مجلة البعث الأسبوعية

بعد الزلزال.. “التربية” مسؤوليات جمة ..أضرار مادية وتعليمية ونفسية وتبرعات بنكهة طفولية

 البعث الأسبوعية – علي حسون

تدرك وزارة التربية المسؤوليات الجمة الواقعة على عاتقها وذلك بعد كارثة الزلزال لاسيما من ناحية إنقاذ الأسر، وتوفير بيئة مناسبة وسليمة للطلاب ، وتأمين استمرار العملية التربوية، ووضع خطة محكمة حول الإجراءات المتبعة بالتنسيق مع المنظمات المعنية.

مع عودة الدوام

ومع عودة الدوام المدرسي – بعد توقفه  في المحافظات المنكوبة-  شكلت وزارة التربية  غرفة عمليات مركزية للمتابعة اليومية على دراسة تقارير مديريات التربية خاصة في المحافظات المنكوبة، وبيان الإحصائيات الواردة حول أوضاع الطلاب والمدرسين ونسبة الغياب والحضور، وإستراتيجية تعويض الفاقد التعليمي للمتضررين.

وطلبت الوزارة من مديري التربية المتابعة الميدانية اليومية لواقع العملية التعليمية  ، وبيان الإحصائيات المتعلقة بالمعلمين والطلاب المتضررين وأوضاعهم من مختلف النواحي، ما يمكن من تنفيذ إستراتيجية الفاقد التعليمي للطلاب، ومتابعة ترميم المدارس،علماً أن عدد المدارس المتضررة وصلت إلى  /٢٤٨/مدرسة حتى الآن منها /٧١/ مدرسة في حلب و /٥٠/مدرسة في اللاذقية و/٢٧/ مدرسة في حماة، و/٩٩/مدرسة في طرطوس ومدرسة واحدة في إدلب،إضافة إلى تحويل  أكثر من 80مدرسة مراكز إيواء للمتضررين في المحافظات المنكوبة .

كارثة القرن

 

الأضرار التربوية لم تقف عند الأضرار المادية وتصدع المدارس ،إذ تعلم “التربية” أن هناك أضراراً لحقت بالحالة النفسية للطلاب والمعلمين .

الاختصاصية النفسية سلام قاسم اعتبرت أن الحديث عن الزلزال هو حديث عن  كارثة القرن، إذ شكلت  الكارثة صدمة جماعية ، لا تؤدي فقط إلى صدمة جديدة بل إثارة صدمات قديمة ،موضحة في حديثها لـ”البعث الأسبوعية ”  أن وسائل التواصل الاجتماعي بقدر ما تعطي معلومات عن الزلزال بقدر ما تزيد الخوف والرعب عند المواطنين وخاصة  الأطفال كونهم أكثر الفئات هشاشة ويحتاجون إلى اهتمام خاص أثناء الكوارث .

ودعت قاسم الأسر إلى ضرورة إبعاد الأطفال عن مشاهدة المناظر المؤلمة،مع عدم نقل مشاعر التأثر إلى التلاميذ في المدارس في مختلف المراحل العمرية ، والتأكيد على طمأنتهم ومراقبة صحتهم النفسية والاستماع الفعال لهم بشكل جيد وعدم إجبارهم على الحديث ،إضافة إلى المشاركة بحملات التبرع لإشعارهم بتحمل المسؤولية والتضامن تجاه زملائهم المتضررين في المحافظات المنكوبة .

حملات تبرع

 

وقد شهدت أغلب المدارس في كافة المحافظات حملات تبرع طوعية من المدرسين والطلاب وخاصة أن الاندفاع من التلاميذ بتنظيم مبادرات ولو كانت بسيطة لكنها لها الأثر المعنوي الكبير على الحالة النفسية للمتبرعين والمتبرع لهم .

وقد استوقفتنا أكثر من حالة تبرع بنكهة خاصة من تلاميذ في محافظات القنيطرة وريف دمشق ودمشق  ،إذ تحدث  الطالب جود وقاف من مدرسة الشهيد علي خضر بدمشق عن مبادرته تجاه زملاءه المتضررين في المحافظات المنكوبة ،حيث تبرع مالي إضافة إلى التبرعات العينية من قرطاسية ومستلزمات مدرسية وألبسة تساهم في بلسمة الجراح حسب تأكيده .

وبينت التلميذة نينا سهيل من مدرسية قدسيا الثانية أنها قامت بمشاركة زملائها بجمع ألبسة شتوية لتقي زملائها المتضررين من البرد وفق قولها لافتة إلى أن ما قدمه التلاميذ هو من باب التضامن مع المتضررين جراء الزلزال .

التلميذ زين الفاعوري من القنيطرة لم يبخل بكل ما بحوزته من نقود ضمن حصالته ،إذ احضرها إلى مدرسته للتبرع وتكون جزء من مساهمات التلاميذ .

تخفيف التوتر

وترى الاختصاصية قاسم أن ترغيب طلاب المدارس بتقديم  التبرعات و مساعدة للأطفال المتضررين  يخفف من التوتر ويساعدهم للتغلب على الصدمات التي يشعرون بها، لتحقيق الراحة النفسية، مع أهمية الاستماع لهم بشكل جيد بالإنصات الفعال ، لتغلب الطلاب على مخاوفهم، إضافة إلى  تفعيل الأنشطة كالرياضة والموسيقى والرسم للتخفيف من حدة التوتر .والانتباه جيداً إلى عدم الاستهزاء بمخاوفهم أو إبداء عدم الاهتمام.

