نظرية أحجار الدومينو.. هل تنتقل عدوى الاحتجاجات إلى سائر الدول الأوروبية
البعث الأسبوعية – طلال ياسر الزعبي
هل بات المناخ مناسباً في المجتمعات الأوروبية لاندلاع احتجاجات دموية في الشارع الأوروبي تحدث تغييراً دراماتيكياً في المشهد السياسي القائم هناك؟.
سؤال كبير لا يمكن الإجابة عنه إلا من خلال دراسة أثر نظرية أحجار الدومينو التي بنت الحكومات الغربية عليها عندما حرّكت الاحتجاجات في الدول العربية تحت عنوان مفتعل سمّته “الربيع العربي”، حيث جعلت من الاحتجاجات على الواقع الاقتصادي والاجتماعي القائم في الدول العربية مدخلاً لتدمير هذه الدول ونشر الاقتتال الطائفي والمذهبي بين أبنائها تحت عناوين براقة مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة وغيرها من العناوين العريضة التي يتبجّح الغرب الجماعي في الحديث عنها بين الفينة والأخرى.
المراقب للاحتجاجات التي اندلعت في فرنسا خلال الأيام الماضية على خلفية قتل المراهق الفرنسي من أصول جزائرية نائل المرزوقي، يستطيع أن يجد رابطاً واضحاً في هذا المشهد بين الدول الأوروبية مجتمعة، فالسبب المباشر لاندلاع الاحتجاجات متوفر في جميع المجتمعات الأوروبية التي تعاني من التمييز بين المهاجرين والسكان الأصليين، فضلاً عن التمييز على أساس عرقي وديني ومذهبي وطبقي، وحتى على مستوى ما أفرزته الحرب في أوكرانيا من تحريض غربي متعمّد على الطائفة الأرثوذكسية في أوكرانيا وروسيا وسائر دول أوروبا.
كل ذلك ربّما يتيح لنا الحديث عن أرضية مناسبة لما يمكن تسميته على وجه الحقيقة ربيعاً غربياً وشيكاً، حيث أصبحت الحكومات الغربية تتحدّث صراحة عن إمكانية انتقال عدوى الاحتجاجات من فرنسا إليها، فهذا المستشار الألماني أولاف شولتس يعرب عن قلقه من استمرار أعمال الشغب في المدن الفرنسية، ما أدّى إلى إلغاء زيارة دولة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى ألمانيا، آملاً أن يكون لدى رئيس الدولة الفرنسية السبل لضمان تحسّن الوضع سريعاً، ومستبعداً أن تكون هناك إمكانية لحدوث احتجاجات مماثلة في بلاده، حيث قال لقناة ARD التلفزيونية: “لا توجد مؤشرات على ذلك”.
غير أن شولتس شخّص الأسباب الحقيقية لاندلاع مثل هذه الاحتجاجات، وهي الأسباب الاقتصادية، مدّعياً أنه فعل الكثير للتخفيف من العواقب المرتبطة بارتفاع تكلفة إمدادات الطاقة من جميع أنحاء العالم إلى ألمانيا، وبذل، بسرعة، كل جهد ممكن لضمان إمدادات الطاقة، وأن لدى ألمانيا “ثقافة شراكة اجتماعية طويلة الأمد” و”مستقبلاً اقتصادياً جيداً”.
وفي الوقت نفسه، قالت صحيفة 20Minutes، نقلاً عن مصدر في الشرطة السويسرية: إنه تم اعتقال سبعة أشخاص بينهم ستة قاصرين، خلال أعمال الشغب الليلية في مدينة لوزان السويسرية.
وأشارت الصحيفة إلى أن الوضع في فرنسا المجاورة، أثار الهيجان في النفوس لدى البعض في سويسرا، وانتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي الدعوات للنزول إلى الشوارع.
وهاجم المتظاهرون المحلات التجارية وتصدّوا لرجال الشرطة الذين هرعوا لمقابلتهم. وحسب شهود عيان، شارك أكثر من 100 شخص في أعمال الشغب هذه: رموا رجال الشرطة بالحجارة وبزجاجة حارقة واحدة على الأقل. وكان من بينهم أطفال تقل أعمارهم عن 15 عاماً.
