مجلة البعث الأسبوعية

 الإبداع لا يتقادم مع الزمان لأنه يلامس كل إنسان معرض دائم للكتاب مبادرة اتحاد الكتّاب في كليات الآداب

  

حلب-غالية خوجة

لن تتخلى الإنسانية عن مخطوطاتها الأولى من جدارية وطينية ونباتية ومعدنية، وبالتالي، سيظل الكتاب الورقي حاضراً في هذا العالم وإلاّ لما افتتحت لأجله أهم المكتبات في مدن العالم على هذه الكرة الأرضية.

ولأن للكتاب مداراته المتناغمة في مختلف المجالات ومنها الحياتية والمعرفية والنفسية والاجتماعية والعلمية والتجارية والاقتصادية والتأريخية، فإن الإنسان سيظل مرتبطاً بهذه المدارات، متناغماً معها، مرفرفاً في عوالمها المكتشَفة والقابلة للاكتشاف.

وهذه المغامرة باتجاه الكشف والاكتشاف جاذبية لا يعرف أسرارها أحد، وطاقة خفية تشدّنا نحو هالاتها وأشعتها لنكتشف أنفسنا والعالم.

ولثقة اتحاد الكتّاب العرب بهذه المدارات، أطلق العديد من المبادرات الطموحة الإيجابية الهادفة لبناء الإنسان عبْر الأزمنة والأمكنة، ومنها مبادرة المعرض الدائم للكتاب في الجامعات السورية انطلاقاً من كلية الآداب.

وعن أهمية الكتاب الورقي في الزمن الالكتروني، وما فائدة معرض دائم للكتاب في كليات الآداب؟

كان لـ “البعث الأسبوعية” هذه الجولة من الآراء في جامعة حلب بين كلية الآداب ومعرض الكتاب الدائم الذي افتتح بخمسة آلاف كتاب و2300 عنوان مع التجديد الدائم.

حالة ثقافية جديدة

وبدأنا مع الكاتب د.فاروق أسليم عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الكتاب العرب، الذي أجابنا: هذا المعرض عنوان بارز لتوجهات الاتحاد للعمل الثقافي التشاركي الذي يتوجه مباشرة للتعامل مع منتجي الثقافة ومتلقييها، والمجال الأوسع هو الجامعات لا سيما كليات الآداب في حماة، اللاذقية، دمشق، إضافة إلى حلب، وهذه التشاركية تسمح بوجود كتب الاتحاد وأيضاً كتب وزارة الثقافة في كلية الآداب بجامعة حلب لتكون قريبة من الزملاء وأعضاء الهيئة التدريسية، ولتكون حالة ثقافية جديدة وتقدم مجالاً للتفاعل المباشر مع مطبوعات الاتحاد والوزارة، ولتكون مجالاً للبحوث في حلقات الأبحاث في المرحلة الجامعية الأولى، ومصادر ومراجع لطلاب الدراسات العليا في مرحلتي الماجستير والدكتوراه، كما أني أتوجه بهذه المناسبة بالشكر لإدارة الجامعة وعمادة الكلية والزملاء والطلاب الأعزاء، وأشير إلى افتتاح معرض دائم للكتاب في كلية الآداب بجامعة دمشق أيضاً منذ أيام.

الأدب يبقى حياً لا يموت

لكن، لماذا تأخر المعرض كدائم في الكلية؟ وما أهدافه الحالية والمستقبلية؟

أجابنا الدكتور مصطفى عثمان عميد كلية الآداب بجامعة حلب: انطلاقاً من طبيعة كلية الآداب والعلوم الإنسانية، وكونها مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالحركة الثقافية عموماً وحلب خصوصاً، كون معظم المعارض تقام في العاصمة دمشق وحلب مظلومة، وكانت المبادرة مع اتحاد الكتاب العرب ووزارة الثقافة لينطلق هذا النشاط منذ عام، ليربط بين الجامعة والمجتمع وما يجري في الجوانب الثقافية والعلمية، وانعكست أهميته من خلال إقبال الطلاب الملحوظ لأسباب عديدة، منها سهولة وصول الكتاب، وسعره الرمزي، مما شجعهم على ارتياد المعرض وشراء الكتب للقراءة والاقتناء.

وعن الطموح، أكد أنه يتمنى أن يضم المعرض تشكيلة أوسع حتى لو كان تأريخ الإصدار قديماً لأن بعض الكتب لا تفقد أهميتها مع الزمن، ومازلنا نقرأ الكتب الصادرة عبر العصور مثل الملاحم والأساطير وثقافات الشعوب والتأريخ والنقد والشعر، لأن الأدب يبقى حياً ولا يموت مع تقادم الزمان، بينما قد يكون في المجال العلمي نظريات جديدة.

وأضاف: الإبداع عبقرية البشرية وبمجاله الأدبي يلامس الإنسان في أي زمان ومكان، ولا يحده تأريخ أو جغرافيا، والكتاب الورقي جاذب للجيل الشاب على الأقل توازياً مع الوسائل الالكترونية، ومن الممكن مستقبلاً أن يُخصص حيز مناسب لكل كلية لمعرض دائم للكتاب، لأن هناك طلاباً يقرأون ويقتنون بمحبة.

وعن المكتبة الالكترونية المحتملة، أخبرنا بأن هناك توجّهاً لتكون الكتب متاحة دائماً في هذا الفضاء، وهي مبادرة للمستقبل.

