مجلة البعث الأسبوعية

أطفال ومراهقون يقعون في فخ الفراغ القاتل!! غياب واضح وغير مبرر للأسرة والمدرسة في استثمار العطلة الصيفية!

البعث الأسبوعية – غسان فطوم

لا تتعامل الكثير من الأسر بشكل صحيح مع أوقات الفراغ، وغالباً ما يتركون أبنائهم على راحتهم دون مراقبة، الأمر الذي قد يعرضهم للخطر، خاصة الأطفال والمراهقين الذين لا يحسنون استغلال أوقات فراغهم بعد نهاية المدارس وموسم الامتحانات، حيث يسقطون في فخ الفراغ وللأسف أحياناً كثيرة تحدث مشكلات لا تحمد عقباها بسبب رفاق السوء، وهو ما يجعل وقت الفراغ من أكثر المشاكل في العطلة الصيفية، حيث يعجز الآباء عن إيجاد الحلول المناسبة في ظل الضائقة الاقتصادية المتمثلة بالغلاء الذي طال كل شيء!

حديث الآباء والأمهات

اعترفت السيدة رهام سلامة /أم لطفلين توأم بسن 12 عاماً/ أن مشكلة وقت الفراغ بعد انتهاء المدارس تؤرقها، كغيرها من الأمهات، فطفليها ضاقا زرعاً ضمن جدران غرفتهم، وتضطر “لحبسهم” ضمن حرم الدار خوفاً عليهما من رفاق السوء أولاً ومن تعرضهما لمكروه في الشارع ثانياً.

وتساءلت السيدة سلامة: لماذا تُغلق المدارس صيفاً أليس بالإمكان استثمارها بإقامة دورات رياضية أو إقامة أنشطة فنية تهتم بتنمية مواهب التلاميذ؟.

وأشارت أم التوأمين إلى أن هذا المطلب قديم لكن إدارة المدرسة في منطقتها لم تستجيب لذلك، علماً أن البعض من المراهقين الشباب يقفزون من فوق سور المدرسة ويمارسون لعب الكرة، وغالباً ما تحدث مشاكل بينهما وقد تصل الأمور إلى الضرب والأذى الجسدي بعيداً عن رقابة إدارة المدرسة والأهل!.

الأسرة حيرانة!

ولم يخفِ أبو عهد /أب لثلاثة أطفال أصغرهم في الصف السادس وأكبرهم بعمر 13 عاماً/  أنه مقصّر في تربية أو تعويد أولاده على استثمار وقت فراغهم بشيء مفيد، موضحاً أن سعيه حول تأمين لقمة عيشه في ظل هذه الظروف الصعبة هو الذي أجبره على إهمال أطفاله الذي يشعر بالذنب تجاههم على حد قوله، لكن “مجبرٌ أخاك لا بطل”، وشكا أبو الأطفال الثلاثة من عدم وجود مرافق ترفيهية عامة للدولة بأسعار مناسبة للدخل، مشيراً إلى أن أسعار المنشآت الترفيهية الخاصة مرتفعة جداً، فمثلاً كنّا زمان ندخل على المسبح بـ 500 ليرة ونسبح لأكثر من ساعتين، أما اليوم فمجرد دخولك للمسبح ستدفع 5000 ليرة وفي حال سبحت سيرتفع المبلغ، هذا عدا المصاريف الأخرى، لذلك –والقول لأبي عهد- باتت الأسرة السورية محتارة كيف تتعامل مع أوقات الفراغ في ظل هذا الغلاء الفاحش الذي حرمها أطفالها وشبابها المراهقين من السيران والمشاوير وحتى الجلوس في الحدائق!.

فراغ إلكتروني!

مدرس اللغة العربية محمد حمدان أشار إلى أمر خطير وأطلق عليه تجاوزاً “الفراغ الإلكتروني” معتبراً إياه أنه من أخطر ما يمكن أن يتعرض له الأطفال والمراهقين إن لم تُحسن الأسرة ضبط أبنائها، موضحاً أن الأجهزة الذكية التي أصبحت في متناول الجميع تشكل اليوم خطراً كبيراً على الأبناء، إذ تجعلهم ينعزلون في زوايا غرف نومهم ويقضون يومياً ساعات طويلة يتصفحون فيها مواقع الويب وصفحات التواصل الاجتماعي، بعيداً عن رقابة الأهل، مشيراً إلى وقوع الكثير من الشباب في مشاكل جراء ذلك، وخاصة الفتيات اللواتي يقعن ضحية خداع من قبل منتحلي أسماء وصفات مزيفة يحاولون إغراء الفتيات بشتى الوسائل في محاولة لابتزازهن، وما أكثر مثل هذه الحالات المسجلة في ضبوط رسمية عند الجهات المختصة.

سكين التقنية!

