“فايت بالحيط” !
بشير فرزان
تلخص هذه الجملة واقعاً حياتياً ومعاشياً صعباً وتختزل العلاقة غير المتوزانة بين الدخل والإنفاق في حياة الناس الذين يتذوقون الآن مرارة أفكار العقلنة والترشيد التي كان لهد الدور الأكبر في أفراغ سلتهم الغذائية من كل مايسد الرمق والأخطر من ذلك أنها نسفت الثقة بتلك السياسات التي طالما رسمتها الأقلام الخضراء كخرائط لتوجهاتها المستقبلية ..كما تشخص هذه الجملة واقع عمل المؤسسات العامة بمختلف أنواعها الخدمية والإنتاجية والاقتصادية التي صدمت المواطن بأدائها الضعيف فلم تقم بمهامها على أكمل وجه ورسبت في امتحان الظروف الاستثنائية وساهمت بشكل أو بأخر في تعميق المشكلات وتغييب الحلول .
وبالرغم من الحرص على تحييد الاستفسارات عن صيغة الاتهام المباشر والنبش في الماضي إلا أنه لا يمكن القفز فوق معاناة الناس في ماراثون الوجه الأخر ولن نستطيع إلا التأكيد على أن عصمة الحقيقة التي يمثلها الواقع المعيشي تشكل دلائل وبراهين على أنه حتى هذه اللحظة لم تقرأ القضايا بموضوعية المصداقية التي باتت المطلب الأكثر إلحاحاً وحضوراً في كل شارع وسوق ومؤسسة فالكثير من الخدمات تؤطرها القوانين والأنظمة وتحكمها الممارسات الفردية المشبوهة والمخالفات المسؤولة ببصمات (الموقع والصفة الاعتبارية).
ولاشك في أن الكثير من الوقائع الحياتية بتفاصيلها المؤلمة تضع أي تغيير في منظومة القرار المؤسساتي أو المعاشي المرتقب في قلب معركة خاسرة مع محدودية الخيارات التي تمتلك مؤهلات صنع القرار الصحيح وفي مواجهة مباشرة مع حراك السوق التصاعدي والجيوب الخاوية ودفاتر الدائنين وبشكل يؤكد الحاجة إلى قرار جريء ونهج اقتصادي صحيح يحقق التوازن بين الدخل والإنفاق الأسري بعيداً عن جولات الكر والفر والحملات الإعلامية والخطابية الحاشدة ضد الدولار وقرقعة المواجهات الساخنة على ساحة تخفيضه التي لم تستطع انتشال الدخل الأسري من هاوية العجز فالإمكانيات التي حشدت ووجهت باتجاه الأسواق لم تكن بالمستوى المطلوب و فشلت جميع الجهود الرامية لضبط الأسعار .
ويبدو أن المطالبة بإيقاظ المحاسبة من سباتها وتفعيل وجودها في الملفات الحياتية والخدمية التي تلفظ أنفاسها الأخيرة والتمسك بفتح الدفاتر القديمة ليس مجدياً في هذا الوقت تحديداً والأجدى أعطاء فرصة لأفكار جديدة في إطار تغيير شامل بدلاً من الانشغال في ترميم وترقيع منظومة القرار التي لم تحرز تقدماً على جبهة الواقع المعيشي وكرست عبر قراراتها المتتالية انتكاسات الـ”فايت بالحيط “.