الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

الرسالة في سوق “الباليه” والمتلقي يرقص “الباليه”

غالية خوجة

أين واجب المرسِل وحقّ المرسَل إليه؟..

يعتبر النص رسالة، سواء أكان شفهياً أم مكتوباً، وعملاً إنتاجياً مهما اختلف مجاله فنياً أو أدبياً أو علمياً أو تعليمياً، وهذه الرسالة يحكمها طرفان، الأول المرسِل ككاتب أو محاضر، وعليه واجبات تسبق حقوقه، والثاني المرسَل إليه كمتلقٍ ومستمع وحاضر وحقوقه تسبق واجباته.

وطبعاً، لكلّ رسالة أهداف متشعبة قريبة وبعيدة، تتحرك بين ثيمتَيْها الموضوعية والفنية، أدبياً، موسيقياً، تشكيلياً، أو الموضوعية والعلمية، ولكلّ رسالة عناصر وعوامل ومتون وهوامش ومصادر ومراجع.

ولربما، قلّة تساءلت عن الحق والواجب كعلاقة بين المرسِل والمرسَل إليه، هل هي تبعيّة؟ مفروضة؟ أم تحاورية؟ تشاركية؟.

أصحاب المفهوم التقليدي المتصخّر، والإدراك المتصحّر، مقتنعون بأنها تعذيبية، تبعية، مفروضة، ولذلك، نلمس ذلك في كتاباتهم المتكرّرة التي يجد لها القارئ مخرجاً للهروب منها، بعدم قراءتها ومتابعتها ورفضها، وذلك من حريته وحق من حقوقه الطبيعية.

كما نلمس ذلك في محاضراتهم التي تكرّر كتاباتهم، وتفرض على الحاضر أو المتلقي أن يواصل حضوره مرغماً، وكأنّ واجبه أن يستمر في الاستماع إلى ما يُقال من منطوقهم المتكلّس أو العادي غصباً عنه، وإلاّ فإنّ المقاطعة والقطيعة والتنمّر والشللية الخبيثة له بالمرصاد، وأنا كمتلقٍّ، مثلاً، لا تهمّني، وبكل يقين، هذه الردود السلبية ومخططاتها الانتقامية وأخواتها وربائبها، لأنني إمّا أن أستمر بحريتي لأناقشهم برأيي النقدي الموضوعي بما سمعت، أو أكتب لصحيفتي هذه الرؤية الموضوعية بالفعاليات الثقافية والفنية ومختلف الأنشطة الأخرى، وإمّا أن أنسحب بهدوء، وهذا حقي، وحق كل متلقّ وحاضر، لأن الفعالية لم ترقَ إلى أدنى مستوى مطلوب، وبكلّ تأكيد، لا يعاقب المتلقي الحاضر على انسحابه إلاّ من قِبل الضعفاء الذين يعرفون أنفسهم إذا ما قرأوا هذه المقالة دون ريب، كما لا يعاقب أي محرّر يكتب باهتمام وموضوعية وحيادية عن الفعاليات التي يحضرها ليغطيها مانحاً من عمره لكلّ نشاط ساعات يومية بين الطريق والحضور والكتابة.

ليس واجب بعض القائمين على الفعاليات، أو المشاركين بها، سوى شكر الحاضرين، ومنهم الإعلاميون الذين لا يمدحون ولا يذمّون، بل يؤدّون واجبهم ضميرياً، فلا ناقة لهم ولا جمل كما تقول العرب.

وكم من المعيب أن يتعامل ويتحامل البعض من الكتبة والمحاضرين بهذه الطريقة غير مميزين بين واجباتهم وحقوق الحاضرين والإعلاميين، وغير مدركين لرسالتهم التي يقدّمونها، ولا لأهدافها، ولا للحضور الموجّهة إليه، ولربما قناعتهم تجزم بالمثل المدسوس: “كله عند العرب صابون”!.

وكأنهم لم يسمعوا ولم يقرأوا ولم يلمسوا كيف تكون التشاركية والتحاورية بين المؤلف والقارئ، بين المحاضر والحاضر، ولا يريدون أن يسمعوا أو يقرأوا أو يعرفوا ما يجري حولهم من تطورات عملية في هذا المجال.

وهذا، برأيي، من أهم أسباب ابتعاد القراء المحليين عن القراءة، أو أفراد المجتمع عن حضور الأنشطة ومتابعتها، أو حتى ابتعاد بعض الوسائل الإعلامية عن المتابعة، وهذا حق من الحقوق، لأن بعض الممارسات الثقافية والفنية بحاجة لاعتبار الإنسان المتلقي هدفاً أساسياً لمنتوجها، وشريكاً حقيقياً في هذا المنتوج، على عكس ما يظنّ البعض بأن هؤلاء الناس لا يفهمون، وأنهم بلا حقوق، وأنّ من واجبهم فقط القراءة والحضور لأمثالهم، لأن الفرد منهم يظنّ نفسه المتفرد الأوحد الذي يؤلف، أو يحاضر، وأن نصَّه الذي من المفترض أن يكون رسالة ناجية باللغة العربية دون أخطاء وهذا أضعف الإيمان، تشعر وكأنه شيء معروض منذ أزمنة في سوق “الملابس البالية” في باب الجنان مثلاً بانتظار مشترٍ لن يأتي حتماً لأن مرسله مقتنع بمثلٍ مسوّسٍ وممسوس: “كل حنطة مسوسة ولها كيّال أعور”! بينما المرسَل إليه يفضّل أن يرقص “الباليه” على أن يدبك مع أمثال هذه “النصوص”.