أين هي عيون محكمة الجنايات الدولية؟
هيفاء علي
أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وكذلك بحق المفوض الروسي لحقوق الطفل، بتهمة ترحيل الأطفال قسراً من أوكرانيا إلى روسيا خلال العملية العسكرية الخاصة، الأمر الذي يبعث على الاستهجان بالنظر إلى حقيقة أن روسيا شجبت المحكمة الجنائية الدولية، وانسحبت من إجراءاتها، ما يعني أن أحكامها بالطبع لا تعني روسيا لا من قريب ولا من بعيد.
أما فيما يخص ترحيل الأطفال الذين أخرجتهم روسيا من أوكرانيا، فهؤلاء الأطفال كانوا أيتاماً تم وضعهم في الغالب في دور الأيتام في دونيتسك، بعدما قصفت قوات كييف المباني المدنية في بشكل يومي، لذلك تقرر جلب هؤلاء الأطفال إلى بر الأمان في روسيا. وهذا عمل إنساني بحت، ما يعني أن يحصل بوتين والمسؤولون عن إنقاذ هؤلاء الأطفال مديحاً، وليس تلفيق التهم كيفما اتفق.
الحقيقة هي أن القوات الروسية على الأرض في أوكرانيا تتقدم في كل مكان، لذلك بدأ غضب الولايات المتحدة يستشيط، حيث مليارات الدولارات المرسلة لا فائدة منها، علاوة على ذلك، فإن العقوبات ضد روسيا كانت نتيجتها الوحيدة تدمير اقتصادات الدول الغربية، وتقوية الاقتصاد الروسي، لذلك كان من الضروري العمل على أرضية أخرى، ولم يستغرق الأمر سوى بضع مكالمات هاتفية حتى يمتثل قضاة المحكمة الجنائية الدولية للتعليمات والأوامر الصادرة من البيت الابيض، لأن العالم الغربي أصيب بجنون كامل وخطير. ولكن كل أفعالهم على مدى سنوات، بعيدة كل البعد عن تقويض ثقة الروس في رئيسهم بوتين، بل على العكس عززت دعم الشارع الروسي له.
اليوم يطالب الكثيرون باستخدام أسلحة أقوى “لإلحاق الهزيمة بروسيا”، بغض النظر عن الأضرار الجانبية الناجمة، ويبدو أنهم لا يعلمون أن شخص فلاديمير بوتين مقدس في روسيا، لأنه هو الذي أخرج روسيا خلال عشرين عاماً من الفوضى، وطّور البلاد بسرعة لا يمكن تصورها، مما سمح لجميع الروس بالاستفادة منها، وعليه، إن هجوم الغرب عليه كشخص سيكون له عواقب وخيمة للغاية على المستوى الشعبي وعلى مستوى القادة السياسيين.
ووفقاً لمصدر في الإدارة الرئاسية، فإن قرار المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي يهدف إلى إضعاف معنويات وتقسيم النخبة الروسية، وهذا القرار لن يكون له بالتأكيد أي عواقب قانونية، كل شيء يتم اتخاذه بهدفين عاديين فقط: الأول، هو خلق فرصة إخبارية رفيعة المستوى، خاصة في أجندة الأخبار الغربية لإظهار أنهم يبذلون قصارى جهدهم لمساعدة أوكرانيا في معاقبة روسيا على أعمالها العسكرية. والسبب الثاني هو إحداث ارتباك وتردد لدى النخب الروسية لتحريضها على التوقف عن دعم الحكومة الروسية، لكن من المفهوم الآن أن كل من أراد “خيانة الكرملين” قد فعل ذلك بالفعل. لذلك، في هذا الصدد، لن يتحقق الهدف بالتأكيد، حيث ذكرت مصادر داخل الإدارة الرئاسية أن فلاديمير بوتين سيواصل رحلاته إلى الخارج رغم الأمر الذي أصدرته المحكمة الجنائية الدولية، ولا يمكن أن يكون لقرارات المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي أي تأثير على خطط الرئيس.
وهنا سرعان ما يتبادر إلى الأذهان السؤال التالي: إذا كانت محكمة الجنايات الدولية قادرة على إصدار مثل هذه الأحكام الجائرة هنا، وقادرة على اثبات وجودها عندما تريد ذلك، فأين هي أحكامها لملاحقة واعتقال المجرمين في حكومات الكيان الإسرائيلي المتعاقبة الذين ارتكبوا مجازر شنيعة بحق الشعب الفلسطيني، ولا زالوا؟. وأين هي من الجرائم التي ارتكبتها المنظمات الإرهابية بمختلف مسمياتها بحق الشعب السوري بدعم مباشر من الدول الغربية والنظام التركي؟. وماذا عن الجرائم المرتكبة بحق الشعب اليمني والليبي والعراقي؟. أين هي عيون محكمة الجنايات الدولية؟