هل يشارك إعلام (الفيس بوك) في صناعة قرار مفاصل كرة القدم؟ مشاكل الأندية لا تنتهي والتوجه لوسائل التواصل الاجتماعي زاد الأمور سوءاً
البعث الأسبوعية-ناصر النجار
المتابع لأنديتنا الكروية يجد أنها في وضع صعب وأحوالها لا تسر عدواً ولا صديقاً، والمشكلة الأولى التي تعتري كل أنديتنا هي المشكلة المالية، كما أن المشاكل الإدارية أدت لأمور عديدة بدأت الأندية تدفع ثمنها غالياً، والمشكلة أن هذه الإدارات بأشخاصها تذهب لكنها تُبقي الأندية على تلة من الخراب ويتجرع محبوها المرارة!
بشكل عام العمل في الأندية غير صحيح وهو بطبيعة الحال صعب جداً وقد تكون إحدى المصاعب أن من يقود أنديتنا أشخاص غير اختصاصيين بالعمل الرياضي ونحن نقدر لهم جهدهم وتعبهم وإخلاصهم ودعمهم، فليس كل محب للرياضة قادر على تولي أمورها، فكرة القدم تتطلب وجود أشخاص يعرفون ما الكرة وما متطلباتها ويعرفون الأجواء كلها صالحها وفاسدها ويعرفون طبيعة اللاعبين ومستواهم ويعرفون كذلك مستوى المدرب والإداري، لذلك نجد أن البعض يتأثر من الأجواء المحيطة بالنادي أو أولئك المتنفذين الذين يستغلون الظروف وغير ذلك لمصالحهم الشخصية، والمشكلة أن “الفيس بوك” شريك في نهج التخبط والتخريب والتدمير فهناك من يستمع إلى وسائل التواصل الاجتماعي وينفذ رغبات البعض، وللأسف فإن بعض القائمين على الأندية يخشى من كتبة الفيس بوك، وكأنهم شركاء في صناعة القرار بالأندية أو بعضها.
حرب الانتقادات
قبل الخوض في مشاكل الأندية لا بد من الإشارة إلى أن بعض صفحات الفيس بوك تشارك في صناعة القرار الرياضي في الأندية عبر الضغوط الممارسة على هذه الأندية بوسائل مشروعة وغير مشروعة، وكم من قرار اتخذ من خلال هذه الصفحات فتم إبعاد مدرب أو صرف إداري أو التعاقد مع لاعبين غير مؤهلين وإلى ما ذلك من أمور أخرى،
لكن الأخطر كما هو مؤكد أن البعض من إدارات الأندية باتوا مشغلّين لبعض الصفحات على الفيس بوك وداعمين لها من أجل الضغط على اتحاد كرة القدم وعلى الحكام وعلى المراقبين وعلى لجان الاتحاد الأخرى من أجل الوصول إلى منافع معينة في المباريات، وهذا السلاح بات واضحاً فأي قرار يصدر من اتحاد كرة القدم أو إحدى لجانه لا يروق لهذا النادي أو ذاك تجد أن هذه الصفحات تبدأ حملة شعواء على من أصدر القرار وقد تتجاوز في حملتها كل حدود الأدب والأخلاق، ومثل ذلك عندما لا يروق لهم حكم معين أو مراقب أو قرار تحكيمي، فهذه السياسة المتبعة هي من باب الضغط وإدخال الرعب لكي تتم الاستجابة لتلك المصالح، وللأسف نجد أن هناك من يتجاوب مع هذا الأمر وينفذ هذه الرغبات خشية من فضيحة هنا ومن ابتلاء هناك، وللأسف فإن أغلب ما ينشر على هذه الصفحات هو تجني وافتراء بلا أي مصداقية ولا يستند إلى أي دليل أو سند قانوني.
هذه الظاهرة يجب أن تقمع، ويمكن ذلك بداية من خلال عدم التجاوب مع هذه الصفحات، والصحيح أن يمتنع من يشغل هذه الصفحات عن تمويلها وبث الأخبار الكاذبة وللأسف هم معرفون ويفترون على القيادات الكروية وعلى بعضهم البعض الكذب من أجل تمرير مصالح شخصية ضيقة، وهذه الثقافة التي لا تمت إلى الأخلاق الرياضية بصلة تدل على ثقافة مهترئة من الضروري التخلي عنها والارتقاء إلى مستوى أكبر من هذه المستويات، فمقام الأندية وإداراتها أعلى من هذه الثقافات البالية التي تدمر أنديتنا وكرتنا على حد سواء.
