كلمات الطفل الجارحة لأمه.. اعتباطية أم تعبير عن مشاعر حقيقية؟
البعث الأسبوعية – ليندا تلي
“ما بحبّك”، “بحب بابا”، “بتمنى موت وارتاح منكم”، وغيرها من الكلمات الجارحة التي يخاطب بها الولد أمه بعد معاقبة الأخيرة له إثر تقصير دراسي أو على خلفية ذنب ارتكبه.
هنا تبدأ الأم بإعادة حساباتها متسائلة: هل فعلاً ابني يكرهني؟ هل هذه مشاعره الحقيقية ، أم أنها ردة فعل آنية لحظية كتقليد لأسلوبها الذي عاقبته به “زعلانه منك”، “أنا ماني أمك”؟
رغبة في البعد
ظاهرة استخدام الأطفال لأنماط من العبارات التي تدل على الرغبة في التباعد عن الأم أو الأب، أو الأقارب واحدة من المشكلات التي يعاني منها الأبوان بالدرجة الأولى، بالإضافة إلى كونها ظاهرة سلبية في المجتمع، وفق ما قال الدكتور أحمد الأصفر أستاذ علم الاجتماع في جامعة دمشق، مؤكدا بأن تلك الظاهرة تحمل خصائص البنية الاجتماعية التي يعيش فيها الطفل سواء في الأسرة التي ينتمي إليها، أو في إطار جماعات الأقران المحيطة به، ويتبادل معها الأفكار والآراء والتصورات، وقد يمتد الأمر إلى أقارب أحد الأبوين، أو أقارب كلاهما، ممن لهم تواصل مع الأسرة.
وعي ولاوعي
إن استخدام الأبناء للتعبير والألفاظ بمضامينها الحسنة أو مضامينها السلبية، لا يأتي على نحو اعتباطي وفق ما بيّن الدكتور الأصفر، إنما هو نتيجة التعلّم بالضرورة، ويأتي نتيجة الاحتكاك والتواصل مع الآخرين، وخاصة أولئك الذين يشكّلون بالنسبة للطفل نماذج يقتدي بهم، ذلك أن الطفل، ومن خلال تفاعله مع الآخرين، تتشكل في وعيه صورة لشخصيات ينجذب إليها ويتأثر بها، ويجد في الأنماط السلوكية التي تمارسها ما يستجيب لرغبات في شخصيته، وقد يكون على وعي ومعرفة بهذه الرغبات وقد يكون على غير وعي بها.
ربما قدوة!
وبحسب د.الأصفر، قد يكون هؤلاء الأشخاص الذين يشكلون قدوة بالنسبة إلى الطفل في المستوى الأول من مستويات القرابة (أحد الأبوين أو كلاهما)، أو في المستوى الثاني (العم والخال) أو في المستويات الأخرى، وقد يكون هؤلاء أيضاً من الأقران الذين يتواصل معهم، أو من قادة الرأي في المجتمع، ممن لهم صلة مع الطفل على نحو ما، كما هو حال المعلم أو المعلمة في المدرسة، أو الفنان والممثل والممثلة في الأعمال الدرامية، أو غيرهم من الأشخاص الذين يستقطبون اهتمامات الطفل ويؤثرون في مشاعره وأحاسيسه، حتى يصبحون مصدر تأثير في شخصيته، ومصدراً من المصادر التي يتعلم منها على نحو مباشر أو غير مباشر.
محاكاة للغير
وحول مصداقية هذه التعابير بالنسبة إلى مشاعر الطفل وأحاسيسه، يعتبرها أستاذ علم الاجتماع أنها ضعيفة للغاية ولا تعبر عن مشاعره الحقيقية، لأنها تأتي من باب التقليد والمحاكاة لغيره من الناس الذين يتواصل معهم، ويتأثر بهم.
