني خصخصة قطاع الكهرباء، بل هو مساهمة من القطاع الخاص، حيث تبقى الأسعار من مسؤولية وزارة الكهرباء، كما تبقى المشاريع الكبرى هي أيضاً تحت إشرافها وتنفيذها.
أبعد حد
و”بالتعكيز” على بنود القوانين الجديدة نفسها، ذهبت وزارة الكهرباء إلى أبعد حدّ في تعاطيها مع ملف إنتاج وتسويق الطاقة، إذ لم تتوقف المسألة عند السماح للخاص الوطني والأجنبي بالاستثمار في مجالي التوليد والتوزيع عبر دعم المشاريع التي تقام لبيع كامل “إنتاج الطاقة” لشركات الكهرباء، فاليوم ثمة ضرورة لخوض غمار التحصيل الذي يشكل وجعاً لخزينة الدولة التي أضنتها فاتورة المستلزمات والبنى التحتية وتكاليف الصيانة والتأهيل، إذ تقول تفاصيل المشروع الذي تعتزم المؤسسة العامة لتوزيع الكهرباء القيام به: إن المطلوب تلزيم القطاع الخاص بأعمال التـأشير والجباية لفواتير الكهرباء المستجرة بواسطة عدادات المشتركين في عدة مناطق من المحافظات وليس كلها.
وإذا كانت الوزارة ترى في الخطوة توجهاً لزيادة مشاركة القطاع الخاص في التنمية والتطوير للاقتصاد، وبما يزيد من تحسين خدمة المواطن، وتماشياً مع أحكام قانون الكهرباء رقم 32 لعام 2010، فإن الكلام يدور حول توجهات مشابهة قامت بها بعض الجهات كمؤسّسة الاتصالات التي تعاقدت مع شركة خاصة لتحصيل فواتير الهاتف وتوطينها في كوات ومراكز الهاتف نفسها، علماً أن الكهرباء نفسها طرحت مشاريع استثمار كثيرة منذ بدايات الأزمة واتهمت آنذاك باللهاث وراء إقحام الخاص في القطاعات الإستراتيجية، وهنا مكمن الخوف الذي اعتلى الشارع.
مخاوف استغلال
المشروع حسب الإعلان حدّد كافة مناطق محافظة الحسكة– مناطق سوق وادي بردى– الزبداني– ضاحية قدسيا– ضاحية حرستا– صحنايا في ريف دمشق– منطقة مشروع دمر في دمشق منطقة بانياس “مدينة وريفاً” في محافظة طرطوس– مدينة جبلة– منطقة الرمل الجنوبي في محافظة اللاذقية، لتكون بيئة مناسبة لدخول المؤشرين وعناصر الجباية إلى هذه المناطق، ولا مانع عند الحكومة من تعهد الراغبين بالاستثمار في هذا المجال لمنطقة واحدة أو عدة مناطق شرط تقديم العروض خلال شهر من تاريخ الإعلان عنها، مرفقاً بالثبوتيات والوثائق التي تبيّن أهلية العارض وكفاءته من الناحية الفنية والمالية والقانونية.
ومع أن “الكهرباء” طلبت تقديم لمحة عن طريقة العارض لتنفيذ المشروع والإمكانيات المالية لتأهيل هؤلاء العارضين، تمهيداً لدعوتهم للمشاركة في استدراج العروض، إلا أن ثمة مخاوف من استغلال هذا الجانب في غير محله، وكيف سيتمّ التعامل مع المواطن الملتزم وغير الملتزم في سياق مسؤولية المستثمر عن التحصيل، والأهم كيف ستسدّد نسبة الجابي والمؤشر الخاص، في وقت يرى الكثيرون أن مرونة ولباقة هذه الشركات قد تظهر مدى الترهل والتراخي الفاسد الذي يبدو على موظف الدولة.
جبهات ومحاور
بالعموم لا يمكن إنكار ما توليه الحكومة من اهتمام كبير لمسألة إعادة تأهيل المنظومة الكهربائية، إيماناً بأهمية هذا القطاع ودوره المحوري على مستوى خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وفي هذا المجال عملت –حسب مذكرة صادرة عن وزارة الكهرباء- على استكمال إنشاء محطات توليد جديدة كمحطة توليد اللاذقية باستطاعة 526 ميغاواط، حيث من المخطط أن تدخل المجموعة الأولى منها في الخدمة باستطاعة 186 ميغا واط قبل نهاية العام الحالي، وكذلك تنفيذ أعمال الصيانة وإعادة تأهيل المحطات القائمة العاملة على الفيول والغاز، بهدف زيادة كفاءة ومردودية هذه المحطات، حيث تمّ إعادة تأهيل المجموعة الخامسة في محطة توليد حلب الحرارية باستطاعة 200 ميغا واط ووضعها بالخدمة، والعمل مستمر لوضع المجموعة الأولى باستطاعة 200 ميغا واط أيضاً بالخدمة قبل نهاية العام الحالي، كما يتمّ حالياً التعاقد مع شركة وطنية لصيانة محطة دير علي1، ودير علي 2 ومتابعة تنفيذ محطة دير علي 3، وكذلك تتمّ متابعة تنفيذ إعادة تأهيل مجموعة بخارية في محطة توليد تشرين باستطاعة 200 ميغا وبكلفة 27 مليون يورو.
وهناك توجّه نحو إنشاء محطات باستخدام الطاقات البديلة، إذ تمّ البدء بتنفيذ محطة توليد كهروضوئية في وديان الربيع باستطاعة 300 ميغا واط، والعمل جارٍ لاستكمال تنفيذ محطة كهروضوئية في الشيخ نجار بحلب باستطاعة إجمالية وقدرها 33 ميغا واط، وتمّ منح ترخيص لـ100 ميغا واط شمسي في عدرا الصناعية، كما تمّ منح ترخيص لتنفيذ 100 ميغا واط شمسي في مدينة حسياء الصناعية، والترخيص لـ9 مشاريع كهرو-ريحية باستطاعة إجمالية 35 ميغا واط، نفذ منها مشروع باستطاعة 5 ميغا واط.
ويبدو أن الغلبة –كما أسلفنا- لتشجيع الاستثمار في الطاقات البديلة من خلال تطوير التشريعات الناظمة لذلك، في زمن أنهى صندوق دعم الطاقات المتجدّدة وكفاءة الطاقة، كافة الأعمال الإدارية والفنية والمالية، ويتمّ حالياً تلقي الطلبات من المواطنين، حيث سيُمنح المواطنون في مختلف القطاعات من الراغبين باقتناء تجهيزات الطاقات المتجددة قروضاً وفق تسهيلات مالية ملموسة، إضافةً لذلك فإن العمل متواصل لتأمين مستلزمات منظومة الطاقة الكهربائية من تركيب محطات تحويل وتأهيل ومدّ خطوط لنقل القدرة الكهربائية باستطاعات مختلفة، لمواكبة دخول المحطات الكهربائية في الخدمة.