مجلة البعث الأسبوعية

ماذا ستفعل الحكومة بعد الانتهاء من الخطط الإسعافية لآثار الزلزال ؟

البعث الأسبوعية ـ علي عبود

كل المؤشرات التي أسفرت عنها الاجتماعات الحكومية على مختلف مستوياتها ومتدرجاتها لم تجب على السؤال: ما خطط الحكومة لمرحلة ما بعد زلزال 6/2/2023؟

وبما أن الحكومة أعلنت عن انتهاء مرحلة الخطط الإسعافية للزلزال المدمر، والانتقال إلى مرحلة التعافي ألا يفترض أن تكشف لنا ماذا ستتضمن المرحلة الجديدة من خطط مؤقتة وأخرى دائمة؟

نعم، الكل يتحدث عن تأمين منازل بديلة دائمة للمتضررين من الزلزال، ولكن السؤال وبكلمة واحدة: كيف؟!

اكتشفنا من خلال الطروحات التي تناقشها الحكومة في اجتماعات مجلس الوزراء انها ستكتفي بالترميم والتدعيم للأبنية المتصدعة، وببناء أبراج مبعثرة في عدة مناطق لمن فقدوا منازلهم، وعلى الرغم من كون هذه الحلول لاتؤمن المساكن البديلة لعشرات الألوف من المتضررين، فإن الحكومة لم تناقش حتى الآن الحل الجذري لمرحلة التعافي الفعلي من كارثة الزلزال والمتجسد ببناء ضواح سكنية أبنيتها مقاومة للزلازل الشديدة بتقنيات التشييد السريع لإنجازها بأقل من عام، والسؤال: لماذا؟

المشهد مرعب جدا

عندما ينهار أكثر من 100 بناء كليا، ويبلغ عدد المباني الآيلة للسقوط 247 مبنى نتيجة للزلزال المدمر ويتشرد 142 ألف مواطن فجأة حلال ثوان معدودة في محافظة اللاذقية فقط فهذا يؤكد أننا أمام مشهد مرعب، لم نشهد مثيلا له إلا في الأفلام التي تناولت الزلازل في عدد من مناطق العالم.

وإذا كان أمر الأبنية المنهارة محسوما، أي سيعاد إعمارها، فإن الأبنية المتصدعة أو المتشققة تطرح تساؤلا مهما: هل نهدمها أم ندعمها، وخاصة بعد تعرضها لعدة هزات ارتدادية؟

نستنتج من تصريحات الجهات المحلية والمركزية، وعدد كبير من المهندسين، أنهم مع  ترميم وتدعيم المباني غير المهددة بالسقوط، والسؤال: هل هذا الإجراء آمن وسليم تجاه أي زلزال جديد وغير متوقع؟

قد يكون الهدف من التدعيم عودة أكبر عدد من السكان إلى منازلهم، ولكن هذا قطعا ليس بالحل الجذري، فالحل هو بترحيل الأنقاض، وإقامة ضاحية سكنية جديدة في الموقع الذي دمر الزلزال مبانيه، وفق الاشتراطات الزلزالية، على أن تؤمن الحكومة المنازل المستأجرة للمتضررين ممولة من صناديق مساعدة محلية وعربية ودولية ريثما تُنجز الضاحية التي يمكن إنجازها بتقنيات التشييد السريع خلال أقل من عام في حال توفر التمويل الكافي، ولا نظن أن هذا الأمر بالصعب جدا!

إنهاء ملف العشوائيات

وإذا كان من فائدة لزلزال السادس من شباط فليكن للأبناء والأحفاد لمن استشهد أهلهم أي للأجيال القادمة من خلال إنهاء ملفات مناطق العشوائيات واستبدالها بضواح سكنية مبانيها مقاومة للزلازل.

ويمكن استبدال مراكز الإيواء سواء باستئجار منازل مؤقتة للمنكوبين أو بمساكن مسبقة الصنع يمكن تركيبها في أي مناطق قريبة من المرافق العامة، بل يمكن الاستفادة من هذه المساكن لاحقا عند التخطيط لاستبدال مناطق العشوائيات في المحافظات التي لم يضربها الزلزال بضواح سكنية كي نرفع شروط السلامة والأمان للسوريين في كل مكان معرض لزلزال صغير أو كبير، وهو التحدي الذي يجب أن تتصدى له كل الحكومات خلال العقد القادم على الأقل.

وبدلا من هدر الوقت في حصر الأبنية السليمة غير الخطرة أي الأبنية عير المهددة بالانهيار،فلتعلن الحكومة المناطق التي ضربها الزلزال مناطق تطوير عقاري وتؤمن مستلزمات إقامة ضواح سكنية عليها مبانيها مقاومة للزلازل، فالحل ما بعد الزلزال يجب أن يكون جذريا لا مؤقتا يتحول مع الزمن إلى دائم، ولا حلا ترقيعياً يؤجل حدوث كارثة جديدة لا يعرف أحد متى قد تقع آجلا أم عاجلا!

