مجلة البعث الأسبوعية

متضررو الزلزال عالقون مابين الواقع المؤلم ومشاريع السكن البطيئة! لماذا تأخرت الحكومة حتى الآن بتبني خيار الضواحي السكنية ؟!

البعث الأسبوعية – علي عبود

اكتشف المتضررون بعد مرور أكثر من خمسة أشهر على زلزال 6/2/2023  الذي أفقدهم أعز الناس، ودمر منازلهم خلال ثوان معدودة أنهم عالقون مابين الواقع المؤلم ومشاريع السكن الحكومية التي تنفذها بالطرق التقليدية البالية البطيئة جداً، وليس بتقنيات التشييد السريع!

وإذا كانت الحكومة كشفت بتاريخ 25/4/2023 عن (تشكيل لجنة خماسية من نقابة المهندسين ووزارتي الأشغال والإدارة المحلية وأساتذة الجامعات والمقاولين لتحديد الأسباب المباشرة التي أدت إلى تضرر عدد من الأبنية الحديثة جراء الزلزال) فإن السؤال: لماذا لم تكشف الحكومة عن أي لجنة لتشييد الضواحي السكنية الكفيلة وحدها بتأمين الأبنية الدائمة للمتضررين؟

محاسبة الفاسدين!

لا شك أنه من المهم أن تتوعد الحكومة (بمحاسبة المسؤولين والمتورطين بسوء التنفيذ في حال ثبوت أي تقصير)، ولكن الأهم الإجابة على السؤال: هل حقا لا تعرف الحكومة وتحديدا من خلال وزارتي الإدارة المحلية والأشغال أن المجالس المحلية من البلديات إلى المحافظين هي المسؤولة الوحيدة عن تشييد أبنية هشة غير مقاومة للزلازل؟

الأبنية السريعة لا البطيئة

الواقع يؤكد أن المتضررين ينتظرون منذ أكثر من خمسة أشهر أن تقول لهم الحكومة: قررنا المباشرة بتشييد ضواح سكنية لتأمين المنازل البديلة خلال عام على الأكثر لجميع من خسروا مأواهم، ولكن حتى الآن لا يزال هذا الإعلان غير وارد على جدول أعمال مجلس الوزراء، ولا في خطط وزارة الأشغال، بل إن مقترح مجلس مدينة حلب بإقامة ضاحية سكنية في أحد مناطق التطوير العقاري والجاهزة بمرافقها للتنفيذ الفوري لم يستأثر باهتمام الحكومة، ولم تقم وزارة الأشغال بدراسته ونيل الموافقة عليه من رئاسة مجلس الوزراء!

وما أعلنته الحكومة في جلسات مجلس الوزراء وخاصة في جلسة يوم 24/4/2023 مختلف تماما ولا يمت لواقع المتضررين، وهو واقع لا يحتمل الحديث عن طموحات حكومية من قبيل (تكوين مفاهيم وسياسات عامة تنطلق منها الحكومة لوضع الخطط والبرامج التي ستتعامل بموجبها بالتنسيق الكامل مع مكونات المجتمع، من مجتمع أهلي وجمعيات وهيئات ومنظمات واتحادات لما يصب في المصلحة العامة بشكل كامل..).

لقد كان العنوان الأبرز لاجتماعات مجلس الوزراء (التوجهات الأساسية والخطة الوطنية للتعامل مع آثار الزلزال)، ولكن ما أقرته  لم يخرج عن العموميات، فهي أعلنت أنها ستقوم بالعمل على (توحيد جهود جميع مؤسسات الدولة والمنظمات وفعاليات المجتمع الأهلي والدول التي تقدم المساعدات والجمعيات وتنسيقها بشكل منهجي يؤمن إعادة تأهيل المناطق المنكوبة وإعادة النشاط الاقتصادي إليها وتأمين البنى التحتية والخدمات بالتوازي مع تأمين المساكن للمتضررين وتدعيم المباني المتضررة وتقديم المساعدات في مراكز الإيواء، ومساعدة المناطق المنكوبة على استعادة حياتها الطبيعية وتحسين الواقع العمراني).

أسئلة مقلقة بلا إجابات!

ما سبق يطرح عدداً من الأسئلة المقلقة جداً والتي تحتاج إلى إجابات واضحة، وأبرزها:

هل إعادة تأهيل المناطق المنكوبة يعني ترميم وتدعيم الأبنية المتصدعة وعلى حساب من؟، وهل من خطط لدى الحكومة لتأمين المنازل لجميع لمتضررين وبأية طريقة؟

من الجهة الحكومية التي ستدير عمليات تأمين بدلات أجارات السكن المؤقت لمن انهارت منازلهم كليا ريثما يتم تأمين السكن الدائم؟

إن إعلان الحكومة بأن أكثر من 59 ألف بناء يحتاج إلى تدعيم يطرح مسألة أو إشكالية من سيتحمل تكلفتها؟

نجزم بأن الميسورين والمقتدرين مالياً، وكذلك المتعهدين الذين تصدعت مشاريع أبنيتهم قبل بيعها سيقومون بأعمال التدعيم فور انتزاع الموافقة من البلديات، لكن بالنسبة لأصحاب المنازل من محدودي الدخل، والذين اشتروها بمدخرات العمر، ولا يزال الكثير منهم يدفع أقساط قروضها المصرفية فهم يعجزون عن ترميمها وتدعيمها، ومع ذلك لم تقدم الجهات الحكومية لهم شيئاً سوى مشاريع محدودة للسكن المؤقت والدائم إنجازها بالطرق التقليدية سيستغرق زمنا طويلا !

