دراساتصحيفة البعث

في ذكرى النصر على النازية.. محاولات أمريكية لطمس الإنجاز السوفييتي

ليندا تلي

لطالما ظنّ العالم أن زمن الفاشية قد ولّى بعد أن قطّع الاتحاد السوفييتي أوصالها واقتلع جذورها، ولكن الواقع الحالي في أوكرانيا يثبت أن بعض الجذور كانت متخفّية وبحاجة إلى أدولف هتلر جديد يمسك بيدها ويخرجها من قوقعتها إلى العلن، ومن أفضل من البيت الأبيض صاحب الباع الطويل في دعم الفاشية أينما وُجدت؟.

دعم أمريكا للنازية في أوروبا ترجمه المؤرّخ العسكري الفرنسي رينيه باركي بقوله: إن الولايات المتحدة تدعم الفاشية في أوروبا من أجل استخدامها أداة في محاولة للحفاظ على هيمنتها المتلاشية، فالأنظمة الفاشية خلال الحرب العالمية الثانية كانت مدعومة من كبار الرأسماليين، وكانت الفاشية وفق المؤرّخ الفرنسي قادرة على اكتساب الزخم بفضل الدعم المالي الكامل للجماعات الرأسمالية الكبيرة في ذلك الوقت في أوروبا الغربية وأمريكا، وبالنسبة لهذه الجماعات كان الأمر يتعلق بإنشاء أداة سياسية وعسكرية لمحاربة الدولة السوفييتية الفتية، التي لم يستطع تدخّل 14 دولة تدميرها بعد ثورة 1917.

دحر الفاشية تمّ بفضل التضحيات الجسيمة التي قدّمها الشعب السوفييتي، وهذه حقيقة تاريخية، ولكنها اليوم عادت بصور متعدّدة وليس أخطر من أن يكون مصدرها أحفاد من شاركوا بدحرها واقتلاع جذورها، وخير مثال نستحضره هنا النازيون الأوكران، حتى إن المؤرخ الفرنسي ذاته كان يظنّ أن الفاشية قد انتهت لكنها اليوم -والحديث له- ترفع رأسها مرة أخرى، هذه المرة بدعم مباشر من مجموعة الدول بقيادة الولايات المتحدة، حيث إن هذه الدول في طور فقدان هيمنتها العالمية تشاهد عالماً متعدّد الأقطاب تولد قادته أمام أعينها في شكل التحالف الصيني الروسي وفي شكل مجموعة بريكس، لأن التدخل الأمريكي وفق باركي سيؤثر في أي دولة، لا تريد أن تعيش في ظل إملاءات واشنطن.

في التاسع من الشهر الحالي، احتفلت روسيا الاتحادية بذكرى النصر على النازية في ذكراها الثامنة والسبعين التي ما زالت مظاهرها ماثلة حتى يومنا هذا، فهذا اليوم مقدّس ليس بالنسبة إلى روسيا الاتحادية فحسب، وإنما لجميع البلدان التي كانت في الماضي جزءاً لا يتجزأ من الاتحاد السوفييتي، الدول التي قدّمت تضحياتٍ هائلة لحماية العالم من النازية الألمانية، كما أنه بات تقليداً روسياً لتخليد ذكرى الأسلاف من السوفييت والمحاربين القدامى الذين قاتلوا النازية حتى الرمق الأخير.

وبالنظر إلى ما يحصل اليوم في أوروبا من دعم للنازيين الأوكران، فإن ذلك يبدو كأنه انعكاس للدعاية الغربية والأمريكية الرامية إلى طمس حقيقة الأحداث التي ميّزت تلك الحقبة من الزمن، حيث كان هناك تواطؤ غربي واضح مع الزعيم النازي أدولف هتلر على مهاجمة الاتحاد السوفييتي، وإعادة كتابة التاريخ من جديد خدمة لأجندة غربية جديدة تحاول إعادة إحياء الإرث النازي من جديد عبر دعم النظام الأوكراني والنازية الجديدة في مواجهة روسيا الوريث الشرعي للاتحاد السوفييتي، ومن هنا كان حريّاً بالسيد الأمريكي ومن لفّ لفّه إلغاء كلّ الآثار التي تخلّد النصر السوفييتي على النازية عبر تشويه الحقائق، ولكن الذاكرة العالمية والغربية تحديداً مملوءة بالشواهد الدالة على هذا الانتصار.

