مجلة البعث الأسبوعية

الدروس الخصوصية تشوه التعليم الرسمي وتشفط مدخرات أهالي الطلاب! إنكار التربية ليس حلاً ومعدلات القبول الجامعي تزيد حدة الأزمة!

البعث الأسبوعية ـ علي عبود

أخفقت وزارة التربية بإيجاد الحلول لمشكة الدروس الخصوصية، فهي تارة تنكر وجودها على نطاق واسع، وتارة أخرى تؤكد أن المعلمين يمارسون مهامهم بالشكل المطلوب، وبالتالي فإن الطلاب المجدين لا يحتاجون إلى الدروس الخصوصية!

ومهما حاولت الوزارة من تقديم البدائل للدروس الخصوصية وخاصة عبر قناتها التعليمية، أو المنصات الإلكترونية، فإن الوقائع تكشف أن اعتماد العلامات في الشهادة الإعدادية لتحديد من سيفرز للتعليم الثانوي، أو للتعليم المهني، وارتفاع معدل العلامات في الثانوية للقبول في الكليات الدسمة يُشعل بورصات الدروس الخصوصية، وتكاد تتحول بالنسبة لآلاف السوريين إن لم يكن عشرات الآلاف إلى بديل للتعليم الرسمي.

وكنا ننتظر أن تكون المدارس الخاصة بديلاً لذوي الطلاب المقتدرين مالياً عن اللجوء للدروس الخصوصية، لكنها تحولت سريعاً إلى برستيج للتباهي والتفاخر بين شريحة من الأثرياء وحديثي النعمة، لم تتميز سوى بتعليم اللغات الأجنبية إلى حد ما، في حين أن نتائج شهادتي الإعدادية والثانوية تكشف دائماً أن غالبية المتفوقين والأوائل هم من المدارس الحكومية!

وما أخفقت به المدارس الخاصة، نجحت به إلى حد كبير المعاهد الخاصة وتكاد تكون البديل للتعليم الرسمي وللدروس الخصوصية فأقساطها في متناول أهالي الطلاب وتكلفتها أقل من المدرسين الخصوصيين، وتعتمد على نخبة من المعلمين المشهورين في عالم الدروس الخصوصية، وهي تنشر أسماؤهم في إعلاناتها الترويجية.

السؤال الذي يحتاج إلى إجابة من وزارتي التربية والتعليم العالي: أما من حلول بديلة للدروس الخصوصية التي تشوه التعليم الرسمي وتشفط مدخرات آلاف الأسر، وبعضهم لا يتردد ببيع عقاراته والاقتراض من الغير ليضمن لأبنائه العلامات الكافية لقبوله في كليات الطب والهندسة والصيدلة..الخ؟

مدرسون يقتدون بالحرفيين

لا يختلف معلمو الدروس الخصوصية عن معلمي الحرف والمهن الأخرى، فما من مدرس مادة أو أكثر ألا وعدل أسعارها حسب سعر الصرف، أي حسب قوتها الشرائية، فمن كان يتقاضى أجرة ساعة تدريس مادة الرياضيات مثلا 500 ليرة في عام 2010 عدلها حاليا إلى ما لا يقل عن 50 ألف ليرة ، وقد تصل إلى 150 ألف في الأيام القليلة التي تسبق الامتحانات!

ومشكلة الدروس الخصوصية ليست مستجدة، فقد كانت الوسيلة لتحسين الأوضاع المادية للمعلمين لكنها سرعان ما تحولت إلى أداة لشفط الأموال من أهالي الطلاب، الذين لن يترددوا بتأمين ثمن الدروس ولو اضطروا إلى بيع الغالي والنفيس ورزحوا تحت وطأة ديون ثقيلة جدا!

وقد تحولت شريحة من المدرسين إلى نجوم يتوسط لديها المقتدرون والمتحاجون معا كي تقبل بتخصيص بضعة ساعات لأبنائها، بل أن بورصة هؤلاء النجوم ترتفع أجرة ساعتها في الأيام الأخيرة التي تسبق الامتحانات إلى رقم فلكي ويصبح مستحيلا الفوز بساعة تكثيف للمادة قبل أقل من يوم على امتحانها!!

من يراقب بورصة الدروس الخصوصية؟

لقد تقصّدنا وصف معلمي الدروس الخصوصية بمعلمي الحرف والمهن الخاصة الذين لا يخضعون لأي نوع من الرقابة سواء من اتحاد الحرفيين أو الدوائر الضريبية، كذلك معلمو الدروس الخصوصية فهم أساسا يمارسون عملهم خلافا لتعليمات وزارة التربية، ونقابتهم لا علاقة لهم بما يشفطونه من مدخرات اسر دخلها محدود جدا، ومثلما يستغل المهني حاجة مواطن تعرض لوقوع عطل في منزله فيتقاضى منه أجرا يشفط نصف راتبه مقابل عطل لا يستغرق إصلاحه أكثر من ساعة، فإن أجرة المدرس الخصوصي لا تقل أيضا عن نصف راتب الموظف الحكومي!

