الإستراتيجية الوطنية لمواجهة الكوارث.. نحتاج لخلايا أزمات مستعدة “لما قد لا يحدث وتتعامل مع ما حدث”!!
البعث الأسبوعية – غسان فطوم
فرضت كارثة الزلزال المدمر الذي أصاب البلاد في السادس من شهر شباط الماضي واقعاً جديداً جعلنا في حالة استنفار في حينها وما زلنا لمواجهة تداعياته الخطيرة بهدف التقليل من الخسائر المادية والبشرية بتضافر جهود الدولة والمجتمع الأهلي والعمل على رفع درجة الوعي بالكوارث بين المواطنين، فالخسائر كانت كبيرة فوق الأرض وتحتها، عدا عن الأذى النفسي الذي لم يُصب المتضررين لوحدهم، وإنما الألم طال وأوجع كل السوريين وحفر بعمق على جدران الأبنية المتصدعة.
لقد أظهرت الكارثة التي حولت سورية إلى بلد منكوب كم نحن بحاجة لإستراتيجية وطنية لمواجهة الكوارث تماشياً مع التوجهات العالمية بهدف الحد من الكوارث كالزلازل والسيول الجارفة والأعاصير وغيرها.
وكالعادة دائماً، نتحمس ونعمل على عقد الندوات وورش العمل ودورات الإغاثة نتحدث فيها عن المخاطر والإجراءات التي قامت بها الدولة، وغالباً ما نخرج بقرارات حماسية في محاولة لتطويق المشكلة. والملاحظ أنه بعد مضي أربعة أشهر على نكبة الزلزال نجد أن مثل هذه الندوات ما زالت تقام هنا وهناك، وكان آخرها المؤتمر الذي عقد في جامعة تشرين أول أمس بعنوان (الوقاية والحد من مخاطر الكوارث الطبيعية) وذلك بمناسبة يوم البيئة العالمي.
لا ننكر أهمية تلك النشاطات على اختلاف مسمياتها في توعية الشارع وتعريفه بمخاطر الكوارث الطبيعية، لكن ليس مقبولاً أن تبقى الأمور في إطار (الحكي ببلاش)، حيث ما زالت الأفعال بخصوص بناء الإستراتيجية التي كانت ولا زالت مجرد مقترحات أو أمنيات أو شعارات يتلفظ فيها المعنيون والمحاضرون وغيرهم!
لا بديل عنها
بهذا الإطار، يرى عميد المعهد العالي للتنمية الإدارية بجامعة دمشق الدكتور سامر المصطفى أن مواجهة الأزمات والكوارث أمر لا بديل عنه لحشد الطاقات والجهود التي تشمل الرؤية الإستراتيجية لإدارة الكارثة والحد من أخطارها واختيار أنسب السبل لمواجهتها، الأمر الذي يتطلب التخطيط الجيد وتطوير المعارف والارتقاء بالأداء، وبرأيه أن “القادة الإداريين الحقيقيين هم من يظهرون في أوقات الأزمات، أما في وقت الهدوء فكل الناس قادة”.
وقسّم المصطفى مراحل تكون الأزمة أو الكارثة إلى ثلاثة، أولها “التخطيط السليم”، ويكون ما قبل الكارثة، وثانياً مرحلة “الإدارة” والتي تكون خلال بداية أو حدوث الكارثة، أما المرحلة الثالثة فهي “التخفيف” وتأتي لمواجهة الآثار، مؤكداً أن نجاح عملية المواجهة يتطلب قدراً كبيراً من التنسيق والتشاركية بين الجهات المعنية والمجتمع المدني والمنظمات والاتحادات وغيرها من فعاليات المجتمع وصولاً إلى مرحلة التعافي والخروج من الأزمة.
متشائمون ومتفائلون!
بالنظر إلى سنوات الحرب الأخيرة وقياساً لاستجابة الجهات المعنية الضعيفة مع ما خلفته من دمار وخراب، والتعثر في إدارة أبسط احتياجات المواطن، هناك من يرى أننا لم نتعلم من دروس الحرب، ولا حتى جائحة كورونا، ولا كوارث التنين البحري التي تضرب السواحل السورية بشكل مستمر، ومن قبله انهيار سد زيزون، ليأتي الزلزال ويضعنا في موقف صعب قياساً بالكوارث التي خلفها.
