اقتصادصحيفة البعث

في حضرة العيد والأسواق.. “البالة” مطلب شعبي وملاذ أخير لذوي الدخل المتدني!

دمشق – البعث

يبدو أن أسواق الملابس القديمة أو ما يسمى عرفاً بـ “البالة” لم تعد مجرد متنفس لبعض الشرائح، بل تجاوزت ذلك لتصبح ملاذاً لكثير من الشرائح، لأسباب باتت معروفة للقاصي والداني، ولرجل الشارع والمسؤول، تتعلق بجنوح الأسعار وتحليقها خارج سرب المنطق، ليس ذلك فحسب، وإنما تدرك جهاتنا المعنية أنها تفرض نفسها بالسوق بقوة وبطرق غير قانونية، إذ أن جميع ما يرد إلى سوق البالة قاطبة يدخل من خلال قنوات التهريب، ما يضيع على خزينة الدولة رسوماً لا يستهان بها، ولا نبالغ أن بعضاً من قطعها تزدان به واجهات محلاتنا المخصصة لطبقة الـ “VIP”، ما يعني أن ما تزخر به هذه الأسواق ليس قديما أو مستعملاً بالمجمل، فهناك قسم كبير منه يندرج تحت تصفيات مواسم الدول الواردة منها.

لا تزال متفوقة

ورغم أن أسعار البالة لم تعد تناسب معظم الشرائح نتيجة التضخم وانخفاض القوة الشرائية لليرة، وما نجم عن ذلك من تراجع أعداد مرتاديها، إلا أن البالة تشهد ارتياداً يفوق الأسواق المركزية في العاصمة والمدن، التي غالباً ما تعاني من الركود على مدار العام، وتعول على مواسم الأعياد والمناسبات الاجتماعية التي تشكل الرافعة الحقيقية لتسيير أعمال محالهم، وتعوض تدني حالات الشراء خارج أيام مواسم الأعياد. لكن موسم عيد الفطر هذا يشهد ركوداً غير مسبوق نتيجة الأوضاع الحالية التي تمر بها البلاد، ولم تفلح محاولات أصحاب هذه المحال بتخفيض أسعار منتجاتهم باستقطاب الزبائن وإغرائهم بشراء ما يلزم من ملابس ومستلزمات العيد المرتقب..!

ركن أساسي 

بالعودة إلى البالة الذي لا يزال عدم تنظيمها والاعتراف بها يضيع على الخزينة العامة للدولة إيرادات تذهب لجيوب المتاجرين والسماسرة المساهمين بدخولها بطرق غير شرعية، يتبين أنه ورغم إصرار وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية على عدم السماح بألبسة البالة إلا أن هناك أصواتا تتعالى بتنظيم هذه الأسواق على اعتبار أنها أصبحت ركناً أساسياً في سوقنا المحلية، ولا ضير من وضع ضوابط وشروط تضمن تلبية حاجات مستهلكنا المحلي من جهة، وترفد الخزينة العامة من جهة أخرى، لاسيما وأن وجودها في الأسواق هو لمصلحة الشريحة البسيطة من ذوي الدخل المتدني، وأن مؤسسة سندس وشركة التجزئة كانت تبيع هذه المحلات مادة البالة المصادرة من الجمارك، وفق ما أكده أحد تجارها، مبيناً أن وزارة التموين والتجارة الداخلية سابقاً اقترحت الموافقة على استيراد مادة البالة بشكل نظامي شريطة تمويل عمليات الاستيراد من عائدات تصدير الألبسة الجاهزة أو ما شابه، وأن تكون مزودة بشهادة صحية خالية من الجراثيم ومعقمة ومطهرة، وأن يتم تطبيق التعليمات النافذة من مكتب مقاطعة إسرائيل على موضوع استيراد البالة بشكل دقيق، إضافة إلى تدقيق جميع وثائق الاستيراد في حال الموافقة على ذلك من قبل أجهزة الجمارك والصحة.

مخاطبة

وأشار التاجر إلى أن اتحاد غرف التجارة سبق وأن خاطب رئاسة مجلس الوزراء بضرورة استيراد هذه الألبسة بشكل نظامي نظرا لأنها تسد حاجات ذوي الدخل المتدني، لافتاً إلى وجود مخاوف سابقة بأن هذه الألبسة تنقل الجراثيم والفيروسات وخاصة الإيدز، لكن ثبت أنها لا تقوم بنقل أية عدوى، موضحا أن كل كمية تخرج من بلد المنشأ مرفقة بالضرورة بشهادة صحية تؤكد سلامتها ووزارة الاقتصاد على الاطلاع بهذا الموضوع.

ممنوع

لدى تقصينا في الاقتصاد والتجارة الخارجية حول إمكانية التعاطي مع هذا الموضوع وتنظيمه تبين لنا أن موضوع السماح باستيراد البالة غير مطروح نهائياً من قبل الوزارة، وأكدت بعض مفاصل الوزارة أن الألبسة المستعملة ممنوعة من الاستيراد منعاً باتاً، وذلك لاعتبارات تتعلق بالناحية الصحية وصعوبة ضمان نظافتها وخلوها من الأمراض السارية من جهة، ولحماية المنتجات الوطنية من جهة ثانية، خاصة وأن البضاعة المستعملة تنافس نظيرتها الجديدة من ناحية السعر وهذا من شأنه أن يساهم بتدهور صناعة الألبسة المحلية مشيرة إلى أن هذا النوع من البضاعة الموجودة في السوق المحلية قد دخل القطر بطرق غير شرعية. مضيفة أنه وحماية للصناعة المحلية فإن الألبسة الجديدة وغير المجددة المسموح باستيرادها تخضع لشروط وضوابط محددة، ورداً على سؤال أن البالة باتت مقصدا شعبيا لكثير من شرائح المجتمع وبالتالي لا ضير من تنظيمها ووضعها تحت الرقابة الحكومية قالت بعض المصادر: صحيح أن قرار المنع صدر عن وزارة الاقتصاد، لكن هذا المنع مستند على عدم موافقة وزارتي الصحة والبيئة، إلى جانب وزارة الصناعة التي لها بشكل أو بآخر دور في هذا الموضوع.

بالمقابل، اعتبر بعض التجار الذين التقيناهم أن هناك بعض المتنفذين من كبار التجار لديهم مصلحة بمحاربة تجار البالة خوفا من منافستهم في السوق المحلية، وبيّن التجار أن الدولة تخسر من دخول هذه البضائع “تهريبا” ويضيع حقها من استيفائها للرسوم الجمركية، داعين إلى تسوية أوضاعهم مع الجمارك، لاسيما أن الجهات الإدارية المحلية رخصت لهم أصولا لمزاولة عملهم، إلى جانب أن وزارتي الصحة والاقتصاد لا مانع لديها بذلك.