وزير التربية الدكتور دارم طباع اعتبر  أن تقديم هذه التبرعات صورة عن تضافر الجهود المجتمعية والتربوية في دعم متضرري الزلزال، مثمناً مبادرات الطلاب والأطر التدريسية التي تعكس أهمية المناهج التربوية ودورها في تكريس العمل التعاوني والتطوعي وقيم التعاطف والمحبة التي يغرسها المعلم في نفوس طلابه ،علماً أن هذه المبادرات تسهم بتشجيع الطلاب على فكرة التطوع والعطاء.

مراحل الاستجابة

 

وتستمر المبادرات والتبرعات بكافة أشكالها على مستوى مديريات التربية بالمحافظات وذلك تجسيداً لتعاضد السوريين بعد كارثة الزلزال، ودور طلاب وإدارات المدارس في إظهار التكافل الاجتماعي وانعكاسه الايجابي على الوضع النفسي للمتبرعين والمتضررين في آن معاً ، إذ يعتبر اختصاصيون أن الضرر النفسي أقوى من الضرر المادي وخاصة أن المتضررين نفسياً من التلاميذ والمدرسين بحاجة إلى خطة للاستجابة لتداعيات الزلزال  بما يخص الصحة النفسية للتلاميذ والطلاب .

مدير الصحة المدرسية في وزارة التربية الدكتورة هتون الطواشي بينت أن خطة الاستجابة تضمنت ثلاث مراحل “استجابة طارئة وسريعة ومستمرة”، حيث تضمنت الاستجابة الطارئة في الأيام الأولى بعد كارثة الزلزال  تشكيل فرق إسعاف في المحافظات والقيام بـجولات تفقدية إلى المدارس، المخصصة  كمراكز إيواء في المحافظات، لمساعدة المتضررين، إضافة إلى المساهمة  بتقديم خدمات طبية تتضمن فحصاً طبياً شاملاً وأدوية لأصحاب الأمراض  المزمنة وخدمات صحة نفسية أولية.

استجابة سريعة

وأشارت إلى أن  الاستجابة السريعة  بدأت منذ اليوم السابع بعد كارثة الزلزال، وركزت على مواضيع  الصحة النفسية في الكوارث والأزمات عبر كوادر مدربة، تقدم خدمات الرعاية الصحية النفسية في المحافظات المتضررة والمحافظات المجاورة لها، والتي استقبلت بعض العائلات  المتضررة إلى جانب تنفيذ ورشات تدريب لتعزيز دور الإعلام التربوي في التوعية الصحية النفسية.

استجابة مستمرة

ولفتت الطواشي إلى انطلاق الاستجابة المستمرة منذ  19 من الشهر الجاري لمدة 30 يوماً، من خلال  تحديد  الرسائل الصحية النفسية المطلوب إيصالها لعموم المتضررين من الزلزال، من خلال التثقيف الصحي النفسي وتقديم الخدمات الصحية النفسية والاجتماعية  للتلاميذ والطلاب في المدارس وللعاملين في القطاع التربوي، ورصد الحالات التي هي بحاجة إلى تداخلات وتقديم العلاجات الدوائية والنفسية من قبل الأطباء المختصين بالتعاون مع المرشدين النفسيين، إضافة إلى جمع البيانات ورصد الحالات في مراكز الإيواء والمدارس، وتقديم تقرير حول ذلك إلى مديرية الصحة المدرسية في وزارة التربية ليتم بالتنسيق مع منظمة الصحة العالمية معالجة الحالات الضرورية بشكل فوري.

وشددت الطواشي على أهمية الحملات  الإعلامية في تقديم رسائل  صحيحة، تظهر صورة واضحة عن هذه الكارثة وتحقق وعياً مجتمعياً تجاهها.

والجدير بالذكر أن الاستجابة شملت محافظات حلب واللاذقية وطرطوس وحماة و حمص ودير الزور والحسكة وادلب ،مستهدفة 2340 مدرسة ومركز إيواء في المحافظات تتضمن حوالي 550 ألف تلميذ وطالب ويقوم بها 394 مشارك من أطباء ومساعدات ومرشدات نفسيات.

حشد الإمكانيات

وبالتوازي مع تنفيذ خطة الاستجابة الصحية بدأت وزارة التربية العمل على تعويض الفاقد التعليمي للطلاب للمتضرّرين ،إذ بين وزير التربية أن الوزارة ستحشد جميع إمكانياتها بهدف ترميم هذا الفاقد بجميع الوسائل المتاحة، إذ تم توجيه مديري التربية في المحافظات المنكوبة بإجراء دوراتٍ، وتكثيف الجهود لتعويض مناهج طلاب الشهادتين “التعليم الأساسي والثانوي”، وذلك لاستدارك ما فاتهم من دروس.

ولفت وزير التربية إلى استنفار الكادر التربوي بالكامل من استمرار العملية التعليمية ووضع المقترحات والحلول مثل تعليم افتراضي، منصات، دوام نصفي ضماناً لتأمين التعليم للجميع، بالإضافة إلى وضع قوائم بأسماء الأطر الإدارية والتدريسية والطلاب الضحايا والمصابين والمهجرين، مؤكداً على مديري التربية  وجوب العمل على تأمين مختلف المستلزمات والخدمات للأبناء المتواجدين في المناطق الساخنة بمحافظتي حلب وإدلب ، وتكثيف الجهود، وتشكيل فرق عمل ضمن غرف العمليات، وعلى مختلف الأصعدة، والتركيز على الأعمال التطوعية، ونقل الصورة الحقيقية لواقع العمل في المحافظات لتجاوز آثار الكارثة.