“هون حفرنا وهون طمرنا”!!
معن الغادري
وعود كثيرة جاهرت بها وزارة التربية سابقاً وقبل بدء امتحانات شهادتي التعليم الأساسي والثانوي لهذا العام، لجهة تطوير خططها وبرامجها وسعيها الدؤوب للنهوض بالواقع التربوي والتعليمي وانتظام واستقرار العملية الامتحانية، واتخاذ كلّ ما يلزم من إجراءات وضوابط لضمان نجاحها وخلوها من أي أخطاء أو شوائب قد تعكّر الأجواء الامتحانية. ومع تقديرنا الكبير للجهد المبذول من قبل وزارة التربية، في ضبط العملية التعليمية والامتحانية، نجد أن حساباتها لم تتطابق مع صندوق امتحاناتها هذه المرة، إذ كشفت الوقائع والمشاهدات المنظورة، وغير المنظورة، والتي مرّت مرور الكرام في عدد كبير من المراكز الامتحانية في المحافظات، ومنها حلب على وجه التحديد، ضعف وهشاشة الجسم التربوي، شأنه شأن غيره من قطاعات العمل الحكومي المثقلة بالمشكلات والتجاوزات الإدارية والمالية!.
وبعيداً عما أثير حول تسريب أسئلة الامتحانات لمادة أو مادتين، وما اتخذته الوزارة من إجراءات قانونية بحق المرتكبين والفاعلين، نجد أن المشكلة أكبر بكثير من محاولات تسريب الأسئلة وبيعها للطلاب قبل ساعة أو ساعتين من بدء الامتحانات. وهنا نشير إلى عشرات بل مئات الحالات المرتبطة بآلية مراقبة الامتحانات، والصلاحيات الممنوحة لمديري المراكز والمراقبين، واستغلال البعض -وليس الكل بطبيعة الحال- مهمّة إشرافهم على الامتحانات لعقد صفقات مسبقة بشكل مباشر، أو عن طريق وسطاء مع الطلاب والأهالي لكسب مبالغ مالية ليست بقليلة مقابل غضّ النظر أو تمرير أجوبة الأسئلة لهم أثناء سير العملية الامتحانية. وهنا يصعب تعداد وحصر هذه الحالات، والتي أخذت شكلاً من أشكال التباهي لدى البعض من الذين نجحوا في إتمام عقد هذه الشراكة الخاصة مع المراقبين أو المشرفين على المراكز الامتحانية، وعلى مبدأ “يا دار ما دخلك شر”!!، و”هون حفرنا وهون طمرنا!!”.
أمام هذا المشهد، ثمّة الكثير من الأسئلة، وهي تخصّ طبيعة العمل والمهام المنوطة ببعض المفاصل الحسّاسة في مديريات الوزارة والتي يثار من حولها الكثير من اللغط والجدل سابقاً وحالياً، والأسباب الكامنة وراء ترك الحبل على الغارب، وعلى هذا النحو الذي يضرّ بقدسية وأدبيات وأخلاق المهنة الأسمى وهي التعليم.. أمام هذا الملف الأكثر حساسية من غيره، تبدو الحاجة أكثر من ماسة لتنظيف الجسم التربوي من الأخطاء والشوائب والمنغصات، واتخاذ حزمة جديدة من القرارات الجريئة والحاسمة لتصحيح مسار العملية الامتحانية قبيل الدورة التكميلية القادمة لعلها تكفّر عما سبق من أخطاء ومخالفات جسيمة.
خلاصة القول: العملية التربوية والتعليمية في حلب ليست على ما يرام، وتحتاج إلى إعادة نظر وفق آليات تشخيص واقعية ومنطقية ومدروسة بعيداً عن المحسوبيات والولاءات الشخصية، كما تحتاج إلى رؤية جديدة تعيد لهذه المنظومة التربوية بمضمونها الأخلاقي والإنساني والاجتماعي، هيبتها ووقارها، فهل ستشهد العملية التعليمية تغييراً حقيقياً في الشكل والمضمون؟ وهل ستشهد حلب زيارة قريبة لوزير التربية لرصد العملية التعليمية والامتحانية دون رتوش وعمليات تجميل كما درجت العادة؟.