ثقافةصحيفة البعث

مقام البستنكار بين التراث الحلبي وابن عربي

حلب – البعث

بإيقاعات البراري الأولى، ولمسات الورود للأرواح، تناغمت 12 آلة موسيقية بين وترية ونفخية وإيقاع، منها الكمان والتشيللو والقانون والناي، لتشكّل مع أصوات 4 مطربين و3 كورال حفلاً تراثياً معاصراً أقامته مديرية المسارح والموسيقا – مسرح حلب القومي، بالتشاركية مع فرقة بيت الفنون للتراث بإدارة الأخوين حداد، بعنوان “رحلة مع مقام البستنكار” على مسرح الشهيدة سناء محيدلي بدار الكتب الوطنية.

أسرار البستنكار

وكان الإشراف الموسيقي للمايسترو عبد الحليم حريري رئيس مجلس حلب لنقابة الفنانين الذي أجابنا عن هذا المقام وأسراره قائلاً: البستنكار مقام فرعي، شبه نادر، يبدأ بمقام صبا ويقفل بمقام سيغا، ويمرّ بينهما مقام جهاركا، وفي الموسيقا عقد سيغا 4 أحرف، وعقد صبا 4 أحرف، وأغلب موسيقا البستنكار شرق متوسطية، ومنه 5 موشحات في هذه الأمسية، ومعزوفات إفرادية، وغناء يحيي التراث، ويجذب الجيل الشاب الذي يحبّ التغيير والتحديث في فنون التأصيل.

غير ملموس ويلامس أرواحنا

وأكدت رنا ملكي رئيسة دائرة المسرح القومي بحلب أهمية نقل التراث للأجيال وعبرها، وتابعت: إحياء التراث أحد أدوارنا، وهو مسؤولية جمعية وفردية وإنسانية لأنه تراث محلي وعربي وعالمي، صحيح أن التراث اللا مادي غير ملموس لكنه يلامس أرواحنا، وهو رسالة فنية ثقافية، وللأخوين حداد رسالة حضارية معبّرة عن الفكرة بأصالتها، وضمن هذا البعد من الحفاظ على الهوية والأصالة نقيم هذا الحفل برعاية كريمة من وزيرة الثقافة، لأننا نتحدث من خلال التراث عن أنفسنا أيضاً وليس فقط عن أجدادنا.

فسيفساء شرقية

الفنان محمد حداد، مدير عام بيت الفنون للتراث: البستنكار مقام “محروف” ومميز، ليس أساسياً بل فرعياً، وهذه الأمسية تحتفي بالمقامات الشرقية الاستثنائية، ومنها مقطوعات لملحنين حلبية، ولا بدّ من الفسيفساء العربية، مثل موال مصري لمحمد عبد الوهاب، وأغنية “أنا هويت” لسعاد محمد، وقدود حلبية، وموشحات، وقصائد صوفية.

توثيق المقامات النادرة

وعن هذه الوصلات المولوية، قال الفنان محمود إسماعيل أحد أعضاء الفرقة: إضافة لقصيدة الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي، تضمّ وصلتنا قصائد لكل من الزجال الزاهد الأندلسي أبو الحسن الششتري، والمتصوف الحافظ الدمياطي، وللشيخ الشاعر أمين الجندي الحمصي، وستدور المولوية حول أحد فروع مقام البياتي أيضاً، وكفنان أهتمّ بالتراث وأوثق ألحانه، ولاسيما ألحان محمد علي بحري المعتمدة على مقامات مهملة ونادرة.

مولوية تدور مع الرموز

تميّز الحفل بانسجامه الفلكلوري الحداثي بين أصوات بشرية وآلات وأزياء، وصدحت الموشحات والقدود مع مقطوعات عربية، وتماوجت المولوية عبْر 3 أجيال بين أطفال وشباب وكبار، ودارت أثوابها مع قبعاتها ورموزها البيضاء والسوداء مثل الكفن والقبور وشواهد القبور، كما دارت مع قصيدة ابن عربي “صار قلبي قابلاً كل صورة”، فتشعر بأن هذه اللوحة جمعت بين جلال الدين الرومي والشيخ الأكبر والأرواح المحلقة، ليصفق الحضور المحتشد بشوق لتلك المحبة الإلهية وينشد مع اللوحات الأخرى، وكأنه مشتاق لذاك الفضاء الصافي المنعكس من “مدد” مثل مرايا الطمأنينة التي فقدها في العشرية الإرهابية الحاقدة.