من سيبني المساكن البديلة لمنكوبي الزلزال وما تقنيات تنفيذها وآليات تمويلها ؟!
البعث الأسبوعية ـ علي عبود
الوقت ليس مبكراً أبداً، فقد آن الأوان لتجيب الحكومة على أسئلة تتعلق بمصير المنكوبين من زلزال 6/2/2023، وأهمها: من سيبني المساكن البديلة لمن فقدوا منازلهم خلال ثوان معدودة؟
هذا السؤال مهم جداً، فالمنكوب يريد أن يعرف الإجابة سريعاً، فالخيارات محدودة، فإما أن تقوم الشركات الحكومية ببناء المساكن البديلة، أو المقاولون الكبار، أو شركات التطوير العقاري، إلا إذا أرادات الحكومة إشراك الجهات كافة العامة والخاصة، وربما الشركات الخارجية بعمليات إعادة إعمار ما دمره الزلزال.
أما السؤال الثاني والمهم أيضا: أين ستبني الحكومة المنازل البديلة؟
على الحكومة أن تحسم الإجابة سريعاً على هذا السؤال، فهل ستكون المنازل البديلة في الأماكن نفسها التي دمرها الزلزال، أم ستختار مناطق أخرى لبناء ضواح سكنية ضخمة في المحافظات التي دمرها الزلزال تكون أبنيتها مقاومة لهزات لا تقل عن 8 درجات على مقياس ريختر؟
والأمر لا يقتصر على اختيار مناطق السكن البديل للبدء بمرحلة البناء، وإنما في الإجابة على السؤال الثالث أيضا وهو: ما تقنيات التشييد التي ستتبعها الحكومة؟
الحاجة ماسة للتشييد السريع
وبما أن الناس حالياً في مراكز إيواء مؤقتة، وبما أن الحل المتاح ريثما تُنجز المساكن البديلة هو استئجار المنازل للمنكوبين، فإن الحاجة ماسة إلى تبني تقنيات التشييد السريع في سورية، والتي تتيح إنجاز الضواحي السكنية خلال عام أو أقل، هل ستعتمد الحكومة على هذه التقنيات المطبقة في دول صديقة كالصين وروسيا، بل إن شركاتنا الإنشائية لديها خبرة ولو محدودة بها يمكن ترقيتها بتحالفات مع شركات التشييد السريع في الدول الصديقة، فهل ستفعلها الحكومة سريعا؟
ولعل السؤال الأهم في حال اختارت الحكومة مناطق بناء الضواحي الجديدة لمنكوبي الزلزال، وبتقنيات التشييد السريع عبر تحالفات بين شركاتنا الإنشائية ونظيراتها الصينية والروسية هو: من سيمول كلفة إنجاز الضواحي السكنية، أي ما آليات ومصادر تمويلها؟
الاشتراطات الزلزالية
وربما هي المرة الأولى التي سيبرز فيها عامل ”الاشتراطات الهندسية” كشرط أولي في أبنية السكن البديلة، وهذه الاشتراطات لا يمكن وصفها بالجديدة، لكنها لم تكن معتمدة إلا لدى مشاريع الشركات الإنشائية العامة، وتحديدا مشاريع المؤسسة العامة للإسكان فلم يلحق الضرر بأيّ من مبانيها في الزلزال الأخير.
وإذا كان الكثيرون تساءلوا بعد كارثة الزلزال: أين كان دور المهندسين والمشرفين خلال إشادة أبنية هشة في المناطق المنكوبة وخاصة في العشوائيات، فإن السؤال يجب أن يُوجه للبلديات التي تهاونت مع متعهدي البناء إلى حد أن أكثريتهم كانوا يستخدمون النحاتة بدلا من الإسمنت، والدليل انهيار عدة مبان دون زلازل أو هزات.
وفي هذا السياق يؤكد مدير عام الشركة العامة للدراسات الهندسية الدكتور طارق حسام الدين ”أن الشركة العامة للدراسات الهندسية تقوم ومن خلال كل الدراسات الإنشائية التي تعمل عليها باعتماد الاشتراطات الهندسية الواردة في الكود العربي السوري وخاصة الملحق الخاص بتحقيق الاشتراطات الزلزالية، و يتم إنجاز الدراسات الزلزالية باستخدام أحدث طرق البرمجيات التي تمكن من إدخال تأثير القوى الأفقية الناجمة عن الهزات الزلزالية والتي تؤثر في البناء المدروس، ما يمكن من تصميم العناصر الإنشائية كلها، إضافة إلى تحقيق اشتراطات احتياطية إضافية لصالح الأمان مثل تقوية عقد الاتصال بين هذه العناصر”.
