أخبارصحيفة البعث

اليمين الفرنسي يواصل نظرته الاستعمارية للجزائر

تقرير إخباري  

تمرّ العلاقات الجزائرية الفرنسية وخصوصاً في الفترة الراهنة بنوع من التقلّب الحاد، إن لم نقل التراجع، وفق مؤشرات ومسبّبات عديدة، فزيارة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى موسكو كانت ذات مضامين ومؤشرات عديدة من حيث الزمن والأهداف، حيث جاءت بعد تأجيل زيارته إلى باريس عدّة مرات للقاء نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، كما أنها تزامنت مع فتور أوروبي تجاه الجزائر قوبل بردٍّ واضح من الأخيرة مفاده أن شراكاتها وخياراتها متعدّدة وقوية مهما كان الظرف العالمي يمرّ بمخاضات صعبة، بل ذهبت أبعد من ذلك في حثّ الخُطا نحو انضمامها إلى “بريكس” الذي تسعى دوله لأن تكون أقطاباً عالمية متعدّدة، وأن تكسر هيمنة عملتَي الغرب على الاقتصاد العالمي والمبادلات التجارية الدولية.

من جهةٍ ثانية، أعاد الرئيس الجزائري فقرة محذوفة إلى النشيد الوطني الجزائري تتضمّن الوعيد لفرنسا على استعمارها السابق للجزائر، وكان هدف الخطوة حسب خبراء جزائريين إرسال رسالة القوة وتمجيد المقاومة والفخر بالإرث الحضاري للأمة الجزائرية، لكن دوائر اليمين المتطرّف الفرنسية وعدداً من السياسيين أُثيرت حفيظتهم نتيجةً لذلك، وأرادوا لبلادهم الضغط على الجزائر والتدخّل في شؤونها الداخلية بما فيها النشيد الوطني وكأنه شأن فرنسي داخلي، وهذا ما يعكس تجذّر وتأصّل النظرة الاستعمارية لفرنسا حتى وإن تتالت وتعاقبت وتغيّرت حكوماتها، حيث إنها ما زالت تحتفظ بنظرة التبعية تجاه الجزائر وحتى كامل إفريقيا رغم استقلالهم منذ عقود، ويعمل اليمين الفرنسي الآن عبر أزمة النشيد على إشعال أزمة صامتة مع الجزائر تهدف إلى منع التقارب الجزائري الفرنسي وإقامة علاقة متساوية بين البلدين، حتى وإن كانت هناك صداقة أو تقارب بين تبون وماكرون، فمشروعهم الاستعماري القديم لا يزال تحت الرماد، وما أجّجه الآن هو خروج الجزائر بخُطاً متسارعة من العباءة الفرنسية والغربية عموماً.

كذلك تسعى تلك الأحزاب وبصوت مرتفع لتعديل اتفاقية الهجرة أو إلغائها بين باريس والجزائر على اعتبار أنها تعطي أفضلياتٍ وتسهيلاتٍ للمهاجر الجزائري في فرنسا، بهدف تحقيق مكاسب انتخابية والهروب من الأزمات الفرنسية الداخلية الخانقة عبر تصعيد خارجي، ففرنسا ترزح منذ سنوات تحت وطأة أزمات التضخّم والاحتجاجات العمالية وضغط أعداد المهاجرين، وحتى الآن لم ولن تفلح حكوماتها بحل هذه الملفات الآخذة بالتفاقم، وهي الآن تمارس سياسة الهروب عبر التوظيف السياسي لأزماتها لا أكثر.

لكن رغم سوداوية المشهد فإن اليمين المتطرّف لا يمثل كل فرنسا، كما أن تعديل الاتفاقيات مع الجزائر أو إلغاءها أو إدارة الظهر لها في أي بند سياسي لم ولن يكون في مصلحة فرنسا على جميع الصعد وهذا ما يذكرنا بأزمة منح التأشيرات في العام الماضي، وكيف قابلتها الجزائر بقرار قوي لإغلاق الأجواء بوجه باريس، فمهما ادّعت تلك الدوائر قدرتها على ممارسة الضغوط لن تفلح في حرف الجزائر عن توجّهاتها داخلياً أو خارجياً، ولن يكون أمام تلك القوى سوى الاقتداء بعلاقات “الأخوة والتعاون” التي سبق أن دعا إليها الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك واحترام الجزائر ككيان مستقل وحرّ الخيارات.

بشار محي الدين المحمد