مجلة البعث الأسبوعية

الاستجابة لآثار وتداعيات الزلزال النفسية.. أولوية للتعافي منها

اللاذقية – مروان حويجة

لا يمكن أن تخفى  الآثار النفسية التي خلّفها الزلزال وانعكاسها على الفرد والأسرة والمجتمع ولا التقليل من حجم هذه الآثار التي تفوق غيرها من الآثار الصحية والمعيشية والاقتصادية والاجتماعية ،ولعلّ حساسية هذه التأثيرات وحدّتها وانعكاسها على حياة المتضرر من الزلزال دفع باتجاه وضعها في الأولويات المطروحة في خطة الاستجابة المستديمة للخروج والتعافي من آثار الزلزال التي طالت جميع الشرائح العمرية وبالأخص الأطفال كسائر الشرائح والمراحل والأعمار .

 ألم ومرارة

حالات كثيرة باتت أمراً واقعاً في حياة المتضررين ، فهذا أبٌ يتحدث بألم ومرارة عن الوضع الذي آلت إليه ابنته الطالبة الجامعية في السنة التحضيرية : ابنتي باتت تتوهّم حدوث الهزّات الأرضية والأمر الأكثر إزعاجاً وألماً أنّها تهزّ دون أي شعور وعندما تسألني : هل هناك هزّة الآن بابا ، أجدّ نفسي محبطاً وعاجزاً عن الإجابة . وقال ربّ أسرة آخر : بعد مضي أكثر من شهر على حدوث الزلزال فإنّ زوجتي وأولادي لايتجرؤون على العودة إلى البيت ولايزالون في القرية لأنهم باتوا يخافون أي هزّة أرضية ولم يعد بوسعهم الإقامة في البيت . وأفادت إحدى الأمّهات أنها لن تنسى طيلة حياتها حالة الهلع والرعب التي عاشتها عند حدوث الزلزال ،وهذا الشعور بات يشكّل لها كابوساً حقيقياً وحالة فوبيا تنعكس على حياتها وعلى خوفها على أولادها . وهناك حالات كثيرة ومتباينة يتعذّر حصرها والاحاطة بها .

إجراءات الدعم

يقول الدكتور مضر ديوب – مدرّب تنمية بشرية إنّ أهم إجراءات الدعم النفسي لضحايا الزلزال تتضمن مجموعة من التدخلات الفردية والمجتمعية ، وهناك بعض الإجراءات الشائعة التي تندرج في معالجة الآثار النفسية ومنها استشارات الأزمات التي  يقدّم خلالها  المستشارون المدّربون الدعم الفوري لمساعدة الأفراد على التعامل مع عواطفهم ومشاعرهم ، وهناك  العلاج الذي يركّز على الصدمات حيث يساعد هذا النوع من العلاج الأفراد على معالجة تجاربهم وإدارة الأعراض مثل القلق والاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة

وأشار د. ديوب إلى العلاج الجماعي الذي  يوفّر  بيئة داعمة حيث يمكن للأفراد مشاركة تجاربهم مع الآخرين الذين مرّوا بصدمات مماثلة ، وهناك  التثقيف النفسي ويتضمن تثقيف الأفراد حول ردود الفعل الشائعة للصدمة وكيفية إدارة التوتر والقلق.

ولفت ديوب إلى  دعم الأسرة إذ  يلعب أفراد الأسرة دوراً  مهماً في عملية تعافي ضحايا الزلزال ، ويمكن أن يساعد تقديم الدعم لهم في التعامل مع الصدمات.

،ومن الإجراءات الهامة أيضاً  تلبية الاحتياجات العملية وفيها يمكن أن يساعد توفير الدعم العملي ، مثل الطعام والمأوى والملابس ، في تقليل التوتر وتعزيز الشعور بالأمان. يمكن أن يكون لذلك تأثير إيجابي على الصحة النفسية للأفراد.

أمّا  الدعم طويل المدى فهذا هام أيضاً تبعاً للدكتور ديوب لأنّ آثار الحدث الصادم  مثل الزلزال يمكن أن تستمر لفترة طويلة ، لذلك من المهم تقديم الدعم المستمر للأفراد ،وقد يشمل ذلك عمليات تسجيل الوصول المنتظمة والإحالة إلى خدمات أخرى حسب الحاجة.