وبالنظر إلى الثقافة التي تمتلكها نقابتا العاملين في الشرطة الفرنسية-Police Nationale وUnsa Police في التعامل مع هذا النوع من الاحتجاجات يتبيّن أن المشهد متشابه في عموم أوروبا وليس فقط في فرنسا التي تدّعي أنها حريصة على الحريات، حيث أصدرتا بياناً قالتا فيه: “في مواجهة هذه الجحافل المتوحّشة، لم يعُد يكفي طلب الهدوء، يجب أن نقوم بتحقيقه بالقوة. زملاؤنا، مثل معظم المواطنين شبعوا حتى الثمالة من المعاناة التي تقوم هذه الأقليات العدوانية بفرضها”.
وهذا ما دعا المتحدّثة باسم الخارجية الروسية إلى السخرية من الادّعاءات الفرنسية بقولها: “هذا كل ما في الأمر. لقد انكشف كل شيء. التسامح الزائف ينهار أمام أعيننا. تستعرض الليبرالية وتبدي تناقضاتٍ لا تتوافق مع الحياة”.
فالنظرة في المجتمعات الأوروبية إلى المهاجرين لا تختلف بين بلد وآخر، وبالتالي فإن المشكلات التي تعانيها هذه المجتمعات تبدو متشابهة إلى حدّ كبير، كما أن الحكومات الغربية التي سوّقت طويلاً لمشاهد العنف التي دأبت على صناعتها في المجتمعات العربية خلال ما سمّي زوراً “الربيع العربي”، لا تستطيع الآن تغيير الصورة النمطية التي رسّختها في أذهان الشباب الأوروبي حول الحرية التي يتم على أساسها تدمير وحرق منشآت الدولة ومراكز الشرطة والبلديات والمراكز التجارية، فليس من المعقول أن تسمّي ما حدث في الدول العربية وإيران خلال العقد الماضي على أنه حرية، ثم عندما يتعلّق الأمر بالدول الغربية يتحوّل إلى إرهاب وعنف تنبغي مواجهته بالقوة.
كذلك لا تستطيع الدول الغربية أن تهرب من النظرية التي اعتمدتها في نقل الاحتجاجات من دولة عربية إلى أخرى، لأن نظرية الدومينو هذه التي سوّقت لها طويلاً ستصبح أساساً مستقبلاً لاندلاع أحداث شاملة في الدول الغربية، وخاصة أن الوضع الآن مهيّأ أكثر من أيّ وقت لمثل هذا السيناريو، حيث تعاني الدول الغربية دون استثناء من مشكلات اقتصادية خانقة على خلفية العقوبات الغربية المفروضة على روسيا من جانب واحد، وخاصة فيما يخص قطاع الطاقة الذي يعدّ الحامل الأساسي للتنمية في الدول الأوروبية، وليس غريباً مطلقاً أن تكون مشكلات مثل التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة ونقص الوقود محرّضاً على احتجاجات شعبية حقيقية، وليست مفتعلة، في هذه الدول.
ومن هنا، فإن الأسباب المؤدّية إلى انتقال عدوى الاحتجاجات من فرنسا إلى سائر الدول الأوروبية متوفّرة فعلاً، ولا يستطيع المستشار الألماني ولا غيره من الزعماء الأوروبيين المنغمسين في إشعال فتيل الحرب في أوكرانيا وتغذية المجتمعات الأوروبية بالكراهية والحقد، ودعم النظام الأوكراني النازي، والترويج للحريات في الدول العربية باستخدام العنف والإرهاب، والعصابات المسلحة الإرهابية، الهروب من حقيقة أن كل ما تم التسويق له من ثورات ملوّنة و”ربيع عربي” واضطرابات واحتجاجات وأعمال عنف في روسيا وإيران والصين والدول العربية، لا بدّ أن ينقلب على صاحبه في يوم من الأيام، وأن العالم صغير ويجب على الجميع العلم أن الثقافة التي يتم تسويقها فيه سوف يتم تعميمها على الجميع، وليست أوروبا في منأى عن نظرية الدومينو التي ساهمت في صناعتها، كما أنها ليست الآن في وضع يتيح لها التحدّث عن التماسك المجتمعي، حيث بلغت المجتمعات الأوروبية مستوى عالياً من التفكّك والشرذمة على خلفية محاولات فرض أنماط جديدة من الحياة على الشعوب الأوروبية، وعلى رأسها الترويج للمثلية الجنسية مع كل ما تحمله من مخاطر على المجتمعات.