طقوس الاحتفال بعيد الأم غائبة مع غلاء الظروف الاقتصادية والأسعار الجنونية للهدايا
البعث الأسبوعية – دعاء الرفاعي
في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة والغلاء الكبير للأسعار لم تكن طقوس عيد الأم هذا العام مشابهة لما قبلها لاسيما بعدما سجّلت معظم الهدايا ارتفاعاً غير مسبوق للأسعار وبات الحصول حتى على “قالب الكيك” وباقة ورد وهدية للأم يتطلب دفع راتب بكامله.
هدية رمزية
لاشك أن ضعف القدرة الشرائية طال كافة الفئات حتى أن الأبناء باتوا “يهكلون” هم جلب الهدايا لوالدتهم مع ارتفاع أسعار كل شيء من ألبسة وأحذية، هذا ما أكدته الطالبة أنوار التي قالت إنها غير موظفة ولازالت في مرحلة الدراسة ولكن لم يمر عيد الأم هذا مرور الكرام وحيث جلبت هدية رمزية لوالدتها كما كان يفعل أخوتها المسافرون في كل عام.
عبئ مادي
لم يخف الشاب سوار قلقه من المصروف الكبير الذي ينتظره حين شراء الهدايا فهو حسب قوله لا يستطيع أن يهدي والدته شيئاً دون عمته المتزوجة والتي لم تنجب الأبناء، فهو يرى أن من واجبه تهنئتها بهذا اليوم من مبدأ جبر الخواطر، وهو معتاد على هذا التصرف منذ صغره ولا يستطيع تجاهلها أبداً.
أقل كلفة
تقول وعد أنها اتفقت مع أخوتها أن تشتري لوالدتهم هدية واحدة بعدما اعتادوا أن يقدم لها كل منهم هدية وأحيانا مجوهرات وهو الأمر الذي لم يعد بمقدورهم هذا العام ، وبذلك الخيار احتفلوا بالعيد بأقل كلفة ممكنة.
احتفلوا بصمت
ترى أم علي وهي أم لثلاثة أطفال أن هذه الطقوس لا تقدم ولا تؤخر في شيئ، فمن يعرف قيمة وعظمة اليوم لا يفكر بالاحتفال بأمه في يوم واحد من العام، وتقول: إن الاحتفال بالأم لا يحتاج إلى زينة وهدايا وأغان وقوالب من الحلوى، الأم تحتاج إلى الحنان والرعاية والحب والاحترام والتقدير طوال العام وعلى مدار الساعة، وتضيف أم علي أن احتفلوا بأمهاتكم في صمت، وراعوا الأيتام وكل من فقد أمه، ولا تنسوا أمهاتكم اللاتي ربتكم ولم تنجبكم، أسعدوا وافرحوا كل امرأة لها دور في حياتكم.
الأم المتوفية حاضرة
تجد السيدة أم خالد نفسها صباح كل عيد أم أمام قبر والدتها المتوفاة، فهي لا تملك بذكرى رحيلها ويوم عيدها إلا أن تقف أمام قبرها وهي تحت الثرى لتترحم وتضع إكليلا من الزهور لها وقراءة الفاتحة على روحها الطاهرة.
الذهب من المستحيلات
قبل العام 2020 لم يكن أبناء محافظة درعا ليحتاروا بهدية عيد الأم، فمحال الصاغة منتشرة وكان خاتم أو طوق أو أي قطعة ذهب من الاختيارات الواسعة أمامهم وأهمها، ولكن هذا العام اختلف الواقع جذرياً عن الأعوام السابقة بسبب الارتفاع الجنوني في أسعار الذهب وهذا ما أكده أحد الصاغة بقوله: إن حركة البيع لم تتراجع فقط إنّما أصبحت معدومة، وبعدما كنت أبيع خلال فترة عيد الأم ما يزيد عن 30 هدية لم يفكر أحد هذا العام بشراء الذهب، ويعزو صاحب المحل السبب إلى الوضع الاقتصادي الذي يعاني منه السوريون بحيث لم يعد بمقدرتهم شراء الذهب والمجوهرات، إضافة إلى ارتفاع سعره عالمياً بحيث بات حتى من يملك المال لا يشتريه ويستعيض عنه بهدايا أخرى أرخص ثمناً.