ومن المؤسف أن نجد بعض الذين يدعون أنهم محبون للرياضة وداعمون لها يتشدقون بكلام ومنشورات غايتها إحداث البلبلة، فمن هؤلاء (مثلاً) شخص يريد أن تنصاع له بعض لجان اتحاد كرة القدم، لكنها لم تفعل ولم تستجب لرغباته فبدأ حملة يطالب بإبعاد هذه اللجنة عن العمل بافتراءات وأكاذيب مضللة علّ من يستجيب له، وهو بذلك يكشف عن جهله بالقانون ومعرفته بالأنظمة والقوانين، ونتساءل كيف لمثل هؤلاء يجهلون النظم ومواد القانون الرياضي أن يكونوا يوماً ما أمناء على الرياضة.
ومرة أخرى نجد من يروّج لهذا المدرب الذي أثبتت الأيام من خلال الفرص الكثيرة الممنوحة له على صعيد الأندية والمنتخبات أنه مدرب عادي، لكن الضغوط الممارسة على أصحاب القرار تشعرك أنك أمام مدرب من طراز عالمي!
الموجب والسالب
من هنا نصل إلى مفهوم أن الإعلام في الفيس بوك ينقسم إلى قسمين، منه إيجابي ومنه سلبي، فالإعلام الإيجابي قليل، لذلك نجد أن من يتحدث بعقلانية وواقعية قليل ونادر، ومن يتحدث بعاطفة ومحبة لناديه أيضاً قليل، أما المتحدثون بشكل سلبي فهم كثر وتدفعهم مصالح شخصية بعيدة كل البعد عن المصلحة الخاصة وأغلبهم متسرعون في أحكامهم لأنهم مدفوعون لهذه الأحكام فتغيب عنهم الروية والحكمة وتأخذهم العصبية والمصالح الشخصية وما فيها من منافع خاصة.
من هؤلاء يتحدث لمصلحة بعض الأشخاص، وهؤلاء مدفوعون من هؤلاء لنشر أشياء مسيئة وكلمات غير أخلاقية واتهامات باطلة وكل ذلك في إطار الحرب الشخصية والمنازعات والخلافات التي يحاول كل طرف تسجيل موقف لمصلحته عبر التشهير بالآخر على صفحات الفيس، ومثال ذلك ما يحدث في الأندية، هناك حرب إعلامية داخلية ضمن الأندية، وهناك حرب إعلامية خارج الأندية، فنجد أن من هم خارج إدارة النادي يحاربون مَن هم داخل الإدارة وربما هذه الحرب لا وقود لها إلا الغيرة والحسد.
ونتيجة هذه الحرب أنها تشرذم النادي الواحد وتجعله جماعات متفرقة، ومن نتائجها الخطيرة أنها تشغل الأندية بحروب جانبية لا طائل منها وتستهلك كل الإمكانيات والطاقات المفترض أن تسخر لمصلحة العمل لا لمصلحة الفيس بوك.
وأثر ذلك نراه واضحاً في أغلب الأندية وخصوصاً الجماهيرية التي تنعم بالمنشآت الكبيرة والاستثمارات الكثيرة، والوضع واضح اليوم في أندية أهلي حلب والحرية والوحدة، وفي أندية كثيرة هناك من يلعب في الخفاء وينغص على إدارات الأندية ليلها ونهارها، وهذه الأزمة تضاف إلى الأزمات العديدة ومنها المالية فيتحول النادي إلى كتلة من المشاكل يصعب حلها في الكثير من الأحيان، ولو اجتمعت آراء أبناء النادي كلها لتصب في مصلحة النادي وكيفية تطويره وتذليل الصعاب التي تعترضه لكان وضع أنديتنا أفضل بكثير، فالقائمون على الأندية يرفضون آراء من سبقهم ويخشونهم، والمبعدون أو المستقيلون لا يريدون التعاون مع الإدارات الحالية ويكيدون لهم وكل ذلك ينعكس سلباً على الأندية التي ما زالت تقع تحت رحمة الخلافات والانقسامات والحروب الخفية التي يقودها الفيس بوك.
ومثل ذلك محاولات التهجم على إدارات الاتحادات الرياضية ولجانها لقرار لم يرق لهذه الأندية، وكذلك التهجم على الأندية الأخرى.
