ثقافةصحيفة البعث

“خان الحرير”.. عندما كان النجم درويشاً

سامر الشغري

سألتها وهي غارقة في العمل على مكتبها تكاد تختفي وراء أكوام الأوراق:

هل تؤمنين بمقولة “الإبداع يخلق من رحم المعاناة”.

ردت علي من خلف أكوام الأوراق بعد لحظات: لا أؤمن، ثم أردفت دون أن تحرمني قفشاتها: ولماذا تسأل؟ هل تنوي أن تصبح مبدعاً.

اجبتها بامتعاض: لا.. لا أنوي، ولكن أحد نجوم مسلسل “خان الحرير” الذي تعيد عرضه إحدى المحطات حالياً، استذكر بحسرة مشاركته في هذا العمل رغم أنها كانت أيام فقر وتعتير بالنسبة له، ولم ينس أن يعرب عن سعادته لأنه – كما قال – كان جزءاً من عمل قدم تسجيلاً بصرياً لفصل من فصول تاريخ سورية الحديث.

تركت ما في يدها وهي تنظر إلي:

عندما كان الممثلون في الماضي “معترين” – كما تقول – كانوا يقدمون أعمالاً جميلة، واليوم عندما أصبحوا أغنياء ويركبون سيارات فارهة ويقيمون في الفلل ما زالوا يقدمون أعمالاً جميلة، وفي رأيي أن الإبداع لا دخل له بالحالة المادية.

استمعت إليها وأنا أتذكر بدوري صوراً من الماضي، عندما كانت معيشة الفنانين أبسط، وكان بعضهم يعاني شظف العيش.. ألم يروي هذا الفنان كيف كانوا يسافرون بباصات الكرنك إلى حلب لتصوير “خان الحرير”، لأنهم لم يمتلكوا سيارات؟ وكيف كانوا يقيمون بشكل جماعي في فنادق الدرجة الثانية، ويدفعون أجار بيوتهم من دفعات شركات الإنتاج!! تلك الظروف لا تقارن بالمرة بظروف العمل اليوم، وما كانت تدفعه قنوات العرض الأرضية لا يقارن بما تقدمه مثيلاتها الفضائية ومنصات البث الرقمي.

والآن بعد مرور 27 سنة على العرض الأول لـ “خان الحرير” الذي كان فاتحة سلسلة أعمال درامية عن البيئة الحلبية، فإن الممثلين الذي شاركوا فيه انقسموا إلى ثلاثة فرق: الأول يقيم خارج سورية منذ أول الحرب ويعمل في الدراما العربية ويتقاضى أجورها بالعملة الصعبة، والثاني أصبح أعضاؤه نجوم صف أول في الدراما السورية، ويحصلون بدورهم على أجور مرتفعة، والثالث أبطال العمل الحقيقيون، رغم أنهم لم يكونوا نجومه، وأقصد بهم الممثلين الحلبيين، والذي قدموا شخصيات من أبناء الشهباء تجارا وصناعيين ومشايخ وشباب.. كانوا ثلة ممن تتلمذوا على خشبات مسرح حلب العريق رحل معظمهم عن عالمنا، من عمر حجو وناصر ورياض وردياني وعلي مداراتي ومازن حداد ومحمد الحريري وخليل حداد ومروان غريواتي وجوزيف ناشف وفايز أبو دان وبشار القاضي ونديم شراباتي الذي برع في أداء شخصية المرابي اليهودي ابراهيم، ولا أنسى أبداً ذلك المشهد عندما يجتمع تجار المدينة لمساعدة السيد كمال (سليم صبري) على تجاوز إفلاسه، إنك تشعر حين تشاهدهم أمام شخوص حية من دم ولحم لأعظم من اشتغل في التجارة بالعالم أجمع.

وأيضاً كان خان الحرير فرصة لمجموعة من الممثلين ليظهروا للمرة الأولى على الشاشة، كالفنانة شكران مرتجى والتي أطلت من خلالها على الجمهور للمرة الأولى.

في النهاية هنالك فرق كبير بين ممثل يعيش حالة النوستالجيا “الحنين” لزمن صعب فيما يعيش اليوم حياة الرفاه، وبين ممثل لا يحتاج لحالة الحنين هذه لأنه بالأساس ما يزال يعيش تلك الظروف الصعبة.