دراساتصحيفة البعث

في ذكرى تحرير القنيطرة.. إصرار على تحرير كامل الجولان المحتل

القنيطرة- محمد غالب حسين

في السادس والعشرين من حزيران تنداح بي الذاكرة تسعة وأربعين عاماً خلت، إلى يوم السادس والعشرين من حزيران 1974، حين تقدّم القائد المؤسّس الرئيس الراحل حافظ الأسد، محفوفاً بزحوف أبناء الشعب، وقبّل علم الوطن، ورفعه شامخاً عالياً في سماء مدينة القنيطرة إيذاناً بتحريرها مع عدة قرى ومزارع في الجولان ومنطلقاً لتحرير الجولان المحتل حتى آخر ذرة من ترابه.

وما زالت ذاكرة أبناء الجولان تختزن ذكريات مهمّة ومفصلة عن حرب تشرين التحريرية، وحرب الاستنزاف، لأن أرض الجولان كانت مسرحاً لأحداثها وبطولاتها. وأبناء الجولان أكثر اهتماماً بتفاصيلها لأنهم عاشوا أيامها وعرفوا دقائقها، وعاصروا ذلك اليوم الوطني الجولاني الأغر يوم السادس والعشرين من حزيران عام ١٩٧٤.

ويتحدث الشّيخ خالد الحمادة من قرية جبا عن ذكرياته قائلاً: “إن تحرير مدينة القنيطرة كان ثمرة مباركة لحرب تشرين التحريرية الخالدة وبطولات الجيش العربي الباسل في جبل الشيخ وبطاح الجولان التي شهدت أشرس معارك الدبابات في العالم، بعد أن قام جنودنا الأباة بتدمير خط آلون الذي قام الاحتلال الإسرائيلي بتحصينه واجتازوه نحو عمق الجولان”.

أما الباحث الجولاني فوزي عطية المحمد، من قرية راوية، فاستذكر نشوة النصر وفرحة تحرير مدينة القنيطرة قائلاً: “كنت آنذاك طالباً في المرحلة الثانوية وعشت كما كل أبناء الوطن أيام العز والفخار في حرب تشرين التحريرية، حيث كان الوطن والشعب والأمة على موعد مع النصر مع ملحمة العرب الكبرى في العصر الحديث”.

واليوم بحضرة ذكرى الفرح الجولاني، نؤكد أن الجولان هو الأغلى والأسمى، ولأن الجولان لنا ونحن الجولان الذي تشكّل ترابه من رفات الشبول النشامى، نذكر اليوم أملاً لا يخامره شك أن نحرّر أخوات القنيطرة وفلذات كبدها، وكل شبر من تراب الجولان الحبيب.

لقد شهدت محافظة القنيطرة بعد تحرير مدينة القنيطرة ولادة جديدة ونهضة شاملة في مجال الإعمار، حيث تضمّ كل قرية من القرى النموذجية الحديثة التي تمّ إعمارها منظومة خدمية متكاملة من شبكات مياه الشرب والكهرباء والصرف الصحي والهاتف والمدارس والمراكز الصحية والوحدات الإرشادية الزراعية والريفية، إضافة لبناء مستشفى الشهيد ممدوح أباظة، وترافق ذلك مع توفير مستلزمات النهضة الزراعية حيث تمّ بناء السدود.

وقد تنامى الاهتمام بمحافظة القنيطرة من قبل السيد الرئيس بشار الأسد الذي منح الأولوية والأهمية لمشاريع محافظة القنيطرة التنموية والخدمية. وتمّ إحداث الكليات الجامعية والمعاهد المختلفة، ومنح الأفضلية لأبناء محافظة القنيطرة فيها، ناهيك عن الاستصلاح المجاني لأراضي الفلاحين الوعرة والبدء بإعادة إعمار قريتي القحطانية والعشة، كما توسّعت مدينة البعث عمرانياً ببناء مئات الوحدات السكنية الطابقية، وبناء سد المنطرة والاهتمام الخدمي والصحي والتربوي بتجمعات أبناء محافظة القنيطرة في محافظات دمشق ودرعا وحمص وريف دمشق.

