مجلة البعث الأسبوعية

“الحزام والطريق”..  لا بديل عن المشروع الصيني العملاق 

البعث الأسبوعية- سمر سامي السمارة

على أثر القمة الأخيرة لدول مجموعة السبع في هيروشيما، تبنت الولايات المتحدة وكندا والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، حزمة أخرى من العقوبات ضد روسيا، وتشمل هذه الحزمة من العقوبات أكثر من 90 شركة من كافة أنحاء العالم.

وفي هذا الصدد، شددت المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، في مقابلة لها مع قناة التلفزيون الإلماني الثاني “ز يدي إف”، في إشارة إلى الصين، التي عوقبت شركاتها لأول مرة منذ بداية الأزمة العسكرية والسياسية الروسية الأوكرانية، على الحاجة إلى إيجاد بديل للمشروع الصيني العملاق مبادرة الحزام والطريق.

جدير بالذكر، اقترح الرئيس الصيني شي جين بينغ لأول مرة في عام 2013 مشروعاً دولياً عالمياً هو حزام واحد، طريق واحد كنوع من إحياء طريق الحرير التاريخي بسبب القفزة التي شهدها الاقتصاد الصيني في بداية القرن الحادي والعشرين، ويتمثل جوهر مبادرة بكين في تكثيف المشاريع التجارية والاستثمارية متعددة الأطراف بمشاركة المزيد من الدول واستخدام رأس المال الصيني والأجنبي. وعلى مدى السنوات العشر الماضية، انضمت 152 دولة وأكثر من 30 منظمة دولية إلى هذا المشروع.

بطبيعة الحال، إن مثل هذه المبادرات لا تولد من الفراغ، حيث تسعى لتحقيق المصالح الإستراتيجية بعيدة المدى للبلد المبادر، لذا فإن ديناميكيات التنمية الاقتصادية أولاً وقبل كل شيء، الإنتاج الصناعي الحديث عالي التقنية، والديموغرافيا العالية للصين، والتي قد خلقت ظروفاً موضوعية لتصدير السلع الصينية إلى الأسواق العالمية، ونمو الناتج المحلي الإجمالي، وتعزيز العملة الوطنية اليوان، والوصول إلى أسواق ومناطق ودول جديدة.

تأخذ الصين بعين الاعتبار المسافات الجغرافية والحاجة الموضوعية في تحديث الخدمات اللوجستية، خاصة اتصالات التجارة البرية، والطرق والسكك الحديدية، والفرص المالية العالية للسوق الأوروبية، لذا تعمل على خلق مشاريع جديدة لتطوير علاقات متعددة الأطراف خاصة في مجال  التجارة والاستثمار، مع دول مختلفة لتشكيل اتصالات تجارية متنوعة وبديلة ضمن مبادرة الحزام والطريق الواحد.

ومن بين هذه الطرق الدولية البديلة إلى الغرب، طورت الصين بالفعل ثلاثة خيارات وهي:

  • “الممر الروسي”، أي عبر أراضي روسيا وصولاً إلى أوروبا، غير أنه ولأسباب واضحة لنظام العقوبات الغربي المناهض لروسيا، قد يتم تعليق هذا الطريق نحو دول الاتحاد الأوروبي بشكل مؤقت.
  • “الممر الأوسط” والذي يُطلق عليه أيضاً “الممر الطوراني”، لأن المستفيدين الرئيسيين منه بصفة رئيسية هم سكانالأراضي الناطقة بالتركية أو أعضاء منظمة الدول التركية، والذي يتضمن خطاً يمر عبر باكستان ودول وسط آسيا وبحر قزوين وأذربيجان وجورجيا وتركيا والاتحاد الأوروبي.
  • “الممر الإيراني التركي”، بما في ذلك دول آسيا الوسطى وإيران وتركيا والاتحاد الأوروبي.

المسألة ببساطة تتلخص بعدم وجود جغرافيا أخرى للاتصال البري من الصين إلى أوروبا، لذا تحاول بكين استخدام قوتها المالية والاقتصادية والعسكرية والسياسية لاستيعاب كل هذه الطرق البديلة لدخول السوق الأوروبية.

لذلك، يعد المشرع بنمو جديد في حجم التجارة، ونمو الناتج المحلي الإجمالي، والتركيز في المناطق الوسيطة في الطريق إلى أوروبا فيما يتعلق بمجموعة البلدان الصغيرة، وتعزيز الشراكات مع الأطراف المؤثرة خاصة روسيا وإيران وتركيا.

