مجلة البعث الأسبوعية

رحيل سلطانة الطرب شريفة فاضل…. رحيل أم البطل

جمان بركات

رغم أنها ابتعدت عن الأضواء منذ سنوات طويلة، وكانت في أيامها الأخيرة غير قادرة على التواصل بحكم السن والمرض إلا أن وقع خبر وفاتها منذ عدة أيام كان صادماً بشكل كبير، فرحيل سلطانة الطرب الفنانة الكبيرة شريفة فاضل عن عمر ناهز 85 يعني فقدان جزء مهم من التاريخ الفني ورمز من رموز الفن الجميل.

حياة شريفة فاضل

ولدت شريفة فاضل في القاهرة في الخامس عشر من أيلول في الثلاثينيات باسم فوقية محمود أحمد ندا، وكان لوالدتها دور أساسي في دعمها فنياً في ظل معارضة والدها لخوضها هذا المجال، التحقت بمعهد التمثيل والإذاعة قبل أن تكمل سن 13عاماً، واختار اسمها الفني الشاعر صالح جودت وعرفها على كبار الشعراء والكتاب والفنانين.

ولعل من أبرز المفارقات في حياة شريفة فاضل، أنها حفيدة المقرئ أحمد ندا، مؤسس دولة التلاوة، فتدربت على يد عظماء الإنشاد الديني والموسيقي، والتحقت بمعهد التمثيل كمستمعة نظراً لصغر سنها، ومن بعدها التحقت بالإذاعة ومعهد الفنون المسرحية.

عملت فاضل لفترة قصيرة بالإذاعة مع الإعلامي الشهير بابا شارو، وبدأت تخطو طريق نجوميتها عندما سمعها رجل الأعمال الشهير “السيد بدير” صاحب مصنع الزجاج الشهير، فاقترح على والدتها وزوجها أن تشارك في فيلم من إنتاجه كمطربة، وهو فيلم “الأب” عام 1947 الذي غنت ومثلت فيه وهي طفلة، وفي منتصف الخمسينيات تزوجت شريفة فاضل من المخرج والممثل السيد بدير، وأنجبت منه ولدين، وحققت نجاحات كبيرة، ولكنها انفصلت عنه بسبب غيرته الشديدة.

قدم لها الموسيقار محمد الموجي أولى أغنياتها “أمانة ما تسهرني يا بكره” التي كانت ذات طابع عاطفي لكنها تميزت لاحقاً في القالب الشعبي الذي فتح لها أبواب الشهرة، وتعاونت بشكل وثيق مع الملحن والمغني منير مراد الذي قدم لها مجموعة كبيرة من أنجح أغانيها مثل “حارة السقايين” و”فلاح” و”الشيخ مسعود” و”الليل” و”آه من الصبر” كما تعاونت مع كبار الملحنين أمثال رياض السنباطي وبليغ حمدي وسيد مكاوي ومحمود الشريف.

صعدت شريفة فاضل إلى سلم الفن مع والدتها وزوجها من عوامة بالنيل، وكان يزور الأسرة كبار الأثرياء ورجال الدولة، منهم الملك فاروق، الذي استمع إلى صوتها وهي طفلة فصفق لها.

“تم البدري بدري”

تعد أغنية “تم البدري بدري” للفنانة شريفة فاضل، إحدى أبرز أغاني وداع رمضان، حيث أبدع الشاعر عبد الفتاح مصطفى في وصف حالة الوداع الحزين التي تتملك المصريين والعرب برحيل شهر رمضان، وخرجت من بين يديه كلمات الأغنية التي قدمها إلى وجدي الحكيم الذي كان يعمل مراقباً للموسيقى والغناء بالإذاعة.

واتفق وجدي الحكيم معه على أن يلحنها الموسيقار عبد العظيم محمد الذي أبدع في اللحن خلال يومين فقط، حتى أنه جعل من الوداع بهجة وفرحة، كما اتفقا على أن تغنيها المطربة شريفة فاضل التي كانت في بداية مشوارها الفني، وقد حفظتها في ثلاثة أيام.

“تم البدر بدري” تلك الأغنية التي تتردد دائماً في نهاية الشهر الكريم وكأننا نودع ضيفاً عزيزاً هل علينا بالفرح والسعادة وترك لنا عيداً وبهجة.

وتنازل  كل من عبد الفتاح مصطفي وشريفة فاضل عن أجرهما عن الأغنية، وكان 15 جنيها لكل منهما إكراما لشهر رمضان.

