في ذكرى تحريرها.. القنيطرة شاهد على حقد وهمجية الصهاينة
د. معن منيف سليمان
تمكّن جيشنا العربي السوري الباسل من استعادة القنيطرة، ورفع العلم العربي السوري في سمائها على يد القائد المؤسّس حافظ الأسد في السادس والعشرين من شهر حزيران 1974، وسط احتفال جماهير شعبنا وأمتنا بهذا الحدث الوطني والقومي الكبير.
كان تحرير القنيطرة نتيجة مهمّة من نتائج حرب تشرين التحريرية التي قادها المؤسّس حافظ الأسد بحكمة واقتدار، وتتويجاً لبطولات قواتنا المسلحة التي خاضت معارك الشرف والعزة على مرتفعات الجولان وجبل الشيخ، وترجمة حيّة لتضحيات شهدائنا الأبرار الذين مزجوا دماءهم الطاهرة بتراب الجولان وثلوج جبل الشيخ، وتعبيراً عن صمود وإرادة شعبنا العربي السوري المصمّم على التحرير والمضي في الطريق حتى النصر.
ولقد أماط تحرير القنيطرة اللثام عن وجه قبيح طالما حاول العدو الصهيوني إخفاءه، وأوضح للعالم بأسره حقيقته الوحشية والهمجية، حيث حوّلت آلة الدمار الصهيونية مدينة القنيطرة إلى ركام، ولم تسلم أحجار المدينة وأشجارها من وحشية هذا العدو الغاصب، حتى دور العبادة والمدارس والمشافي لم تستثن من حقد القوات الصهيونية، وأصرّ هؤلاء الغزاة البرابرة ألا يخرجوا من هذه المدينة وفيها شيء ينبض بالحياة، حتى أن بعض جنود الحقد الصهيوني كتب عبارات بما يسمّى “اللغة العبرية”: “أنتم تريدون استرجاع القنيطرة، هاكم إياها مدمرة”.
تعدّ الأعمال التدميرية الشائنة التي قام بها العدو الصهيوني بحق مدينة القنيطرة السورية شاهداً حياً على وحشيته ونزعته الإجرامية والتخريبية، ودليلاً ساطعاً على فقدان الأمل بالسلام مع عدوٍّ قامت عقيدته على اغتصاب الأراضي والأملاك من أصحابها العرب وطردهم من مدنهم وقراهم أو تدميرها بدافع الحقد والنقمة والتعطش للانتقام.
استخدم المخربون الصهاينة الجرافات الضخمة والمتفجرات في عملية التخريب والتدمير المنظمة والمتعمدة، وعملوا لعدة أيام دون توقف بتصميم وخبرة، فحوّلوا كافة أبنية المدينة إلى قاع صفصف لكي لا يجد العائدون إليها من السكان أي مكان يأوون إليه، ورافق عمليات التخريب والتدمير أعمال النهب والسرقة، فحمل الصهاينة معهم أثاث المساجد ومحتويات المحال التجارية ومولدات الكهرباء الضخمة المائية والأنابيب الخاصة بمياه الشرب والري، وقد ملؤوا خزانات المياه والآبار بزيت الديزل والنفط والقاذورات، ونهبوا ودمروا كل شيء وحرثوا القنيطرة حرثاً، وكأن لعنة أكلت الأرض، وما بقي من ركام يشير إلى عدو يمتلك قلباً كأتون نار، يضطرم بالحقد والبغض وضراوة الانتقام.
كانت القنيطرة مركزاً لمحافظة تحمل اسمها في منطقة الجولان، وكان عدد سكانها قبيل الاحتلال الصهيوني لها عام 1967 ثلاثة وخمسين ألفاً، وكانت المدينة تنبض بالحياة، وتموج بالحركة، وترتقي على سلم التقدم والتطور بخطوات سريعة، وكانت تزخر بالمنشآت العمرانية الدينية، والإدارية، والتعليمية، والثقافية، والرياضية، والأسواق التجارية، والأبنية السكنية، ولم تزل على هذه الحال من الازدهار حتى عبثت بها يد الدمار والخراب الصهيونية، فأحالت المدينة إلى كومة من ركام الحجر والإسمنت، وكأننا في مدينة هيروشيما اليابانية.
إن ذكرى تحرير القنيطرة من كل عام مناسبة تؤكد من خلالها جماهير شعبنا في القطر العربي السوري تمسّكها بكل شبر من أرضها المحتلة، وتجدّد دعمها لأهلنا الصامدين في الجولان المحتل الذين رفضوا ما يسمّى “الهوية الإسرائيلية”، وأعلنوا الإضراب الشامل وقدموا التضحيات الجسام من شهداء وأسرى فداءً للوطن، مؤكدين تمسكهم بهويتهم العربية السورية بكل فخر وعز، ومؤمنين أشدّ الإيمان بعودة الجولان إلى الوطن الأم سورية عودة كاملة غير منقوصة، لأن عودة الجولان كما قال السيد الرئيس بشار الأسد: “أمر غير قابل للتفاوض، والأرض هي موضوع كرامة وليست موضوع أمتار”. وشعبنا الذي ضحّى بالغالي والنفيس في حرب تشرين لن يهنأ له بال حتى يرى كامل تراب الجولان وقد تحرّر من كابوس الاحتلال الصهيوني وقطعانه من المجموعات الإرهابية المسلحة.