ثقافةصحيفة البعث

الفعل الكاريكاتوري والمفعول به

رائد خليل

قضّ الكاريكاتور مضاجع شخصيات تاريخية مهمّة لها باع طويل في التشفي واختراع أبجديات تناسب أثواب زمنها وإيقاعه، من نابليون وهتلر إلى أسماء أخرى اعترضت واستهجنت وندّدت برسوم تناولت شخصياتهم ووجودهم. وشخصيات أخرى، كانت تشعر بالغبطة والسعادة عندما يتناولها الكاريكاتور في مسرح الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والفنية.. إلخ.
وقد يأتي الكاريكاتور الكلامي (النكتة) كردّ  فعلٍ على استفسار مكنون أو موقف ما. فمرة قال الوزير البريطاني السمين تشرشل لبرناردشو النحيف: من يراك يظن بأنه يوجد أزمة غذاء في بريطانيا، فردّ برناردشو عليه: ومن يراك يعرف سبب الأزمة.
يدركُ بعضُ المشتغلين في الوسطين الفني والثقافي أهمية فن الكاريكاتور التوعوية ويعرفون وظائفه في خلق مساحات للتأمل والتعرف والفهم.
وبالمقابل، تثيرُ تلك المساحة المتروكة لعين المتلقي وعقله حفيظة بعض القائمين على النشر، بحجة أن المشكلة في نوع الخشب لا في العقدة.
إذن، العنوان واضح، والحجّة في نوع السبورة كما يقول الكسول، أو ربما في نوع الطباشير وطريقة المسح. فهل تحتاج الحروف إلى نقاط لوضعها عليها؟.
أخاف من شيئين، الموت ورسامي الكاريكاتور، هذي الجملة بكامل بواطنها ومكنوناتها، جعلت الرئيس الأمريكي السابق ترومان فيلسوفاً في الخوف والمبالغة، فهل يعقل أن يضع الرسام والموت في سطر هواجس واحد؟.

الواقع النكتة والتهريج المتعمد
يميل بعض الأشخاص من قراء الكاريكاتور إلى تسفيه بنية هذا الفن وجعله نكتة متداولة، كأنْ يقول لك أحدهم: هل رأيت أنف ذاك الرجل في لوحة فلان؟.
نعم نعم، لقد أدهشتني براعته في التقاط البلوط من ضفاف اللون الحفستقي الزبرنخي..
– هل قلت ضفاف اللون..؟.
– نعم، وذكرتُ البلوط أيضاً..
إنها اللامبالاة وقتل روح إبداع بعض المشتغلين في فن صار لوحة فنية خالصة بكل أبعادها وتجلياتها وإيقاد روح التأمل والتأويل والحضور الجمالي.
القلق الذي يسربل الفنان لا يمكن لشخص عابر أن يتلمس مداه وعتبات الوصول والتحليق إلى أعلى قمم التفكير.إذن، ماهي مناسبة الحديث..؟.
المناسبة، أنّ أحد المهتمين جداً بالتقليل من أهمية الفن عموماً والكاريكاتور خصوصاً، لم يجد حجة أو طريقة أو برهاناً مصاباً بالفطر الأسود إلا وجربه بحجة أن ثوبه الثقافي يحيط بكل معرفة وإدراك، وهذا يشبه ماحصل مع أحدهم في ليلة عرسه، إذ أن الوقت أدركه ودهمه وهو ينظر إلى عروسه ولم يجد كلاماً ليتحدث به.. وبعد طول انتظار سألها: “أهلك بيعرفوا إنك عندي..؟”.
هذا الكلام لا يخفى على أحد، ويبدو أنّ العقل الجمعي بات حاضراً في كل مناسبة.. وهناك من يشدّ الأوتار ويعلم بالسرّ وجوهر الكار، وهو أشبه بمن اشترى لأمه عصفورين، أحدهما يغرد، والثاني لا صوت له.. فسألته أمه: لماذا العصفور الثاني صامت لا يغرد؟ قال لها: هذا هو الملحن.
فهل عرفتم كيف تقرأ الأمور وكيف تدار..؟
وكيف ستقنع الذبابة أنّ الزهور أجمل من القمامة كما يقول غيفارا؟.
كيف..؟.
لقد سمعنا عن “فرض القوالب” وسمعنا آهات التشخيص البائس، فكيف نقول عن مرض مستشر وصل إلى حدّ لا ينفع الكوي معه.. “ذاك المرض”.
يقول نيتشه: “أبغضُ ضيقَ الأفقِ أكثر بكثيرٍ من الخَطِيْئَة”.
وهنا، يقودنا الفضول دوماً للغوص في عمق التساؤل عن ذاك المرض!.
إذن، ما هي مناسبة الحديث مرة أخرى..؟
سأروي لكم “غصّة” قصيرة جداً.. إذ تقول هذه “الغصة”: “إنّ حماراً انفجر من الضحك عندما رأى خروفاً ممدداً ومربوطاً ومعدّاً للذبح.. فرفع الخروف رأسه وقال للحمار: أموت خروفاً ولا أعيـش حماراً”.
وللذين ينتظرون غودو.. أقول لكم إنه لن يأتي.. وللذين ينتظرون “ثيسيوس”، أقول لكم ربما يكون برفقة غودو!.