ثقافةصحيفة البعث

سراب الصفدي في صالة مشوار.. أكثر من حكاية في اللوحة

أكسم طلاع

شهدت صالة مشوار للفنون الجميلة في دمشق معرض التشكيلية سراب الصفدي الذي افتتح الأسبوع الماضي، وضمّ عدداً من أعمال الفنانة تحاكي فيها مواضيع متعددة كالمرأة والطفل والبيت والنافذة التي تجاورت مع بعض العناصر الزخرفية والتزيينية، كما تنوّعت الأساليب في اللوحة الواحدة إلى حين انتهائها في مزاج من التصوير والتأليف البصري بين العناصر المؤلفة للعمل. ومن اللافت في تجربة الفنانة سراب محاولاتها للوصول باللوحة إلى صيغة الحكاية البصرية أو اللوحة البانورامية المشهد، فقد اشتغلت على أكثر من مرحلة في اللوحة، وكأننا أمام أكثر من عمل أو حدث في هذه الحكاية البصرية، ومردّ ذلك أن العمل لم يكن محضراً مسبقاً على شكل كروكي أو مشروع أوليّ بل تولد من بعضه وإضافة أجزاء جديدة أخرى قد لا تنتهي عند تلك الحدود التي رسمتها الفنانة بذلك اللون الفاتح الفاصل بين البقع والعناصر ما جعل اللوحة سجادة ذات فصول. ولا يخفى ملاحظة أن هناك جوانب من عمل الكولاج وتجريب تقانات غرافيكية أخرى ظناً من الفنانة أن العمل سينتهي حتماً حين تملأ هذه المساحة البيضاء!

هذا اللوبان التشكيلي لم يخرج عن محاولات قلقة تهدف في النهاية إلى حلّ إخراجي محض يتضح بتلك القطوع والفواصل التي تطلس حواف البقع وتجعل منها حيزاً مرافقاً للحيّز الآخر تاركة التكوين إلى حين النهاية المتوقعة، فالعمل لن ينتهي هنا بانتهاء الفكرة، بل ينتهي حين تنتهي السيدة من الحياكة التي بدأت من الأطراف ومن ثم تضيف ما هو متوافق من اللون لهذا العالم المتعدّد الجوانب! كما لا نغفل توفر الحذر الواضح في إضافة أي لون جديد يجعل من اللوحة أكثر حركية وثراء، وإن كان هذا الأمر يغيب روح المغامرة ويذهب بفرصة المتعة والتوقع والاستكشاف للذات بعمق أكثر!.

قلائل هن التشكيليات السوريات المتميزات وقد لا يتجاوزن أصابع الكف الواحدة اللواتي استطعن تحقيق خصوصية تشكيلية لتجربة كلّ واحدة منهن، والحديث ينطبق على الجيل الذي ينتمي إلى بداية الألفية وتكلّل بشيء من المحبطات وضياع الفرص في العرض والترويج خلقتها ظروف الحرب، إلا أن بعض الفنانات قد تقدمن إلى مواقع أكثر إنتاجية وتجاوزاً لتلك الظروف، وكان الإصرار أجنحة لهذه الكوكبة من التشكيليات الجدد اللواتي أثبتن قدرة وعزيمة على تحقيق الذات وصناعة الجمال، وسراب الصفدي في طليعة أولئك السيدات الفنانات، فهي الأم وربة المنزل والمربية والفنانة النشيطة التي وسّعت دائرة تأثيرها، واستطاعت خلال سنوات تحقيق اسم بما يعني من خصوصية تشكيلية غير مقطوعة عن التجارب السورية السابقة الموصوفة بإنسانية مواضيعها وعذوبة الأسلوب.. سراب امرأة ذكية بلا شك وتنشط عبر أدوات التواصل الاجتماعي ولها محاولات توسيع دائرتها الاجتماعية والفنية، وقد شاركت بالعديد من الملتقيات التشكيلية ونجحت في تقديم اللوحة المقبولة والمتفق على أنها لوحة بخصوصية سورية فاستحقت هذا النجاح والتميّز.

يأتي المعرض ضمن فترة نشطة تشكيلياً، حيث شهدت صالات العاصمة عدداً من المعارض المختلفة، وقد كان معرض سراب من أهم هذه المعارض ولا يعني ذلك أن هذا المعرض حقّق سقف المنتج التشكيلي بل تأتي أهميته من جدية هذه الفنانة التي نأمل في قادم أعمالها ما هو أكثر إبداعاً ودهشة.