الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

الغش المعنوي ليس منا

غالية خوجة 

الكلمة الصادقة العذبة الكاشفة بإيجابية تقلب الطاولة بضوئها الحقيقي الفاعل وطريقها المنير المستمد من الحديث الشريف “من غشّ ليس منّا”. الغش ليس فقط مادياً، بل معنوياً أيضاً، والتصفيق للخلل ومديحه والتدليس له والإفساد بالتزييف نوع خطير من أنواع الغش، وهو ذروة الطعن.

لذلك، فإن النقد البنّاء والنقد الذاتي جمالية غير مألوفة وطريق مضيئة وطريقة عرفانية، أرجو انتشارها مثل الأشعة النقية التي لا تشوبها ذرّة خردل من ظلِّ الظلمات، مهما حارب وحورب قائلها وكاتبها والموقن بها يقيناً هازماً لأي شك.

وهذه الكلمة الكريستالية موجودة واقعياً في وطننا سورية، وإن لم تعتد الغالبية على حضورها، أو لا تصدق حضورها، فهي بوصلة المؤتمرات الحزبية، والصحافة الوطنية، وهي شمس المعاني بحلّها وترحالها، لذلك، مخطئ من يسير على طريقة التفكير التقليدية القديمة التي تقدّس الأشخاص لا المنجزات، والتي تعتبر المقالة الصحفية مثلاً دفتر تفقّد للشخصيات الحاضرة، وكأنّ أسماءها أهم من الجهة التي تمثّلها وأهم من إنجازات هذه الجهة.

الإنجاز المشرق الساعي إلى الاستدامة ضمن منهجية تطويرية مستدامة هو الهدف المحوري لهذه المرحلة، لا الأشخاص الزائلون، لأننا جميعاً إلى فناء ويبقى الوطن والعمل، وتمكث آثار ذلك في الأرض والنفوس فتنفع الناس بينما الزبد فيذهب جفاء.

ولإنجاز الإنجازات المستهدفة، لا بد ألا نغشّ الغشّ، بل نكشف عنه، ونقترح محوه، لنكتب أفعالاً ترضى عنها دماء الشهداء، وتزهر بالأشعة للأجيال، فتدور أفلاكها واضحة رغماً عن كلّ الظلمات.

لذلك، كما أكد، ويؤكد، القائد الأسد على ضرورة النقد وعدم شخصنته، وهو ما على الجميع أن يعتاد عليه من أجل الهدف العام، والصالح العام، والتطور العام، وهو ضرورة تناغمية من أجل الاستفادة من التجارب السابقة، والتسابق مع الزمان في التجارب المعاصرة، وتوظيف الرؤيا الاحترازية في أبعاد التجارب المستقبلية.

والغش بهذا المفهوم نوع من الفساد، فكيف نكافحه وأصنامه؟

يجيبنا القائد الأسد: “مكافحة الفساد لا تعني أن يكون المسؤول شريفاً فقط، بل يعني أن يكون شريفاً وأن يلاحق الفساد”، مشيراً إلى أن الخطأ “هو جزء من الطبيعة البشرية، وأن من يعمل يخطئ، ومن لا يعمل لا يخطئ، وأن نجاح المسؤول في العمل هو الإخلاص”.

لكن، كيف يكون الإخلاص نجاحاً؟

من الإخلاص أن يتمّ التكاشف مع اختلاف زوايا الرؤية والرؤيا والتبئير بين الجميع من أجل الجميع، ومنها الثقافة والفنون والإعلام الذي قال عنه سيادته: “الإعلام السوري حقق نقلة جيدة بظروف صعبة، ومن واجبه اليوم أن يستمر في ملاحقة مكامن الخلل دون تردّد، ومن واجب المسؤولين الاستجابة إن كان بمقابلة، أو ببيان، أو بنقل المعلومة”.

لذا، لا بدّ من القناعة أولاً أننا جميعاً خطّاؤون، وطوبى لمن تكاشف مع أخطائه فتلافاها قدر المستطاع، واستمع للآراء الصافية غير المشخصنة، المخلصة لرسالتها كما أي إنسان يعمل بإخلاص، فينبذ الغش المعنوي والتدليس النفسي والنفاق المصلحي، مقتنعاً بأن المدّاح أخو الذمّام، وكلاهما لا خير فيه، ولا إخلاص، ولا بدّ من تفعيل ذلك إيجابياً في مختلف القطاعات ومنها القطاع الثقافي، لأنه الصورة الهرمية للاجتماعي والذاتي، فإذا أصيب بالشوائب الفكرية ومنها الغش أصاب الوعي الجمعي باهتزازات الظلمات، وإذا أصاب الظلماتِ الفكرية فهذا يعني أن ضياءه انغرس في الوعي الجمعي الذي يميّز بكل تأكيد بين النور والعتمات، فتزهر النفوس طقوسها الصافية الأجمل متهيئة لأزمنة تصنعها تشاركياً استعداداً لمختلف اللحظات والأزمات والأجيال والمستقبل على تنوّع اللحظات.