ويؤكد العديد من الباحثين في علم الاجتماع والتربية أن “التقنيات الحديثة استغلت وقت الفراغ استغلالاً خبيثاً ، وقطعت أوصاله ، فبعد أن كان معظم الناس يقضون أوقات الفراغ في الإصغاء للموسيقى أو قراءة كتاب أو التأمل أو السعي للفهم …اندست سكين التقنية في خاصرة الفراغ فمزقته، فأضحى الإنسان الجديد مشتتاً، عاجزاً عن فهم نفسه وواقعه”.

الأمثل والأفضل

على الطرف الآخر نرى العديد من  الشباب يحرصون على استثمار أوقات فراغهم بالشكل المفيد لهم، يقول الشاب رامي /20 عاماً/ طالب جامعي أن لا مشكلة عنده في وقت الفراغ، فهو حريص على كل ساعة بوقته والاستفادة منها في تقوية مهاراته اللغوية والتمكن أكثر من إجادة العزف على آلة الكمان، ويشير رامي إلى أنه مع مجموعة من رفاقه يترددون على أستاذ لتعليم العزف على آلة العود وآلات أخرى، وقد استفادوا منه كثيراً، فيما يحرص زياد علوش على تقوية معلوماته وصقل خبرته في علوم الحاسب والتدرب على برامج الفوتوشوف والغرافيك وغيرها من البرامج، مؤكداً أن سوق العمل باتت بحاجة للموهوبين والمتمكنين ببرامج الحاسوب، ويدين زياد لوالده بما وصل إليه من مركز متقدم كونه دائماً يشجعه ويدفعه لتعلم المزيد، وبذات الوقت ينصحه بالابتعاد عن رفاق السوء، وعدم تمضية وقته واستهلاكه بقضاء ساعات على تصفح مواقع التواصل الاجتماعي.

غياب مؤلم!

ويأسف إبراهيم الورد لغياب دور المؤسسات التعليمية من الصف الأول وحتى الجامعة عن الاهتمام باستثمار أوقات الفراغ، لذا ليس غريباً -بحسب قوله- أن يسير المجتمع نحو الأمية المعرفية في عصر تقانة المعلومات والاتصالات وفن الإدارة.

وترى السيدة منال أن من أفضل الطرق لترتيب أوقات حياتنا أن نجعل لحياتنا أهدافاً ممكنة التحقق وأن نعمل بجد على تحقيقها، مشيرة إلى وجود الكثير من وقت الفراغ الذي يضيع هدراً بلا فائدة، محمّلةً الآباء والأمهات جزءاً كبيراً من المسؤولية لعدم الاهتمام بأبنائهم وخاصة في العطلة الصيفية مما يجعلهم عرضة للخطر.

غافلون!

أستاذة أصول التربية في كلية التربية بجامعة دمشق الدكتورة نسرين موشلي أبدت أسفها على غياب دور الأهل والجهات المعنية بخصوص استثمار أوقات الفراغ كونه جانب هام في عملية التنشئة الأسرية، ويفترض برأيها العمل على تأمين مناخ أسري مستقر والاعتماد على أساليب تربوية قائمة أساساً على المرونة والتوجيه بما يتناسب مع خصائص النمو للأبناء، وتوجيههم نحو المقبول من السلوك الاجتماعي، كالاختيار الملائم من الأصدقاء، والمفيد من البرامج التلفزيونية، وتوجيههم حتى في كيفية شغل أوقات فراغهم؛ وأوضحت الدكتورة موشلي أن ترك الخيار للأبناء في شغل أوقات فراغهم دون علم ومتابعة من الوالدين سيؤدي لوقوع الكثير من المشكلات التي يصل ضررها إلى خسارة الأبناء.

وتؤكد أستاذة أصول التربية أن وقت الفراغ وخاصة خلال العطلة الصيفية يمثل  مشكلة واضحة المعالم، حيث تستهر بعض الأسر به ولا تخطط لكيفية القضاء على الفراغ بالشكل الأمثل، حيث عدد قليل جداً من الأسر تنجح في ترتيب برنامج جيد ومفيد لقضاء العطلة، فيما نسبة كبيرة يسقطون في فخ الفراغ بانتهاجهم لأساليب وطرق خاطئة ينتج من خلالها مشاكل أكبر من مشكلة الفراغ ذاته.

وأكدت على أهمية أن تعمل الأسرة والمدرسة والمؤسسات الأخرى على غرس قيمة الوقت وحسن استثماره عند الأطفال والمراهقين والشباب، فالوالدين وأفراد الأسرة مرآة الطفل، حيث يقلدهم ويسلك سلوكهم، والثابت أن المجتمع الذي لا يحترم قيمة الوقت واستثماره لا يمكن التعويل على أبنائه في أن يكونوا منضبطين وفاعلين ومنتجين!.