وإذا كانت المعاهد الخاصة تخضع لإشراف الجهات المعنية مباشرة، فإن وزارة التربية لا تفعل شيئاً أمام ظاهرة الدروس الخصوصية التي تشوه سمعة التعليم الرسمي وتشفط مدخرات آلاف السوريين على مدار العام!

أكثر من ذلك، إن نجوم الدروس الخصوصية الذين لا يميزون بين والد ثري ووالد يدفع أجره  من قرض أومن ثمن بيع أرض أو مصاغ ذهبية حريص على دخله الهزيل كموظف في وزارة التربية، لأنه في حال استقال للتفرغ للمهنة الأساس، فإنه سيخسر نبعاً لا ينضب من الطلاب الدسمين كزبائن يتجددون ويزداد عددهم بعد الأسابيع الأولى من بدء العام الدراسي.

وعندما يكشف عدد من الأهالي أن تكلفة الطالب الواحد في شهر التكثيف (أيار) وبمعدل ساعة واحدة في الأسبوع لا تقل عن 300 ألف ليرة للمواد العلمية، فهذا يعني أن تكلفة الطالب الواحد ستتجاوز المليون ليس للمقتدر الذي لا يهمه الثمن فقط، وإنما للأسرة محدودة الدخل التي ستوفر هذا المبلغ ببيع أملاكها مقابل حصول ابنها على علامات تتيح له الدخول لكلية دسمة؟

مسؤولية التربية والتعليم العالي  

مهما انتقدنا الدروس الخصوصية وتشويهها للتعليم الرسمي، فإن المعلمين غير مسؤولين عن الواقع الذي لم تعالجه الحكومة على مدى العقود الماضية، على الرغم من أن تراجع التعليم العام وصل إلى أدنى مستوياته، وفي المقابل لم ينجح التعليم الخاص بأن يكون البديل، لأن هدفه الوحيد الربح وليس تقديم النموذج المثالي للتعليم!

الحق يقال إن وزارتا التربية والتعليم العالي هما المسؤولتان الوحيدتان عن ترسيخ ظاهرة الدروس الخصوصية في المجتمع السوري، من خلال الإصرار على اعتماد العلامات بفرز الطلاب إلى الثانوية العلمية، أو الكليات الجامعية الدسمة استنادا إلى مبدأ (الاستيعاب) غير المطبق إلا في سورية

ومع أننا كتبنا عن هذه الظاهرة منذ تسعينات القرن الماضي، وأشرنا إلى إلغاء شهادة الإعدادية في العالم، وعدم وجود شهادة ثانوية في معظم الدول المتقدمة علميا، فإن وزارة التربية حولت شهادة الإعدادية إلى حلم وهدف للطلاب لا يمكن النجاة من التعليم المهني إلا بالحصول عليها وبمعدلات ترتفع عاما بعد عام!

ولم تقصر وزارة التعليم من جهتها بتوسيع قاعدة الدروس الخصوصية، بعدما طالبت في الأعوام الماضية بالحصول على العلامات التامة تقريبا للفوز بكلية دسمة!!

وبما أن وزارة التربية أخفقت بإقناع الطلاب بالتعليم المهني، وبما أن وزارة التعليم العالي أخفقت بتخريج العلماء والعباقرة من خلال حصرها بمن تصفهم بالمتفوقين، فإنهما ليسا مسؤولتان عن انتشار الدروس الخصوصية فقط، وإنما مسؤولتان أيضا عن تدني مستوى التعليم، دون أي مبادرة لمعالجة هذا الوضع استنادا إلى تجارب دول رائدة بتخريج الطلاب المبدعين في كل المجالات لافي الطب والهندسة فقط!!

ابتكار في شفط المال

وبما أن هدف المدرس تغير من تأمين دخل إضافي لمواجهة أعباء الحياة، إلى هدف للإثراء السريع على حساب الناس سواء كانوا أثرياء أم من ذوي الدخل المحدود، فقد قسموا الزبائن إلى عدة شرائح: الأولى تشمل الأثرياء التي تدفع أجرا عاليا لقاء تدريس مادة كاملة من خلال جلسات محددة ، والثانية: شريحة مقتدرة على دفع أجور الساعات المطلوبة لمراجعة المواد العلمية، وشريحة دخلها لا يسمح بدفع أجرة ساعة لابنها يومياً فابتكر بعض المدرسين فكرة (طلاب المجموعات) ويشمل الدرس فيها من 4 إلى 6 طلاب) يتقاسمون دفع أجرة المدرس، ودرس المجموعات منتشر في المناطق الشعبية أو التي لا يستطيع فيها الأهالي دفع أجرة درس طالب واحد.

نعم، نحن هنا أمام بعض المدرسين الذين يفكرون كالتجار همهم وشغلهم الشاغل شفط أكبر قدر من المال على مدار العام، ويزداد الطمع في شهر أيار حيث يضطر كل أهالي الطلاب بمن فيهم محدودي الدخل إلى اللجوء للدروس الخصوصية أو المعاهد الخاصة حرصا على ضمان مستقبل أبنائهم!

ولسنا نبالغ إذا ما قلنا أن دخل بعض المدرسين في شهر أيار وفي أيام الامتحانات لا يقل عن نصف مليون ليرة يوميا!!.