اقتصادصحيفة البعث

هل يحل الدمج.. المشكلة؟!

قسيم دحدل

سبق وأن أثير موضوع تجميع الهيئات في هيئة واحدة، وقُدّم العديد من الدراسات في هذا الاتجاه، ولم يلقَ هذا الاقتراح قبولاً من الحكومة لتعذّر تنفيذه على اعتبار وجود خصوصية في بعض القطاعات (مصارف، سياحة، كهرباء، عقاري، جامعات..)، فهناك اختلاف كبير وتمايز في منح المزايا والتسهيلات والإعفاءات لكلّ قطاع أو نشاط استثماري بحسب توجّهات الخطط الحكومية في عملية التنمية، ما يجعل مهمة جمع هذه التشريعات صعبة وغير مجدية من الناحية العملية. وعلى سبيل المثال لا الحصر، إن ما ينطبق على مصنع يُقام في المناطق الحرة لا ينطبق على نظيره الذي يُقام في المدن الصناعية، كذلك تأسيس مشروع مدجنة يختلف عن مشروع تنقيب عن النفط أو النقل الجوي أو الصيرفة.. إلخ.

إن نظريات التشريعات في البلدان المختلفة تتنازعه مدرستان: الأولى تنادي بتوحيدها والثانية تدعو للتخصّص الذي غالباً ما يمنح القدرة والكفاءة لتنفيذ المشروعات، ولاسيما في اقتصاديات الدول المشابهة لوضع بلدنا، وبالتالي ليس من الحكمة أحياناً دمج مؤسّسات وهيئات مختلفة الاختصاص والأدوار واختزالها في مؤسسة واحدة قد تنوء بحمل جميع المهام!

كما أن العنصر الرئيسي في المشاريع الاستثمارية هي الأرض، وهي الإشكالية الكبيرة في عملية الاستثمار في سورية، فمن حيث الملكيات والمرجعيات هي عديدة ومتنوعة، فهناك أراضٍ عائديتها لوزارة السياحة، وهناك أملاك للدولة عائديتها لوزارة الزراعة، ومنها لوزارة الدفاع، ومنها للإدارة المحلية (المدن الصناعية)، ومنها للمؤسسة العامة للإسكان، ومنها للخط الحديدي الحجازي، ومنها حرم بحيرات، ومنها ملكية المؤسّسة العامة للجيولوجيا، ومنها للبلديات.. إلخ. فهل تستطيع هيئة الاستثمار التصرف بهذه الإشكاليات التي تواجه المشروعات الاستثمارية العقارية في هذا الجانب وتأمين مصادر المياه وغيرها اللازمة لها.. إلخ؟!

وفي السياق ذاته، إن إحداث منطقة تطوير عقاري (مجمعات سكنية متكاملة) يحتاج إلى اختيار الأرض المناسبة، والتي يمكن تخديمها بالكهرباء والمصدر المائي والربط الطرقي وتهيئة المخططات التنظيمية، وغيرها الكثير. وهذا الأمر غير قادرة عليه هيئة الاستثمار السورية المعنية بمنح التراخيص والإعفاءات الضريبية فقط. فالمشاريع العقارية اليوم مع القانون الحالي رقم 15 تتمتّع بمزايا وتسهيلات وإعفاءات خاصة بها ولا تحتاج إلى مزايا وإعفاءات قانون الاستثمار، مع أننا نتطلع إلى تشجيع هذا القطاع ومنحه مزايا إضافية، وخاصة في هذه المرحلة.

واستناداً لما تقدّم، فإن نقل مهام وصلاحيات هيئة التطوير العقاري إلى هيئة الاستثمار غير ذات الاختصاص والخبرة بمعالجة هذا الملف، سيؤدي إلى تحجيم دور القطاع العقاري وليس دفعه إلى الأمام.

وعليه نقترح الإبقاء على هيئة التطوير العقاري ونقل تبعيتها إلى وزارة الإدارة المحلية والبيئة، وتعديل قانونها الحالي بما يلبي حاجة المرحلة، ما يؤدي إلى تسهيل تواصلها مع البلديات ومجالس المدن في المحافظات من جهة ترشيح مناطق وأراضٍ للبناء عليها، ومتابعة تنفيذ المناطق العقارية من قبل هذه البلديات ومجالس المدن، حيث تلعب الهيئة دوراً فنياً مهماً من خلال دراسة وإحداث مناطق التطوير العقاري ودراسة مخططاتها وفق أسس التخطيط العمراني بكوادرها الفنية المدرّبة والمؤهلة وذات الخبرة، الأمر الذي لن تستطيع معه هيئة الاستثمار متابعة هذه المهمّة في ضوء واقعها الحالي وتسرّب الخبرات وهروبها من القطاع العام.

Qassim1965@gmail.com