ونستذكر بهذه المناسبة بفخر الأهل الأباة في الجولان السوري المحتل بقرى مجدل شمس ومسعدة والغجر وعين قنية وبقعاثا الذين رفضوا الاحتلال الإسرائيلي وما صدر عنه من قرارات احتلالية زائلة وإجراءات عدوانية باطلة ويعلنون على الدوام الانتماء الراسخ الثابث للوطن الأم سورية، والتمسّك بالهوية العربية السورية والاعتزاز بها والولاء لقائد الوطن السيد الرئيس بشار الأسد والثقة الأكيدة التي لا يخامرها شك بتحرير كامل تراب الجولان.

كما نستذكر كيف واجه أبناء القنيطرة بكل عزم وثبات العصابات الإرهابية المسلحة المرتبطة مع الاحتلال الإسرائيلي، وقدموا الأرواح الزكية والدماء الطاهرة التي أزهرت نصراً وتوهّجت فخراً، واستطاعوا بفضل بطولات الجيش العربي السوري الباسل تطهير المحافظة من رجس الإرهابيين ودَنس التكفيريين.

وبالأمس القريب، صرخة سوريّة أطلقتها أرض الجولان السوري المحتل بوجه آلة الإرهاب الإسرائيلية الصهيونية، وبملء الحناجر هتف أبناء الجولان الأباة المناضلون بقرى مجدل شمس ومسعدة وعين قنية والغجر وبقعاثا: “هذه الأرض لنا وهي أمانة في أعناقنا ولن نفرط بها ولن نتراجع مهما زاد إرهاب الاحتلال”.

يوم غضب وإضراب عام أعلنه أبناء الجولان السوري المحتل قبل أيام، رفضاً لإجراءات الاحتلال الإسرائيلي بحقهم، وبحق أرضهم عبر إقامة ما يسمّى “مشروع التوربينات” على أراضيهم الزراعية، ومنذ ساعات الصباح الأولى احتشد المئات من الأهالي في مجمع أبي ذر الغفاري بمنطقة المرج، ليتوجهوا بعدها إلى منطقة الحفاير شرق قرية مسعدة التي أغلق الاحتلال الطرق المؤدية إليها، وبدأ بتجريف مساحات من أراضيها الزراعية لتنفيذ مخططه الاستيطاني الجديد.

لم يمنع إغلاق قوات الاحتلال للطرق الأهالي من الوصول إلى المنطقة، فقد سلك أبناء الأرض الطرق الوعرة للوصول إلى حيث تقوم آليات الاحتلال بتجريف أراضيهم، كما لم تنفع تعزيزات قوات الاحتلال الكبيرة، وتحليق طيرانه المسير، ورصاص وقنابل غازه السام، في إسكات صوت الحق السوري، وكما أكد أبناء الجولان افتدوا أرضهم بدمهم، حيث أصيب العشرات منهم برصاص الاحتلال بينهم إصابات خطرة، ومنعت قوات الاحتلال سيارات الإسعاف من الوصول إليهم، واعتقلت 10 شبان.

موقف تاريخي مشرّف جديد سجله أبناء الجولان السوري المحتل، في سجلهم الحافل بالمقاومة والبطولة والتضحية والصمود، ليكون مشهد محاولتهم فتح منافذ عبر السياج الفاصل بين جزئي الوطن، لنقل الجرحى منهم إلى مشافي وطنهم الأم، مشهد ترك أثراً بالغاً في وجدان كل سوري.

لم يقف باقي أبناء قرى الجولان مكتوفي الأيدي، فالمواجهات مع الاحتلال اتسعت لتنتقل إلى قرية مسعدة، حيث أحكم المتظاهرون الطوّق على نقطة قوات الاحتلال المتواجدة في القرية، ما أجبر سلطاته على إرسال رسائل لقادة المقاومة في الجولان طلباً للتفاوض، الأمر الذي ردّ عليه المقاومون بأنه لا تنازل عن إزالة التوربينات من أراضيهم وإطلاق سراح جميع المعتقلين.

وينفّذ أهالي الجولان المحتل منذ العام 2019 إضرابات عامة وشاملة واعتصامات ومظاهرات ووقفات احتجاجية للتصدي لمخطط التوربينات، الذي يعدّ من أخطر المخططات الاستعمارية التهويدية التي تستهدف الجولان، في انتهاك للاتفاقيات الدولية الخاصة بحماية الشعوب الواقعة تحت الاحتلال ولقرارات الأمم المتحدة، وفي مقدمتها قرار مجلس الأمن رقم 497 لعام 1981، التي تؤكد أن جميع إجراءات الاحتلال في الجولان السوري المحتل لاغية وباطلة.