على الطرف الأخر، هناك من أبدى تفاؤله بالسيطرة على أضرار الزلزال، وخاصة بعد أن أقر مجلس الوزراء التوجهات الأساسية للسياسة الحكومية، أو الخطة الوطنية للتعاطي مع آثار الزالزال وتداعياته، ولكن بشرط توفر الإدارة الناجحة والرشيقة واستثمار عامل الوقت في تنفيذ البرامج والخطط الورقية.
ولعل أصحاب الشأن والقرار يعلمون أنه في علم إدارة الأزمات، هناك قاعدة تقول: “استعد لما قد لا يحدث وتعامل مع ما حدث”، لذا فوجود إستراتيجية وطنية لمواجهة الكوارث هو الخطوة الأهم في ذلك وتكون مهمتها رسم السيناريوهات المحتملة للكوارث ووضع خطط تحرك مناسبة للمواجهة عبر توزيع الأدوار والمهام على المستوى الوطني لتأمين كل المستلزمات واتخاذ الإجراءات العاجلة.
ضعف الخبرة
وأمام تداعيات الزلزال المؤلمة التي عشناها لحظة بلحظة كثرت للوهلة الأولى الانتقادات لجهة ضعف عمليات الإغاثة للمتضررين، والذي تجلى بالخلل الذي حصل في توزيع المعونات وعمليات الإيواء، والأهم فزعة أهل البلد بكل أطيافه، وبالرغم من الجهد الملحوظ الذي قامت به اللجنة العليا للإغاثة لكن كان واضحاً ضعف الخبرة وقلة الحيلة في التعامل مع هكذا كارثة. هنا برزت دعوة لإحداث وزارة للكوارث والطوارئ تحدد مهامها بالتخطيط المسبق، ووفق القاعدة التي ذكرناها بالأسطر السابقة “استعد لما قد لا يحدث وتعامل مع ما حدث” في مواجهة الأزمات بكل أنواعها، من خلال تكليفها ببناء مؤسسات رصد وتخطيط، وفرق وغرف عمليات ميدانية متخصصة ومدربة ومؤهلة جيداً، للتعامل مع أية كارثة طبيعية.
خارطة طريق
بالمختصر، أمام تضاعف عدد الكوارث الطبيعية المسجلة في العالم على مدى العقدين الماضيين، والتي لن نكون في سورية بمنأى عنها، خاصة وأن التوقعات الحالية المتعلقة بتغيرات المناخ وبنية الأرض تشير إلى استمرار الظواهر الخطيرة التي ستغدو أكثر تواترا وأشد تقلبا، بل أصبحت تشكل تهديداً خطيراً ليس لمجريات حياتنا يوماً بيوم، وإنما لحياة الأجيال القادمة، فكل ذلك يتطلب منا جهوزية دائمة لمواجهة أي خطر، ووحدها الإستراتيجية الوطنية لمواجهة الكوارث تنقذنا من هول المخاطر وتقلل من آثارها الكارثية، فهي تجعلنا أكثر تأهباً لحالات الطوارئ، من خلال وضع برامج عمل على الأرض، وتأمين المعلومات والمعطيات والبيانات الدقيقة والتحديثات المستمرة عن المخاطر والكوارث ليكون أصحاب القرار على دراية تامة بكل التفاصيل، فكل ذلك هو نوع من الإنذار المبكر لنكون متأهبين للاستجابة للكوارث.
بمعنى نحتاج لهذه الإستراتيجية بإطار تشريعي مناسب يحدد الواجبات والصلاحيات ويمنع التداخل بين مختلف المؤسسات المعنية لتكون بمثابة خارطـة طريـق واضح المعالم للحد من الكوارث ومواجهتها وإدارة تداعياتها وإبقاء الكارثة تحت التحكيم والسيطرة، وبأقل قدر ممكن من الخسائر.، ولنا ثقة في أن الخطة الوطنية لمواجهة تداعيات الزلزال التي أطلقتها الحكومة تؤسس النواة الأولى لذلك بالشراكة مع المجتمع بكافة أطيافه وشرائحه وفعالياته.