واشنطن استغلّت احتفالات النصر على النازية للاستئثار بالنصر بالحرب العالمية الثانية متعمّدة التعتيم على الدم السوفييتي الذي بُذل لدحر الفاشية النازية، رغم إدراك الجميع للحقائق التاريخية واجتياح الجيش الأحمر برلين بعد تحرير أوروبا من جيوش هتلر ومحوره. وعلى النقيض من الشيطنة الأمريكية الهادفة إلى تزييف الحقائق التاريخية، أكد اللواء اليوناني بافلوس خريستو، أنه لا يجب على اليونان قطع علاقاتها مع روسيا ودعم العقوبات المفروضة عليها، فالتاريخ يشهد أن اليونان وروسيا سجّلتا أكبر عدد من الضحايا في الحرب العالمية الثانية مقارنة بحجم السكان، مضيفاً: إن الوضع تغيّر لأن الحكومة اليونانية قرّرت أنه يجب عليها الوقوف إلى الجانب الصحيح من التاريخ ، موضحاً أنه اتضح أن الجانب الصحيح من التاريخ هو الجانب الخاطئ، مؤكداً أنه لا يمكن لليونان قطع علاقتها مع روسيا ولا يجب أن تكون هناك سياسة خارجية كهذه، مستغرباً من عدم وجود قنوات اتصال مع روسيا التي لم تفعل شيئاً سيئاً لليونان، وخاصة أنه قام بزيارات إلى شبه جزيرة القرم ملتقياً بمواطنيه اليونانيين الذين يتمتّعون بالحقوق الكاملة للمواطن الروسي، فقادة القرم يساعدون الجالية اليونانية مثلما يساعدون الجاليات الأخرى وبشكل كبير.

الحقيقة التاريخية التي تسجّل وصمة عار للولايات المتحدة الأمريكية خلال الحرب العالمية الثانية، هي مماطلتها في فتح جبهة ثانية في أوروبا وفق الاتفاقية التي جمعت زعيم الاتحاد السوفييتي آنذاك جوزيف ستالين والرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت ورئيس الوزراء البريطاني وينستون تشرشل، حيث تعمّدا تأخير فتح الجبهة، الأمر الذي ضاعف الخسائر البشرية السوفييتية على الجبهة الشرقية، حيث بلغت خمسة ملايين شخص.

واشنطن أعلنت الحرب على دول المحور (ألمانيا، إيطاليا، اليابان) في الحرب العالمية الثانية للدفاع عن الديمقراطية التي تتشدّق بها، وليس لإنقاذ ضحايا النظام النازي، أي أن إنقاذ الأوروبيين لم يكن الدافع الذي دعا الولايات المتحدة إلى التدخل ومساعدة الحلفاء بعد تباطؤ مقصود منها، ولكن بعد أن قامت الطائرات اليابانية بقصف القاعدة البحرية في “بيرل هاربر” استشاط الأمريكان غضباً من الهجوم المباغت وتخطّوا قرارهم بالتباطؤ وأعلنوا في اليوم التالي الحرب على اليابان.

مساعدة الحلفاء كانت ضرورية وفق المؤرّخ الروسي نيكيتا رورانوف، ولكن من المستحيل القول إنها كانت حاسمة في هزيمة هتلر. أناستاس ميكويان رئيس لجنة الإمدادات الغذائية في الجيش الأحمر قال: لقد وضع الأمريكان جيشنا على عجلات جيدة، ولكننا كنا سننتصر دونهم، نعم وربما كانوا سيقاتلون لفترة أطول لكنهم كانوا سينتصرون، مضيفاً: إن المعارك بالقرب من موسكو كانت بأسلحتنا ومعداتنا، عملياً دون مساعدة من حلفائنا، ما يدلّ على النيّات الخبيثة للأمريكان والحلفاء، حتى إن الحلفاء كانوا يحسبون الإمدادات بدقة، فبحسب ميخائيل مياخكوف كان لابد من إعادة جميع البضائع غير التالفة، أي أن الاتفاقية بين الاتحاد السوفييتي والأمريكان لم تكن مجانية، فقد طُلب من الاتحاد السوفييتي إعادة الأموال المتبقية.

على الضفة الأخرى، سامحت أمريكا في آب عام 1945 دول الغرب ببرنامج “إعارة” أو “استئجار” وشطبت جميع الديون، ولكنها طالبت الاتحاد السوفييتي بإعادتها، إلى أن تمكّنت روسيا من تسديد كامل الدين عام 2006 بعد مفاوضات استمرّت حتى بداية القرن الحادي والعشرين.

واليوم تواصل روسيا الاتحادية تذكير العالم بنصر الأسلاف والأجداد على النازية الفاشية عبر احتفالاتها السنوية بذكرى النصر، ومواصلتها اجتثاث جذور الفاشية في أوكرانيا إلى آخر نازي.