ونستنتج من كلام مدير شركة الدراسات أن المسألة ليست باعتماد الاشتراطات الهندسية في المشاريع التي تدرسها، وإنما بعدم تنفيذ هذه الاشتراطات من قبل المتعهدين والمقاولين بالتواطؤ مع البلديات ببناء العشوائيات التي بالكاد يمكن أن تصمد أمام الأمطار والسيول!، والسؤال: ما أهمية التقيد بالاشتراطات الهندسية؟
التنفيذ الصحيح يمنع الانهيارات
يؤكد حسام الدين أن تطبيق الاشتراطات الزلزالية يمنع حالات الانهيارات الكاملة للأبنية وإن حدث في هذه الأبنية نتيجة الزلزال بعض التصدعات لكن تبقى إمكانية إخلاء البناء وحفظ الأرواح ممكنة، وهنا يلعب التنفيذ الدقيق والصحيح للدراسة والتقيد بنسب الخلطات البيتونية ونسب التسليح دوراً أساسياً في صمود البناء أثناء وقوع الزلزال.
وإذا استثنينا الشركات الإنشائية، فإن ما من مقاول أو متعهد كان حريصاً على تنفيذ الاشتراطات الهندسية طوال العقود الماضية لأن همه التوفير في المواد وغشها لتخفيض التكلفة وزيادة الأرباح بالتواطؤ مع البلديات، فما من مقاول أو متعهد يمكنه التلاعب بالاشتراطات الهندسية بل وتجاهلها كليا دون غض نظر من البلديات.
ما نريد التأكيد عليه أن الاشتراطات الزلزالية القائمة والمعتمدة حالياً منذ عام 1996 حالت دون انهيار الأبنية التي راعتها، والمطلوب حالياً ليس اشتراطات جديدة، وإنما تعديلها استناداً إلى قيم التسارع الزلزالية الأعظمية بناءً على الزلزال الأخير والهزات الارتدادية التي تلته. وهو عمل يتطلب تضافر جهود عدة جهات تضم اختصاصات جيولوجية و هندسية لبحث هذه الإمكانية.
ماذا كشفت الأبنية المهدمة؟
قد يقال الكثير عن أسباب انهيار أو تصدع الأبنية في المناطق المنكوبة بكارثة الزلزال، فالبعض يرى أن الزلزال كان على درجة من القوة لم تستطع الأبنية مقاومته فانهارت أو تصدعت، وهناك من يجزم أن المتعهدين غشوا في أعمال البناء على مرأى من البلديات لأنهم استبعدوا حدوث زلزال صغير أو كبير في المدى القريب أو البعيد، أي وهم على قيد الحياة!
وبغض النظر عن السبب الفعلي، وخاصة أن مجالس الإدارة المحلية، سواء على مستوى مجالس المحافظات أم دوائر الخدمات تنفي تساهلها مع المتعهدين وتجار البناء، فإن زلزال 6 /2/2023 كشف لنا التالي بالنسبة لمواقع الأبنية التي انهارت أو تصدعت أو تشققت جدرانها:
ـ أبنية قديمة لم يتم إنشاؤها وفق متطلبات كود الزلازل المعتمد،إضافة لعمرها الذي أدى لضعف مواد الإنشاء مع الأخذ بالحسبان تأثير الظروف المناخية ورطوبة المنطقة الساحلية بشكل خاص.
ـ أبنية حديثة انهارت بالكامل، كمناطق السكن العشوائي.
ـ أبنية حديثة انهارت بعض عناصرها الإنشائية، وبقي البناء على درجة من السلامة تسمح بإخلائه.
ـ أبنية صمدت كالمباني التي نفذتها المؤسسة العام للإسكان، أو المباني التي نفذتها الشركات الحكومية.
وتبرز هنا مسؤولية وزارة الأشغال العامة والإسكان لدراسة ما كشفه الزلزال من خلل ومخاطر لم تعالج في وقتها ، وبالتالي عليها العمل من خلال مؤسساتها وبالتنسيق مع المؤسسات العلمية والجامعات ونقابة المهندسين ، بتقييم المباني المتضررة نتيجة الهزة الزلزالية وارتداداتها لتعديل الاشتراطات الهندسية التي ستطبق في إنجاز المساكن البديلة للمنكوبين، وفي سائر الضواحي السكنية.
الخلاصة:
آن الأوان للتوقف عن تسجيل العقارات السكنية الجديدة دون إبراز وثيقة من الوزارة أو نقابة المهندسين تثبت أنها تقيدت بالاشتراطات الهندسية التي تجعل الأبنية مقاومة لزلزال لا تقل شدته عن 8 درجات على مقياس ريختر!