ومن يوم إذاعتها في الستينيات، أصبحت أغنية أغنية الأيام الأخيرة من رمضان وتغنى في وداعه، وستظل هذه الأغنية هي الأشهر والأقرب إلى المزاج المصري الذي اعتبرها إعلان ختام الشهر الفضيل.

ومن شدة حب الشعب المصري لهذه الأغنية، يبدأ في سماعها مع قدوم منتصف شهر رمضان، إن لم يكن مع نهاية الأسبوع الأول، ولا تتوقف قيمة هذه الأغنية على ما تحمل من معانٍ فقط بل فرضت نفسها من أول لحظة قدمتها فيها شريفة فاضل.

“أم البطل”

أنجبت الفنانة شريفة فاضل طفلها الأول سيد السيد بدير، الذي التحق بالجيش المصري بعد حرب 1967، سلاح الطيران، وسافر للاتحاد السوفيتي بعد تخرجه ليتدرب على سلاح الطيران ليعود إلى مصر، لكنه استشهد في حرب الاستنزاف، وجاء خبر وفاته كالصاعقة على والدته، والتي أهدته بعدها أغنيته الشهيرة “أم البطل”، التي تسببت في نزيف حاد في الحبال الصوتية، والتي أعلنت أن لا تغمض لها عين إلا بعد النظر إلى صورة نجلها الشهيد الذي استشهد في الحرب، والدعاء له ولجميع الشهداء، وتطلب منه أن يأخذها إليه ويدخلها معه الجنة.

وفي إحدى حواراتها قالت شريفة فاضل: “استشهد ابني خلال حرب الاستنزاف وقبل انتصارات حرب تشرين، بعد تخرجه وتلقيه تدريبات على الطيران في روسيا، كان ابني الكبير وأول فرحتي، وتوقفت عن الغناء بعد هذه الصدمة”.

وتحدثت عن عودتها للغناء بعد هذه الصدمة قائلة: “فرحت لما انتصرنا في أكتوبر وطلبت من صديقتي الشاعرة نبيلة قنديل تكتب أغنية عن أم البطل المقاتل، علشان كل أمهات الأبطال اللي استشهدوا واللي انتصروا، ونبيلة قعدت في غرفة ابني الشهيد نص ساعة، وخرجت ومعها كلمات أغنية أم البطل، وبكيت وأغمى عليا لما سمعت الكلمات، وبعدها طلبت من  الملحن على إسماعيل تلحينها وذهبت إلى الإذاعة لتسجيلها”.

وتابعت بالقول: “كلمات الأغنية كانت صعبة عليا، وتأثرت وأغمى عليا أكتر من مرة وأنا بغنيها، لدرجة إن فايزة أحمد قالتلي طالما مش قادرة تغنيها بلاش، لكن أصريت وسجلتها في يوم واحد، وكنت دايماً بغنيها آخر أغنية في الحفلات علشان ما بقدرش أغنى بعدها”.

أفلام

من أبرز أعمالها أفلام “الأب” و”اللعب بالنار” و”وداعا ياغرامي” و”أولادي” و”ليلة رهيبة” و”مفتش المباحث” و”سلوى في مهب الريح ” و”غازية سنباط “و”الحب والثمن” و”تل العقارب” و”سلطانة الطرب”.

لا تخلو حياة الفنانة شريفة فاضل من المفارقات، فحياتها حافلة بالأحداث والأمجاد والأحزان، والأفراح، واشتهرت الفنانة بأغنيتها “حارة السقايين” في الستينيات قامت بتمثيل فيلم يحمل نفس اسم الأغنية، وفي فترة السبعينيات أنتجت عدداً من الأغاني لنفسها، منها “أمانة يا بكرة”، “سألت فين حيناً”، “حارة السقايين”، “يا حلو فهمنا”، “يا معجباي”، “ورق العنب”، “آه يالمكتوب”، “الليل”، كما أنشأت كازينو بشارع الهرم باسم كازينو “الليل”، وكانت شريفة فاضل سبباً في اكتشاف وشهرة عدد من نجوم الفن، بعد أن أسست كازينو الليل في الهرم، الذي كان ملتقى لأهل الفن، وقدمت فيه عدداً من الفنانين، وقالت عنه: “كنت عاملة كازينو الليل للعائلات، كان مطعم ومسرح وكنت حاطة شروط علشان يكون مكان لائق ومناسب للعائلات وكان ممنوع ستات يدخلوا لوحده وكان محمد عبد الوهاب بيجى علشان يسمع أحمد عدوية”.