نافذة للطلاب على الثقافة السورية

وعن أسباب فكرة المعرض وديمومتها، قال الدكتور أحمد محمد دللو- رئيس الوحدة النقابية بكلية الآداب ومدرس الأدب الجاهلي في قسم اللغة العربية: الفكرة جيدة لأن الكتب الحديثة تتوافر في كليتنا إضافة للكتب القديمة، والأسعار الرمزية مشجعة، كما أني أحرض طلابي على العمل بحلقات البحث لمراجعة هذا المعرض والاستفادة من كتبه المتنوعة في كافة المجالات واقتنائها أيضاً لعدة أسباب أهمها أنها تجعلهم يطّلعون على الثقافة العربية السورية وغناها بالمعلومات وتنوعها في الدراسات، ورأيت أن الكثير من الطلاب استفادوا من هذه الكتب ومنها “جدلية القيم”.

وماذا عن الأستاذ كقارئ؟

أمّا ماذا حين يتحول الأستاذ إلى قارئ؟ فأكد أن كتب المعرض أفادته كثيراً لا سيما الدراسات النقدية الحديثة كونها ساعدته في تطوير تأويل وتفسير الأدب الجاهلي، إضافة للنظريات والمناهج النقدية التي تصلح لتُطبًّق على أدبنا ومنها المنهج النفسي والأسلوبي والاجتماعي، خصوصاً، وأنه مهتم بميدان التحقيق والتدقيق إضافة إلى أنه يؤلف كتباً في هذا المجال بعضها سيصدر، ومنها ما هو صادر مثل كتاب الأدب الجاهلي بالتشارك مع د.فاروق أسليم ود.حنان عكو.

متنوعة في الوعي والرؤيا والمعرفة

وبدوره، قال الشاعر الناقد والدكتور الجامعي سعد الدين كليب: لا شك بأن هذا المعرض الدائم في كلية الآداب والعلوم الإنسانية خطوة هامة جداً، وكنا ننتظرها دائماً، وكنا نتمنى من القائمين على شأن الكتاب في سورية الالتفات إلى هذه الظاهرة وتعميمها على الجامعات السورية، وهذه الفكرة اتبعتها الوزارة والاتحاد لكن في المراكز الثقافية والفروع، وها هي واقعة حقيقية ودائمة هنا، ومتنوعة في الوعي والرؤيا وهو محور أساسي تتسم به الإصدارات غير الموجودة في المناهج، مما يجعلها مكملة للمناهج والمعرفة ومعمقّة للثقافة في الوقت ذاته، ومن الممكن للأستاذ الجامعي أن يلفت إليها طلابه لتكون مراجع ومصادر، لذلك، فإن الكتاب هام جداً في بناء شخصيات الطلاب وثقافتهم ومستقبلهم العملي، لأن الطالب الذي لا يقرأ إلاّ منهاجه الدراسي سيكون مدرّساً فاشلاً أو عادياً، بينما الطالب المتواصل مع الثقافة والمعرفة من خلال الكتب فسيكون له الاختلاف تطبيقياً قي كافة المجالات الحياتية والمهنية، ولا يسعني إلاّ أن أشكر الذين لهم الفضل في افتتاح هذا المعرض الدائم.

توثيق العلاقة مع الجيل الشاب

ورأى الكاتب نذير جعفر رئيس الهيئة الإدارية لفرع حلب للاتحاد أن المعرض خطوة باتجاه توثيق العلاقة في الوسط الطلابي في كلية الآداب وسواها، لأن القطاع المستهدف بالدرجة الأولى في خطة الاتحاد هو الشباب ولا يمكن الوصول إليهم إلاّ من خلال مطبوعات الاتحاد وما ينتجه الكتّاب السوريون مما يساهم في تعميق التواصل معهم فكراً وحواراً.

تطوير فكر الطالب

ولخّصت الدكتورة ليزا كيفورقسلوكجيان رئيس قسم الدراسات الاجتماعية بكلية الآداب رأيها بقولها: تأتي أهمية المعرض كونه مفيداً للطالب الجامعي وبأسعار رمزية، فمن خلاله يتمكن الطلاب الجامعيون من التعرف على آخر الكتب المتعلقة باختصاص الدراسات الاجتماعية والمتعلقة بالمواد الدراسية وإنجاز حلقات البحث، مما يساهم في رفع السوية الثقافية للطالب باعتبار الجامعة هي الأساس في تطوير فكر الطلاب وحياتهم.

محبة واقتناء

أمّا بالنسبة للطلاب الذين صادفناهم في المعرض وهم منغمسون في الاطلاع على العناوين والتصفح، والذين سألناهم عن أسباب مجيئهم واهتمامهم وماذا يفضلون؟

أجابتنا الطالبة روان النائب سنة أولى إرشاد نفسي: أحب الكتب عموماً والقراءة خصوصاً سواء الورقية أو بصيغة “بي دي إف ـ PDF”، وأفضل قراءة كتب التنمية البشرية، وعلم النفس والطاقة الإيجابية.

الطالب أحمد بشماف سنة رابعة أدب عربي ومشرف فريق 100 كاتب وكاتب: المعرض ضرورة، خصوصاً في الجامعة بين الطلاب، وأزور المعرض باستمرار، وابتعت حتى الان 50 كتاباً، فالأسعار مشجعة والمجالات متنوعة.