توقفوا عن التقييم

نعم، حالات التقييم الإنشائي للمباني للتأكد من سلامتها والسماح بعودة سكناها ضروري للمناطق المتأثرة جزئيا بالكارثة، أما بالنسبة إلى المناطق المتضررة بشدة فالحل بهدم كل مبانيها المتصدعة والمتشققة بما فيها الصالحة إنشائيا للسكن وبناء ضواح فيها مقاومة لأي زلزال قادم يمكن ان يحدث في أي وقت دون إنذار مسبق.

نعم، توقفوا عن دراسات تقييم المباني في المناطق التي ضربها الزلزال، إلا إذا كانت بهدف الدراسات وتحديد المسؤوليات، وباشروا فورا بتشييد ضواح جديدة، وما من حل جذري سوى حل الضواحي السكنية الجديدة المقاومة للزلازل.

من الطوارئ إلى الإستراتيجية

أما وقد مر أكثر من شهر على الزلزال فقد آن الأوان للانتقال من خطة الطوارئ إلى خطة إستراتيجية أو ما يمكن تسميته خطة الضواحي السكنية المقاومة للزلازل.

لقد كانت الأولوية في خطة الطوارئ إنقاذ ما يمكن إنقاذه من الأرواح ورفع الأنقاض عن المواطنين الذين هدمت منازلهم، وتشكيل لجان للسلامة الإنشائية من وزارة الأشغال وشركة الدراسات ونقابة المهندسين وخبراء الاقتصاد في الجامعات في كل محافظة مهمتها التدخل في الحالات الطارئة، وتقييم الأبنية وإخلاء الآيلة منها للسقوط حسب الضرر الواقع عليها..الخ.

وتمكنت الحكومة بفعل تكافل السوريين من إيواء العائلات المتضررة من خلال أكثر من 300 مركز إيواء، وقدمت لهم احتياجاتهم الضرورية!

انتقلت الحكومة بعدها إلى مبادرات سريعة لتأمين المأوى الدائم، وكانت البداية مبادرة وزارة الأشغال ببناء 300 وحدة مسبقة الصنع بالتعاون مع الشركات الإنشائية خلال شهر فقط، وهذا يعني إمكانية تنفيذ المزيد منها لنقل العائلات إليها حسب الأولويات، بالإضافة إلى بناء وحدات سكنية بشكل سريع..الخ.

وإذا أضفنا مبادرات المجتمع المحلي وغرف الصناعة بتأمين مساكن تكفلت بدفع بدلات أجارها لعدة أشهر، فهذا يعني أن على الحكومة أن تنتقل من خطة الطوارئ إلى الخطط الإستراتيجية أي بناء الضواحي السكنية الكفيلة بتأمين وحدات سكنية بديلة عن التي خسرها المنكوبين من الزلزال، ويمكن الاستعانة بالدول الصديقة لتنفيذ هذه الضواحي وتأمين مصادر كافية لتمويلها بعدما أعلنت وزارة الخارجية السورية أن المناطق التي ضربها الزلزال منكوبة.

 

التخطيط للمستقبل

لقد شارف عمل لجان إحصاء الأضرار على النهاية، حيث تبين أن هناك في مدينة اللاذقية، وهي الأكثر تضررا مقارنة بمساحتها وعدد سكانها 336 مبنى متضرر بالكامل و 1697 أبنية تحتاج إلى تدعيم حيث نسبة الضرر فيها 60 % و 5819 أبنية متضررة بشكل بسيط بنسبة 20 % في حين بلغت نسبة المباني السليمة  3876، وفي محافظة حلب يوجد 198 أبنية متضررة بالكامل، و1093 بناء بحاجة إلى تدعيم و 5138 سليمة.

والسؤال: هل التوجه لإعادة بناء المدمر كليا وتدعيم الأبنية المتضررة جزئيا دون دراسة إمكانية مقاومتها لأي زلازل جديدة، أم بناء ضواحي سكنية جديدة وفق الاشتراطات الهندسية الكفيلة بالصمود أمام الزلازل القوية؟

وبسؤال أكثر دقة: هل ستنتقل الحكومة من خطة الطوارئ إلى خطط إسعافية مؤقتة تصلح للمحافظة على الوضع الراهن أم التخطيط للمستقبل المقاوم للزلازل الكبيرة؟

الخلاصة:

تعرف الحكومة جيداً أن الحل الجذري للتعافي الفعلي من كارثة الزلزال يكون باختيار عدد من مناطق التطوير العقاري التي أقرتها وزارة الأشغال منذ أكثر من خمس سنوات لبناء ضواحي سكنية فيها بتقنيات التشييد السريع مبانيها مقاومة للزلازل ، وتكفي لتأمين الشقق البديلة للمنكوبين ولسكان العشوائيات، وأي حلول أخرى مهما بدت براقة وسريعة هي مجرد حلول ترقيعية ستفاقم المشكلة بدلا من حلها!