دراساتصحيفة البعث

ملف المهاجرين يطيح بالحكومة الهولندية

هيفاء علي

أعلن رئيس الوزراء الهولندي، مارك روته، أنه سيتقدّم باستقالته قريباً بسبب الخلافات داخل الائتلاف الحاكم بشأن الإجراءات اللازمة للحدّ من تدفق المهاجرين. ويأتي انهيار الائتلاف الحكومي بعد عام ونصف من المكوث في الحكم، تعرّض خلالها للعديد من المحطات الصعبة، والعراقيل التي أفضت في النهاية إلى تلك الهشاشة التي بات عليها، في ظل تباين الرؤى إزاء العديد من الملفات والقضايا التي يتعامل معها زعيم “حزب الشعب من أجل الحرية والديمقراطية” اليميني الليبرالي، روته، على أنها مسائل أمن قومي لا يمكن المرونة بشأنها.

وبهذه الخطوة قد يُنهي زعيم “حزب الشعب من أجل الحرية والديمقراطية” مسيرته السياسية كرئيس للحكومة بعد 12 عاماً قضاها في السلطة، رغم الفضائح التي تعرّض لها خلال فترات حكمه الثلاث، لتصبح بذلك فترة رئاسته للحكومة ثاني أطول رئاسة حكومة في أوروبا، بعد المجري فيكتور أوربان، وسط مخاوف من عودة اليميني المتطرف، خيرت فيلدرز، للمشهد مرة أخرى.

وكان الائتلاف الرباعي المكوّن للحكومة الهولندية (حزب الليبراليين اليمينيين والحزب الديمقراطي الليبرالي وحزب الديمقراطيين المسيحيين والحزب المسيحي الأرثوذكسي)، قد دخل في مفاوضات مكثفة طيلة الفترة الأخيرة لمناقشة ملف المهاجرين، وطالبي اللجوء بعد زيادة أعدادهم خلال الآونة الأخيرة. وطالب روته بصفته زعيم الحزب صاحب الأغلبية بفرض قيود على لمّ شمل عائلات طالبي اللجوء، وذلك بتحديد سقف لأقارب المهاجرين من دول النزاع الذين يمكن لهولندا استقبالهم عند 200 شخص شهرياً، وذلك في أعقاب ما حدث العام الماضي حين اكتظت مراكز الهجرة في المملكة بمشاهد وصفت بـ”الفضيحة”.

ولكن، لم يحظَ هذا الطلب بتأييد ودعم بقية أحزاب الائتلاف، حيث رفضه الحزب الديمقراطي المسيحي، فيما أبدت أحزاب أخرى تحفظها على الطريقة التي طُرح بها هذا الطلب، وخاصةً بعد تهديد روته بتعطيل الحكومة في حال رفضه، الأمر الذي أدى إلى إطالة أمد المفاوضات حتى وقت متأخر من الخميس 6 تموز 2023 في محاولة لإنقاذ الحكومة المتعثرة التي مرّ على توليها السلطة 18 شهراً.

ويواجه رئيس الوزراء الذي هدّد بتقديم استقالته ضغوطاً كبيرةً من الأحزاب اليمينية المتطرفة بسبب ملف الهجرة، وخاصةً بعد ارتفاع عدد المتقدمين بطلبات لجوء في المملكة إلى 46 ألفاً، بزيادة قدرها 30% عن العام الماضي، فيما يتوقع أن يرتفع هذا الرقم إلى 70 ألفاً بنهاية العام الحالي، متخطياً بذلك الرقم القياسي الذي شهده عام 2015.

هذا وتواجه هولندا انتقادات حقوقية لاذعة بسبب ما وصف بأنه “تمييز وازدواجية” فجة في التعامل مع المهاجرين، فبينما تشدّد المملكة قيودها على أبناء الجنسيات العربية والإفريقية والآسيوية وضحايا مناطق النزاعات، وتزجّ بهم في العراء حيث لا مأوى ولا مأكل، تفتح أبوابها على مصراعيها أمام اللاجئين الأوكرانيين في مشهد فاضح بامتياز!.

واستشهدت المفوضية الحقوقية الأوروبية بالوضع الذي يعاني منه مركز “تير أبل” لاستقبال طالبي اللجوء في المملكة، إذ إن الطاقة الاستيعابية للمركز لا تتجاوز ألفي شخص، فيما ينام أضعافهم في العراء على مدار عدة أسابيع، دون تحرك عاجل أو كافٍ من الحكومة الهولندية، واصفةً الخيام التي ينامون فيها بأنها “ظروف إنسانية صعبة للغاية”. وبحسب مراقبين، ينتظر اليمين المتطرف بقيادة حزب “من أجل الحرية” الفرصة للقفز على السلطة مجدداً والعودة للمشهد، حيث حلّ ثالثاً في قائمة الأحزاب الأكبر كتلة داخل البرلمان في 2010، وثاني الكتل في 2017، بعد إقصاء شعبي وقضائي دام سنوات، إذ أدانته محكمة هولندية في 2016 بسبب تصريحاته العنصرية بجانب تراجع شعبيته خلال العامين الماضيين، ويتخوّف البعض من أن تكون استقالة حكومة روته بهذا الشكل طبق الذهب المقدّم للسياسي المتطرف خيرت فيلدرز لإعادته للأضواء مرة أخرى، إذ يحاول فيلدرز بين الحين والآخر، العزف على وتر المهاجرين واللاجئين لكسب دعم الشعبويين داخل بلاده، مستغلاً التداعيات الاقتصادية الصعبة للمستجدات التي شهدتها الساحة الدولية مؤخراً، وكان من بينها فرض أجندات تقشفية على بعض الشعوب لعبور تلك المرحلة الحرجة، فيما كان ملف الهجرة واللاجئين على رأس النقاشات الدائرة على موائد السلطات والحكومات في بلدان أوروبا منذ شباط 2022.

ويمثل العداء للمهاجرين المسلمين العصب الأبرز في البرنامج الانتخابي لـ فيلدرز وحزبه المتطرف الذي تعهّد في برنامجه عام 2021 بشأن استراتيجية حكمه حال الفوز في الانتخابات خلال الفترة من 2021 – 2025، بإنشاء “وزارة التطهير من الإسلام”، كما تعهد بتعريف الدين الإسلامي على أنه “أيديولوجية شمولية”، وحظر المساجد والمدارس الإسلامية ومنع انتشار الفكر الإسلامي.

ومعروف عنه تغريداته المستمرة المسيئة للجالية الإسلامية بصفة عامة، إذ يتعامل مع هذا الأمر على أنه الدجاجة التي تبيض له ذهباً، وتضعه دائماً تحت الأضواء كلما خفتت عنه، وكانت شركة “تويتر” قد حجبت حسابه في نيسان العام الماضي بسبب تغريدة له هاجم فيها الإسلام، وأشار فيها إلى رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف.

وحتى اليوم لم يعلن روته استقالة حكومته بشكل رسمي، ما يترتّب على ذلك من دعوة لانتخابات عامة عاجلة، الأمر الذي يعني احتمالية دخول جولة مفاوضات جديدة بشأن ملف الهجرة، وسط ضغوط للتوصل إلى اتفاق مع بقية أحزاب الائتلاف حفاظاً على بقاء الحكومة، وعدم منح اليمين المتطرف الفرصة التي ينتظرها.