ركود أسواق
وبدوره بين مدير التجارة الداخلية وحماية المستهلك الدكتور يحيى العبد الله أن سبب ركود أسواق هدايا عيد الأم، هي الالتزامات الكثيرة على المواطن العادي، وأن هناك اهتمامات أولية يتطلبها المنزل السوري بعيدا عن هدايا الأعياد، كذلك ارتفاع الأسعار الجنوني، ودخول شهر رمضان المبارك، موضحاً أن دوريات الرقابة التموينية مستمرة وتكثف من جولاتها خلال فترة الأعياد والمناسبات الخاصة ومنها عيد الأم، كما تعمل على تنظيم الضبوط اللازمة في حال عدم وجود فواتير نظامية أو عدم إعلان وإبراز الأسعار على واجهات المحال التجارية.
حركة بيع ضعيفة
وقالت سحر البردان صاحبة أحد محال الملابس بمنطقة السبيل: إن حالة البيع والشراء في آذار تزداد بشكل كبير عن أي شهر آخر، نظراً لوجود تخفيضات نتيجة العروض؛ ومحاولة التجار التخلص من معظم الألبسة الشتوية واستبدالها بالموسم الصيفي حيث تصل التخفيضات إلى 30% من السعر الأصلى، موضحة أن العروض تتنوع ما بين شراء قطعة والثانية بنصف الثمن أو قطعتين بسعر مخفض، وهو ما يلبي رغبة من يريد شراء الهدايا لعيد الأم، فالزبون بهذا الشكل يستطيع على سبيل المثال شراء واحدة لوالدته وأخرى لوالدة زوجته وبسعر مناسب، مضيفة أن نسبة البيع كانت ضعيفة مع بداية موسم الصيف، مقارنة بالمواسم الماضية التي شهدت هي الأخرى ضعف الإقبال والشراء رغم كثرة العروض ويعود ذلك إلى ضعف القدرة الشرائية للمواطنين.
حركة بيع خجولة
وخلال جولة على سوقي الشهداء والسبيل الذين يشتهران بمتاجر الهدايا بدت الحركة الشرائية متواضعة برغم حرص التجار على تزيين واجهات المحال لجذب الزبائن الذين توجهوا لشراء الهدايا البخسة الثمن مما أوقع التجار بإحباط بعدما كانوا يعولون على هذه المناسبة لتحسين أوضاعهم.
وفي هذا السياق قال أبو جود صاحب متجر هدايا متنوعة في السوق: إن حركة المواطنين بدت جامدة ولا تشير لمناسبة هامة كانت تعني لهم الكثير في الماضي القريب فغالبية الزبائن بحثوا عن هدايا بأسعار لا تتجاوز 10 آلاف إلى 25 ألف فقط وهو مبلغ لا يشتري أي هدية ذات قيمة وجودة عالية.
وأضاف أبو جود، كنا نعول بهذه المناسبة على طلاب المدارس الذين كانوا يتجهوا بكثافة وعلى شكل مجموعات لشراء هدايا لأمهاتهم لكن يبدو أن الوضع الاقتصادي الكارثي في البلاد غير الأحوال وألغى الكثير من العادات والتقاليد الاجتماعية.
تبقى القيمة المعنوية التي يتمتع بها الاحتفاء بهذا اليوم أكبر من القيمة المادية والعينية التي يقدمها الأبناء لوالدتهم، ولاشك أن “لمة” العائلة واجتماع الأبناء مع الأحفاد على طاولة واحدة هو العيد الحقيقي لتلك الأم، ولكن الظروف القاسية التي يعيشها السوريون اليوم جعلت هذا الشيء حلما بعيد المنال بعد سفر وهجرة الآلاف من الشباب واغترابهم عن منازلهم وأهلهم، فغربة فلذات قلوبهم أفقدت عيد الأم البهجة والفرح، والهدية الأعز على قلب أي أم اليوم رؤية أولادها قربها ليطبعوا القبلات الحارة على وجنتيها.