مسرحية ظل.. تسريب يستهدف البريكس
هيفاء علي
يقول الخبر إن رؤساء الأركان من 24 دولة اجتمعوا بسرية تامة في سنغافورة مؤخراً. وتمّ تسريب الحدث الذي وصفته وسائل الإعلام الغربية بأنه اجتماع “غير رسمي”. ومن بين هذه الدول الـ24، الولايات المتحدة وجميع دول “العيون الخمس” الأخرى، وهو تحالف استخباراتي يضمّ كلاً من الولايات المتحدة وبريطانيا، وكندا، وأستراليا ونيوزيلاندا، بالإضافة إلى ممثلين عن اثنين من أعضاء “البريكس”، هما الصين والهند، مع ملاحظة أن روسيا، العضو الرئيسي في “البريكس”، لم تكن ممثلة.
وتعليقاً على هذا الاجتماع، أشارت العديد من المصادر التي تؤيد بعضها البعض إلى أن هذا تلاعب منسق عملياً على المستوى الرسمي، فإذا كانت هذه المسألة سرية حقاً، فلماذا تمّ تسريبها؟.
من الناحية التاريخية، تستغرق اجتماعات التجسّس هذه وقتاً طويلاً للتحضير لها، وخاصةً عندما تضمّ 24 دولة، وتتميز بوجود القوى العظمى المتنافسة، أي الولايات المتحدة والصين، وما تسرب بعد الاجتماع هو بالضبط ما حدث، فمن غير المعقول أن تناقش العيون الخمس علانية المخاوف الأمنية الغربية أو الإجراءات مع الصينيين، ناهيك عن اللاعبين الثانويين الآخرين، لجهة أن القيادة في بكين تعرف جيداً أن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة تخوضان حرباً هجينة شاملة ضد الصين بآليات العيون الخمس وسياسة الاحتواء. والسبب الرئيسي للتسريب هو إشارة واضحة عند قراءة ما تقوله “مراكز الفكر” الأمريكية: “كانت الولايات المتحدة تناقش الأمن مع الصين والهند من وراء ظهر روسيا بمعنى أن الولايات المتحدة تحاول تقويض البريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون من الداخل، وليس هناك حاجة لوجود دليل على أن التسريب قد تمّ تصميمه لتقويض دول البريكس على الأقل في المجال العام الغربي من قبل مراكز الفكر الأمريكية”.
وقد شرح رئيس مجموعة “أوراسيا” كل هذا بالتفصيل بالإشارة إلى أن السياسة الخارجية للولايات المتحدة تنشر ترسانة كاملة من تقنيات الحرب الهجينة لإغواء أو إكراه أو إخضاع “الدول المحورية” في الساحة الجيوسياسية، وهي البرازيل والهند وإندونيسيا والسعودية، وجنوب إفريقيا وتركيا. وليس من قبيل المصادفة أن ثلاثة منهم أعضاء في مجموعة البريكس (البرازيل والهند وجنوب إفريقيا)، والثلاثة الآخرين (إندونيسيا والمملكة العربية السعودية وتركيا) هم المرشحون الرئيسيون للتوسع الحتمي لـ”بريكس+”، والذي ستتم مناقشته بالفعل في قمة البريكس المقبلة في آب القادم في جنوب إفريقيا.
وعليه، يبقى التكتيك الأمريكي ثابتاً وهو “فرق تسد”، ومحاولات تقويض البريكس من الداخل من خلال عمليات العلاقات العامة والطابور الخامس واسع النطاق، بالإضافة إلى محاولات الثورة الملونة وتغيير النظام. وفي الآونة الأخيرة، فشلت هذه التكتيكات فشلاً ذريعاً في سورية، وفشلت أيضاً في إثارة الاضطرابات داخل الثلاثي الرئيسي روسيا والهند والصين.
وبحسب مراقبين، كان التسريب، مرة أخرى، مسرحية ظل، وطبقة إضافية من ضباب الحرب مرتبط بحرب مستمرة. وهنا من الضرورة بمكان التنويه بأن المناورة “السرية” حدثت قبل أن يعطي هؤلاء الغربيون كييف الضوء الأخضر لقصف سد كاخوفكا، والبدء الفعلي “للهجوم المضاد” الأوكراني، والمحكوم عليه بالفشل، لأن السيناريو الأكثر واقعية هو أن تناقش الصين والهند قضاياهما الحدودية المستعصية على طاولة واحدة، فهما ليستا بحاجة للذهاب إلى سنغافورة من أجل ذلك، بل بوسعهما القيام به في إطار منظمة شنغهاي للتعاون، وكلاهما عضوان، حيث تلعب روسيا دور الوسيط.
بكل الأحوال سوف تسير رواية المخابرات الأمريكية على النحو التالي: “نحن بحاجة بشدة إلى استراتيجية خروج الآن، لذلك يجب أن تعمل المخابرات الصينية على إقناع الروس بتجميد ساحة المعركة كما هي، أي نوع من وقف إطلاق النار. بعد ذلك، يمكننا إعادة تسليح كييف واستئناف القتال لاحقاً”.
حقيقةً، يعرف أي شخص تابع التبادلات رفيعة المستوى بين روسيا والصين خلال الأشهر القليلة الماضية أن هذا هراء، إذ تدرك موسكو وبكين تماماً أن الحرب بالوكالة التي تشنّها الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي في أوكرانيا ضد روسيا هي مجرد بروفة للحرب التالية ضد الصين، والذريعة جاهزة هي تايوان. وبالتالي، فإن الاعتقاد بأن المخابرات الصينية سوف ترضخ عن طيب خاطر لأهواء العيون الخمس لأنهم يعتقدون أن الصين في وضع جيوسياسي محفوف بالمخاطر أمر يدعو إلى الضحك، فهذه الرواية جزء لا يتجزأ من بروباغندا مراكز الفكر الامريكية!.