الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

هل تصوم المعرفة؟

غالية خوجة

للإجابة عن هذا السؤال لا بدّ من أن ندرك بأن الإدراك يتعزّز مع الصيام وكذلك المعرفة الصائمة فقط عن السيئات، لأن غذاءها من غذاء الوعي والإدراك والازدياد من ثقافة الحياة بما فيها العلم والأدب، ودليلها الكلمة النورانية “إقرأ”، وظلّها الممدود مدّاً يحمي النفوس من الظلمات، ويحصّن القلوب من الموبئات، ويجعل السعادة شمساً للضمائر تحرق التعاسة وتنير الأرواحَ المطمئنات.

لذلك، لا تصوم المعرفة عن الثقافة وتطويرها بوعي متناسب مع العصر، ولاسيما أن الصائمين لا يصومون عن وسائل التكنولوجيا الاجتماعية، بل يصومون عن الثقافة والمعرفة والعلم والأدب.

لذلك، أتساءل: لماذا ليس لدينا مجالس أدبية ثقافية تراثية علمية رمضانية تجمع العقول وتناقش اهتماماتها وتحاور الأفكار وتتبادل المعلومات؟ وما ضرّ لو فتحت الجهات المعنية أماكنها لمثل هذه الفعاليات، أو نقلتها إلى الواقع الميداني والأماكن العامة والمفتوحة ومنها الأسواق الرمضانية على اعتبار حلب، مثلاً، كلها، سوقاً رمضانياً كبيراً؟.

عفواً، وما أجمل أن تقيم هذه الجهات أنشطتها المفيدة والمناسبة لاستقطاب الناس، منها عرض مسرحيات من التراث العربي حِكَماً وأمثالاً وحكاياتٍ للعبرة، يقدمها الممثلون، كما يقدمها مسرح العرائس وخيال الظل إن أمكن.

ولماذا لا يكون لمعارض الكتب الجديدة والمستعملة حضورها بمصاحبة إنشاد ديني للفرق الموسيقية الإنشادية؟ ولماذا لا نحتفي بمعارض للرسم الحيّ للفنانين ومن يشاء من العابرين؟ ولماذا لا يخرج الحكواتي من المقاهي إلى الأمكنة العامة ليكون طفلاً أو شاباً أو فناناً بهيئة حكواتي جوال على مدار أيام رمضان، فيكون لكلّ ساحة أو سوق أو حيّ حكواتيه الذي يروي للناس عن شخصيات وطنية وثقافية وعلمية وأحداث حياتية جميلة من سورية ومن الوطن العربي ومن العالم، ومن تلك الأماكن ساحة سعد الله الجابري، ساحة الجامعة، ساحة باب الفرج، شارع النيال، الجميلية، العزيزية، أمام قلعة حلب، الحديقة العامة، حديقة السبيل، باب الجنان، خان الوزير، الأسواق بأنواعها ومنها أسواق المدينة الأثرية.

أفكار كثيرة ومبادرات إيجابية نستطيع من خلالها أن نجعل أهل سورية ومنهم أهل حلب يشعرون باختلاف جميل في هذا الشهر الفضيل، وأضيف إليها أنشطة وفعاليات شعرية وقصصية مناسبة تقدّمها الأديبات والأدباء في الهواء الطلق، لأن الناس شريك ضروري وهدف للكتابة في زمن تغزوه السميّة في الدسميّة الواقعية والافتراضية، فلماذا لا تكون مبادراتنا الواعية أقرب إلى الناس وأكثر جذباً؟.

أثق بأننا نستطيع ولاسيما إذا خطّطنا وعملنا لذلك بمنهجية فريق واحد، وأعلنّا عن هذه الفعاليات من خلال رسائل نصية على جميع الهواتف من خلال شركات الاتصالات، وطبعاً، تكون هذه الإعلانات مجانية، ومن خلال شاشات الأماكن العامة، ومن خلال وسائل التواصل الاجتماعي بين فيسبوك وتويتر وواتس ويوتيوب مثلاً، إضافة إلى إمكانية البثّ المباشر والتسجيل على كافة الوسائط الحكومية والخاصة.

العلم والعمل لا يصومان وكذلك الوعي والمعرفة، ولذلك، لا بدّ من التنشيط الإيجابي للإنسان والمجتمع، والخروج من نفق الاعتياد التقليدي للتعامل مع هذا الشهر المبارك، وتوسيع الفائدة المجتمعية من خلال الوعي الديني والدنيوي لتكتمل أجنحة القلب بالرؤيا والصبر والعطاء والتفاعل معاً لإنتاج الفاعلية الاجتماعية المشعّة في حلب وكافة المحافظات السورية.