ليست حلاً!!

وبما أن الزلزال صدّع منازل آلاف الأسر، وبما أن غالبيتها كانت تقطن في مناطق السكن العشوائي، فهي لا تتحمل أي مسؤولية عن نتائج الزلزال الكارثية، فليس ذنبهم أنها ليست مقاومة للزلازل، والمقلق أن الحكومة لن تقدم مساعدات فعلية لهؤلاء المتضررين وهم بعشرات الألوف سوى وعود بمنحهم القروض المعفية من الفوائد، دون السؤال: هل يتيح دخل المتضرر تسديد أقساط القروض وهو غير قادر على تأمين مستلزمات العيش اليومية لأسرته مهما صغر عددها؟

لا شك أن الأولوية لمن انهار منزله بطرفة عين وخسره مع مقتنياته، لكن من تصدع منزله ويحتاج إلى مبالغ تعتبر خيالية مقارنة بدخله يحتاج أيضا إلى إغاثة مجانية، وهو ليس بوارد خطط الحكومة الطموحة بدليل أنها كشفت أنه يمكن لـ 4500 أسرة الاستفادة فوراً من قروض الترميم بلا فوائد، ولكن كم أسرة تقوى على الاقتراض؟!

مهما كانت الصعوبات التي تواجه الحكومة لتأمين المساعدات للمتضررين، فإن القروض المصرفية لا يمكن أن تكون إحدى وسائل المساعدات، بل أن المقتدرين مالياً ليسوا بحاجة لإعفائهم من فوائدها.

هل من برامج زمنية؟

من المهم أن تكون (مبادئ وتوجهات الخطة الوطنية في مرحلة التعافي وإعادة التأهيل تستهدف مساعدة المتضررين على استعادة حياتهم الطبيعية وتجاوز آثار الكارثة)، ولكن الأكثر أهمية الإجابة على السؤال: هل لدى الحكومة برامج زمنية ومادية لمشاريع تتيح للمتضررين استعادة حياتهم الطبيعية خلال أمد قصير ، أي لن يستمر هذا الأمد لعدة سنوات قادمة؟

إذا تابعنا مراحل تنفيذ المشاريع المحدودة التي قررت الحكومة المباشرة فيها، فإن الشركات المكلفة بتنفيذها صرحت بأنها لن تتمكن من إنجازها بأقل من عام، وأمام الواقع المؤلم للمتضررين، ومشاريع السكن المحدود والبطيء،  فإن  تأمين السكن الدائم لمن خسروا منازلهم سيستغرق أكثر من عشرين عاما بفعل عدم تنفيذ مشاريع وزارة الأشغال الخاصة بالمتضررين بتقنيات التشييد السريع.

ما من خطط معلنة!

وبما أن الحكومة (أملت الوصول إلى عام 2025 خالياً من جميع آثار الزلزال في حال تأمنت جميع الموارد)، فهذا يعني أن استعادة المتضررين لحياتهم الطبيعية في عام 2025 يتوقف على تأمين الموارد، والملفت أن الحكومة لم تكشف عن الخطط والآليات لتأمين هذه الموارد، أي أنها تطمح لتحسن الواقع دون أي خطط معلنة!.

لقد استندت الحكومة إلى نص المادة 24 من الدستور السوري التي تنص على أن الدولة تكفل بالتضامن مع المجتمع الأعباء الناجمة من الكوارث الطبيعية، وهذا جيد، لكنها ركزت على أن مسؤولية التعامل مع تداعيات الكارثة هي مسؤولية المجتمع بأكمله من الحكومة والقطاع الأهلي والخاص والجمعيات والمنظمات الدولية والأفراد، ومع ذلك ما من خطة واضحة حتى الآن لترجمة نص المادة 24 إلى واقع أي إلى أفعال.

لقد سارعت الحكومة فعلا ونجحت بتأمين مراكز إيواء للمتضررين الذين فقدوا منازلهم وخسروا مصادر عيشهم، ومن المهم أن تسرع أيضا وتنجح بتأمين سكن أكثر استدامة لإقامة المتضررين من الزلزال سواء باستئجار منازل لهم مؤقتة ريثما تنجز المنازل البديلة الدائمة، والسؤال: لماذا لم تعلن الحكومة عن خططها أو رؤيتها للمنازل الدائمة، وهل ستكون بتشييد الضواحي المقاومة للزلازل، أم بأبراج مبعثرة في مناطق مختلفة؟

الخلاصة:

إذا كانت خطط الحكومة ركزت على قيام وزارة الأشغال العامة والإسكان بمراجعة كود الزلازل ورخص البناء ،فإن الأهم أن تعلن الحكومة في القادم من الأيام عن خطط تتضمن تشييد الضواحي السكنية في المحافظات التي ضربتها الكارثة للأسر التي انهارت منازلها  تكون أبنيتها مقاومة للزلازل، ويبقى السؤال: لماذا تأخرت الحكومة حتى الآن بتبني خيار الضواحي السكنية ؟!