كثرة التضييق
تعدّ التربية في زمن الانفتاح من أصعب المهام المنوطة بالأهل لاسيما وأن الأسرة لم تعد الأسرة هي المؤسسة الوحيدة المسؤولة عن تربية الأبناء، وفق ما ذكرت الدكتورة نسرين موشلي (كلية التربية – جامعة دمشق)، فالطفل يتعرّض لمؤثرات خارجية نتيجة استخدامه لجهاز الهاتف ومشاهدة مقاطع قد تؤثر سلباً على تربيته وسلوكياته والتفوه بالتالي بكلمات قاسية يوجهها لأهله وأقرانه.
فالطفل الذي يقول أنه يكره والدته يكون بسبب كثرة التضييق عليه أو لأنها لا تتجاوب معه وتلبي ما يرغب به بطريقته، وفق ما ذكرت موشلي، موضحة أن الطفل الذي يعبّر عن غضبه بالقول أنه يكره والدته أو أصدقائه وأنه يتمنى موتها لا يقصد ذلك فعلياً وإنما طريقة لإثبات وجوده والضغط عليها للحصول على ما يرغب به أي بهدف أن تطيعه.
وعن الحيرة التي تراود الأمهات حول توجيه الكلام والمصطلحات القاسية لهنّ من أطفالهن دون الأب، تُرجع الدكتورة موشلي هذا لتواجد الأم مع ابنها أكثر من تواجد الأخير مع والده، وأنه يعلم أنه بتلك الطريقة يمكن أن يجعلها تفعل ما يرغب به بينما هو يعلم أن والده صاحب قرار غالباً وعندما يمنعه من فعل شيء لا يتراجع فلا يستطيع بالتالي أن يستدر عطفه ويخشى من عقوبته، فالأم بطبيعة الحال تحكمها مشاعرها وعاطفتها بينما الأب غالباً ما يُحكّم العقل في تربيته.
ترغيب وترهيب
الدكتور أصفر ينصح الأبوين بالبحث عن المصادر التي استقى منها الطفل التعابير القاسية والمصطلحات الفظّة، فإذا لم تكن في الأسرة نفسها، ففي محيط القرابة الأوسع فالأوسع، وصولاً إلى قادة الرأي الاجتماعيين، ومن ثم فتح قنوات التواصل مع الطفل بالطريقة التي تضمن استجابته باستخدام وسائل الترغيب والترهيب إذا لم يكن الطفل في مرحلة عمرية تؤهله للحوار والمناقشة، وخاصة عندما تكون مصادر التأثير أكثر جذباً وقوة من الأبوين أنفسهما، مما يجعل النصائح التي يقدمونها في غير موقعها المناسب.
وقوف على الأسباب
شاركته الرأي الدكتورة “موشلي” بضرورة الوقوف على أسباب تلك الكلمات الجارحة للتعرّف على السبب الذي دفع الطفل لنطقها، لأن علاج السبب هو مفتاح هذه الحالة، كما يجب أن يتبنى الأهل لاسيما الأم موقفاً ثابتاً في حال طلبت من طفلها أن يقوم بشيء ما أو رفضت طلبه وقام هو بتوجيه كلام قاس لها أو القول أنه “لا يحبها”..عليها ألا تتنازل عن موقفها حتى لا يعتاد الطفل استخدام هذا الأسلوب معها في مواقف مشابهة.
كما ينبغي على الأم وفق ما نصحت الدكتورة موشلي ألا تهدد الطفل بوالده، بل عليها أن تقوم بمعاقبته وتوجيهه بنفسها في حال صدر منه فعل خاطئ، كي لا تخسر هيبتها أمامه ويصبح والده هو الشخص الوحيد القادر على عقابه وتوجيهه وهذا هو من أسباب توجيه الكلام القاسي للأم والخوف من الأب.
يبقى في الأخير أن ننصح الأم بضرورة وضع قواعد سليمة لطفلها منذ الصغر ينمو على احترام أبويه واحترام المحيط به، وفي حال وقعت في فخ ما أفسدته بدلالها الزائد لطفلها بأن لا تأخذ تلك الردود على محمل الجد وأن تحافظ على هدوئها وتحسن الإجابة حين تسمع ألفاظاً قاسية، وفتح حوار ونقاش مع ابنها بغية شرح معاني ما يتلّفظ به واحتواءه بحنانها وحبها.