لابد من الإشارة إلى أنه، في نهاية عام 2022، بلغ حجم التبادل التجاري للصين مع الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي 1.6 تريليون دولار، وهو مستو مرتفع قياسياً، حيث نمت التجارة الصينية الأمريكية لتصل إلى 760 مليار دولار، وبلغت تجارة الصين مع الاتحاد الأوروبي 847 مليار دولار. وذلك على الرغم من إتباع الرئيس الأمريكي جو بايدن سياسة الضغط على بكين على خلفية ما يزعم بأنها قضايا خلافية حول مصير تايوان، فضلاً عن المنافسة الاقتصادية الحادة، خاصة في مجال التكنولوجيا مع الصين، فعلى سبيل المثال حظرت واشنطن في حزيران 2021 الاستثمار في شركات التكنولوجيا الصينية، وفي تشرين الثاني من نفس العام وقع الرئيس بايدن قانوناً يحظر استخدام معدات صينية من شركات عمالقة التكنولوجيا الصينية “هاوي” و” زي تي أي” في الولايات المتحدة.

مع ذلك، أظهر العام الماضي نمواً ثابتاً في التجارة بين الصين من جهة، و الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من جهة أخرى. وعلى الرغم من هذه التقدمية والدينامية لحجم التبادل التجاري، فإن الدول الغربية، بناءً على طلب واشنطن، فرضت في شهر أيار الفائت، أي بعد قمة مجموعة السبع في هيروشيما، عقوبات فعلية “لتحجيم” الصين.

الأمر الذي جعل وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في الدورة الحادية والثلاثين لمجلس السياسة الخارجية والدفاعية يصف هذا النهج الذي تتبعه دول مجموعة السبع تجاه الصين، بأنه “سياسة احتواء مزدوج لروسيا والصين”.

وبالتالي، فإن الدول الغربية الرئيسية لا تسترشد بالمصالح الاقتصادية الموضوعية، والتي تنطوي في هذه الحالة على دعم مشروع العملاق الصيني مبادرة الحزام والطريق، ولكنها تسترشد بالاتجاهات الجيوسياسية للهيمنة الأمريكية الوهمية و”تفوق” الغرب على بقية العالم.

ولدى التساؤل عن البديل الذي تطرحه الدول الغربية لمبادرة الحزام والطريق، يميل بعض الخبراء إلى الاعتقاد بأن ما تراه أورسولا فون دير لاين كبديل جغرافي واقتصادي واضح للصين هو إفريقيا، التي كانت في أغلبها مستعمرة أوروبية لفرنسا والبرتغال وإسبانيا وإنكلترا وإيطاليا وألمانيا، والآن مستعمرة جديدة للاتحاد الأوروبي، حيث تعتقد بروكسل أن الوقت الذي كانت فيه إفريقيا بمثابة احتياطي للمواد الخام للعالم الخارجي قد انتهى، ليحل محله مستقبل أكثر تقدماً يعتمد على إنتاج سلع ذات تقنية عالية وتنافسية.

بعبارة أخرى، يمكن للاستثمار والتكنولوجيا الأوروبية الانتقال من الصين إلى إفريقيا، القريبة نسبياً من الناحية الجغرافية، ما يقلل التكاليف المالية للخدمات اللوجستية والاتصالات الجديدة. وفي الوقت نفسه، من الواضح أن الولايات المتحدة ستسعى إلى اختيار الهند، المجاورة والمنافسة للصين، كمركز جديد لدعمها الآسيوي لصادرات التكنولوجيا والاستثمار.

من المؤكد أنه، لا يتم تحديد “البديل الهندي” لطريق الحرير الصيني من خلال خصائص الجغرافيا، والحضارة الهندية الأوروبية، والتوازن الديموغرافي بين نيودلهي وبكين كما تزعم واشنطن، فالحقيقة تكمن في رغبة واشنطن باحتواء الاتصالات البرية الصينية مع العالم الخارجي، وفي المقام الأول مع أوروبا من خلال طرق بديلة. لذا ستكون ديناميكيات الاستثمار والنمو التكنولوجي للولايات المتحدة وكندا والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي في اقتصادات الهند وأفريقيا بمثابة مؤشرات للتحولات الجديدة في السياسة الإقليمية والعالمية.

من غير المرجح أن تعطي الولايات المتحدة “الضوء الأخضر” للاتصالات الصينية في الاتحاد الأوروبي إذا احتفظت بكين باستقلالها ولم تقدم تنازلات لواشنطن بشأن قضية تايوان وروسيا. ومع ذلك، فإن الصين هي وريث حضارة قديمة، وتتذكر الدور الرئيسي والإيجابي لروسيا السوفييتية في مصيرها ولا يمكنها تقويض سلطتها لإرضاء طموحات الزعيم الأمريكي جو بايدن.

يبقى السؤال، هل يمكن للولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي التابعة، تغيير المسار الطبيعي للتاريخ والاقتصاد العالمي، حيث تحتل الصين المرتبة الثانية بثبات؟. وما الذي يمكن أن يعارضه الغرب للتحالف الاقتصادي والسياسي الجديد للصين مع روسيا وإيران والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وتركيا وغيرها؟.