تعزيز التماسك

ويُعوّل أيضاً في هذا المجال على التدخلات المجتمعية و تهدف هذه التدخلات إلى تعزيز التماسك الاجتماعي واستعادة الإحساس بالحياة الطبيعية للمجتمعات المتضررة ، إضافة إلى التعاون مع المنظمات الأخرى إذ يمكن أن يؤدي العمل مع المنظمات والوكالات الأخرى ، مثل فرق الاستجابة للكوارث ومقدّمي الرعاية الصحية والمجموعات المجتمعية ، إلى تعزيز فعّالية جهود الدعم النفسي.

ويركّز د.ديوب على موضوع  التأهب من حيث ضرورة إعداد الأفراد والمجتمعات للكوارث المستقبلية من خلال التعليم والتدريب يمكن أن يساعد في تقليل تأثير الزلازل المستقبلية وتحسين المرونة ، أمّا اللجوء إلى  الأدوية فهذا يكون في الحالات الشديدة حيث  يمكن وصف الأدوية مثل مضادات الاكتئاب والأدوية المضادة للقلق للتحكم في الأعراض.

 

ويؤكّد الدكتور ديوب أنّه من المهم ملاحظة أنّ نوع الدعم المقدم يعتمد على احتياجات الفرد وتفضيلاته بالإضافة إلى شدّة أعراضه ،ومن المهم أيضاً أن يكون الدعم النفسي مناسباً  ثقافياً وأن يأخذ في الاعتبار السياق المحلي الذي حدث فيه الزلزال ،كما انّه من  المهم أن نتذكر أن الآثار النفسية للزلزال يمكن أن تختلف على نطاق واسع بين الأفراد والمجتمعات. من خلال توفير مجموعة من خيارات الدعم والاستجابة لاحتياجات المتضررين ، من الممكن مساعدة ضحايا الزلزال على الشفاء من الصدمة

حاجة حقيقية

ولأنّ الدعم النفسي بات حاجة حقيقية في إطار الاستجابة لتداعيات الزلزال فقد جاء تشكيل الفرق التخصصية لتقديم الدعم النفسي للمتضررين من الزلزال بإشراف وإعداد كليّة التربية.

ورأى الدكتور منذر بوبو عميد الكليّة أنّ الدعم النفسي يستهدف الأشخاص الذين يعانون  ضغوطاً واضطرابات ناتجة عن صدمة التعرّض للزلزال ، وأنّ  فرق الاستجابة النفسية تعمل  في المرحلة التالية للاستجابة الإغاثية. حيث وضعت الكلية فرقها تحت تصرف الجامعة والجهات المعنية من أجل التدخل الفوري في الدعم النفسي للمتضررين ، بالتوازي مع  تدريب فرق  من قبل مختصين لتأهيل مدرّبين منعاً لأي خلل في العمل ،و أنّه بعد التأكد من تنفيذ المرحلة الأولى من التدخل في كارثة الزلزال وأنّ مجموعات العمل الميداني تنفّذ  أنشطة دعم نفسي للأطفال وجلسات تفريغ انفعالي وتحديد احتياجات للفئات العمرية الأكبر وستقوم بتحويل الحالات التي تحتاج إلى تدخل نفسي متخصص ليتم تقديم الخدمات اللازمة لها.

المتضرر الأكبر

ولأنّ الأسرة هي المتضرر الأكبر من هذه الكارثة ولأجل تشكيل فريق دعم نفسي مؤهل وقادر على التعامل مع الآثار السلبية التي خلفها الزلزال فإنّ الهيئة السورية لشؤون الأسرة والسكان أعدّت دليل الدعم النفسي الاجتماعي الموحّد الشامل وقد عرّفت بهذا الدليل في ورشة عمل بمشاركة  خريجي كليات الإرشاد النفسي والتربية وعلم النفس وعلم الاجتماع ممن يمتلكون خبرة في مجال الدعم النفسي، لصقل معلوماتهم والاطلاع

يشار إلى أن دليل الدعم النفسي موجّه للأشخاص العاملين في مراكز الإيواء، لتأهيلهم في مجالات تطبيق أنشطة دعم نفسي للأطفال، واكتساب المهارات اللازمة للاستجابة لأي نوع من الكوارث أو الحوادث الطارئة المحتملة، ورصد الحالات التي تحتاج إلى مراحل متقدمة من العلاج ليتم إحالتها إلى جهات متخصصة .