وفي مثل هذه الحالات تشتد العصبيات بين الجماهير لتصل إلى التناحر والحساسية وهو ما نلمسه في المباريات ونراه بأم الأعين في الملاعب والصالات.
لذلك من الضروري أن تمارس الأندية دور الإعلام الحقيقي البناء الإيجابي لأنه يساهم في التطوير من خلال كشف سلبيات العمل، ولأنه يزرع الألفة والمحبة بين أهل الرياضة سواء كانوا قائمين على العمل أو من المحبين والمشجعين، ولأنه ينشر مفهوم الأخلاق الرياضية ويعزز مبادئ الاحترام بين كل الأطراف الرياضية.
وهذا يتطلب خطوات كثيرة أهمها وجود النية الصادقة لدى إدارات الأندية لتأسيس ثقافة إعلامية ناضجة مبنية على أسس الأخلاق الرياضية بعيدة عن المهاترات والسجالات التي لا طائل منها.
ومنها: العمل على إلحاق العاملين بالمجال الإعلامي بدورات تزيد من مداركهم وترفع من سويتهم، فليس كل من حمل كاميرا إعلامي وليس كل من صمّم إعلاناً أو منشوراً صار إعلامياً، فالعمل الإعلامي مسؤولية ووعي وإذا فقدنا هذه الوعي وتخلينا عن الأمانة الصحفية فإن الأمور ستزداد سوءاً وتعقيداً
والمهم أيضاً أن يتم اختيار المكاتب الإعلامية من الأشخاص أصحاب الخبرة والمثقفين بعيداً عن الأميين والجهلة، وللأسف فإن بعض أنديتنا الجماهيرية وقعت بهذا الفخ فرأت أن الإعلام وسيلة لنشر ما تريد وتمرير ما تريد فأسندت المهام الإعلامية إلى أشخاص ليس لهم أي معرفة بمفهوم الإعلام وغايته وأهدافه، دون أن تدرك عواقب أن بعض المنشورات قد تزيد من الشرخ داخل النادي الواحد وتوسع الهوة بينها وبين الأندية الأخرى متناسين أن الإعلام الرياضي هو جزء من المنظمة الرياضية ويجب أن يكون شعار الإعلام في الأندية وفي الفيسبوك أنه يجمع الرياضيين والجمهور لا أن يفرقهم كما هو شعار الرياضة بكل الألعاب.
خلاصة القول
أنديتنا إن لم يكن كلها فأغلبها في أزمات عديدة فرضتها الظروف المختلفة والمفترض أن يكبر أعضاء هذه الإدارات ومحبوهم إلى مستوى المسؤولية وأن يبادر الجميع إلى الوقوف بجانب النادي دعماً معنوياً أو فنياً أو مالياً ليثبتوا الحب للنادي ولشعاره ولأهدافه النبيلة، قد يكون هناك تقصير من الإدارات الحالية المفترض أن تفتح ذراعيها بصدق لكل أبناء النادي وألا ترفض أحداً لمجرد الولاء وغيره، فالمفترض أن يكون الولاء للرياضة وحدها والولاء لأبناء النادي لناديهم دون أن يكون لأشخاص ومنافع ومصالح ضيقة.
سياسة رفض الآخر يجب أن ننتهي منها وقصة أن كل إدارة جديدة تبدأ من الصفر وتلغي عمل من سبقها يجب أن تلغى من قاموس رياضتنا، ما أجمل أن نرى في نادي الوحدة على سبيل المثال أقطاب النادي في موقف واحد دعماً للنادي بدل أن نراهم على الشاشات وفي كل المواقع الإعلامية وصفحات الفيس بوك يكيلون الاتهامات لبعضهم البعض، وكما يعرف الجميع فإن النادي وصل إلى مرحلة الدمار والخراب الحقيقي نتيجة هذه الخلافات ونتيجة التشرذم وعدم التعاون، فكرة القدم تعاني الموت السريري قد ينجو الفريق من الهبوط وقد لا ينجو لكنه يدفع ضريبة باهظة الثمن لهذه الأجواء غير الصحية، ويدفع جمهوره الضريبة الأكبر وهم ينعون كرتهم بعد أن كانت كرة بطولات وإنجازات، لذلك لا بد من العودة إلى لغة العقل وإبعاد كل من له مصلحة وإسكات الصفحات الفيسبوكية التي تزيد النار اشتعالاً.