«تسويـــة» .. أم مصالحـــــة؟..
د. مهدي دخل الله
يستخدم مصطلح « تسوية سياسة » هذه الأيام بكثرة عندما يدور الحديث حول سورية ، كان ذلك على المستوى الدولي أو مستوى العلاقات العربية . بالمقابل تطرح سورية مفهوم « المصالحة الوطنية » وقد طبَّقَتها عدة مرات في تعاملها مع مواطنيها الذين استدرجوا إلى حمل السلاح ضد وطنهم ..
أثبتت التجربة أن الحل عبر المصالحة الوطنية حل ناجح ، إذ يحقق أمرين : الأول ثبات الشرعية الوطنية ، والثاني تأكيد ثقافة الشعب السوري المتسامحة التي تنبذ كل مشاعر الانتقام . إضافة إلى هذين الأمرين تحقق المصالحة ما يؤكده الواقع وهو أن سورية قطعت مراحل مهمة باتجاه النصر الناجز .. بهذا تكون المصالحة حصيلة تطور واقعي يفرض وجوده بقوة ..
بالمقابل هناك مصطلح التسوية السياسية . هذا المصطلح ليس حقاً يراد به باطل وإنما هو باطل في ذاته لأنه لا يستجيب لمتطلبات الحالة الحقيقية على الأرض , وهي الحالة التي حققتها تضحيات شعب صغير نسبياً ضد قوى الهيمنة والإرهاب مجتمعة طوال 12 عاماً ، وهذه الحالة غير مسبوقة في التاريخ المعاصر إذا أخذنا بالاعتبار التوازن المادي والعسكري المفقود بين بلد صغير وقوى الناتو والإرهاب والصهيونية والتكفير مجتمعة ..
من حيث المنطق يفرض مصطلح التسوية توازناً ما بين الطرفين في الحضور على ساحة الحرب , وهذا معناه إنكار حصيلة تطورات واقعية طوال الفترة السابقة . كما يفرض هذا المصطلح توازناً ما في الوجود السياسي والشعبي للطرفين . نتساءل : من هو الطرف الآخر أو الأطراف الأخرى التي على الدولة والشعب إيجاد «تسوية» معهم ؟؟.. ماهي أحزابهم ؟ من هي جماهيرهم ؟ من يدعمهم من الدول ؟ بل ماهي إسماؤهم ؟ تاريخهم ؟ حضورهم ؟….
ومن حيث المبدأ أرض الوطن السوري مفتوحة للجميع استناداً إلى قاعدة التسامح والتصالح والعفو الذي يكون في أفضل أحواله عند المقدرة . وقد تفرض الواقعية السياسية وميزان الربح والخسارة تعاملاً ما مع المسألة ، لكن هذه المرونة الواقعية تصبح براغماتية زائفة إن لم تستند إلى الحالة الحقيقية على الأرض من جهة وإلى ثقافة الشعب وكينونته التاريخية المعروفة من جهة أخرى . ولابدَّ من التذكير بأن الواقعية شيء والبراغماتية النفعية شيء أخر …
mahdidakhlala@gmail.com