أخبارصحيفة البعث

رغم المبادرات.. حرب الجنرالات مستمرة

تقرير إخباري

اليوم يدخل طرفا الحرب، الجيش وقوات الدعم السريع، جولة مفاوضات جديدة في جدة السعودية، لتبدأ حلقة أخرى من سلسلة الجهود الدبلوماسية التي فشلت حتى اليوم في احتواء الموقف، إثر تشبّث كل طرف بمواقفه الصلبة، بينما القتال يدور على أشدّه في مختلف المدن السودانية.

فاتورة الأشهر الثلاث الأولى للحرب كانت باهظة للغاية، فلا يكاد يمر يوم واحد دون أن تتزلزل جنبات الخرطوم وضواحيها وبعض الولايات الحدودية بالقذائف والصواريخ، والمتفجرات المتبادلة بين الجيش وقوات الدعم التي أفرغت تلك المناطق من سكانها وتحوّلت إلى أماكن شبه خالية تماماً.

ومع دخول حرب الجنرالات شهرها الرابع بلغ عدد الفارين من منازلهم في العاصمة الخرطوم 1.7 مليون شخص، وتسبّبت الحرب حتى الآن في تشريد نحو 3 ملايين شخص، بينهم نحو 700 ألف عبروا الحدود إلى دول مجاورة، إلى جانب نزوح أكثر من 2.4 مليون سوداني من منازلهم إلى مناطق أخرى، هرباً من الحرب وتدمير البنى التحتية وندرة المرافق العامة، وفق إحصاءات الأمم المتحدة، ما أحدث حالة من الفوضى مع تفشي جرائم السرقة والسلب والنهب.

أما على المستوى الإنساني، فقد فاقمت الحرب من الوضع المتدني بطبيعة الحال، وهو ما دفع منظمات الإغاثة الدولية للمناشدة أكثر من مرة من أجل فتح ممرات آمنة لنقل المساعدات للعالقين في منازلهم، هذا بخلاف ما تسبّب فيه انهيار المرافق العامة والمستشفيات والخدمات الصحية في تفشي الأمراض، حيث ظهرت حالات حصبة في 11 ولاية من إجمالي 18 ولاية سودانية، إلى جانب إصابة 300 شخص بالكوليرا أو الإسهال الشديد، ووفاة 8 منهم، وفق بيان صادر عن منظمة الإغاثة الإسلامية.

ومنذ اندلاع الحرب بُذلت عشرات الوساطات والجهود الدبلوماسية من العديد من الدول والمنظمات لاحتواء الموقف المتصاعد يوماً تلو الآخر، إلا أنها منيت بالفشل جميعها في ظل إصرار طرفي الحرب والقوى المغذية لهما على المضيّ قدماً في مسار استمرار الاقتتال، ورفض العودة ولو خطوة إلى الوراء، وإبداء أي مرونة في التعاطي مع تلك الجهود.

كانت الوساطة السعودية، ومباحثات جدة هي الأكثر حضوراً خلال الأشهر الثلاث الأخيرة، ورغم حضور ممثلي الجيش والدعم السريع، والتصريحات الإيجابية الصادرة عن ممثليهما، فإن أحداً لم يلتزم بما تم الاتفاق عليه، وتم اختراق الهدن المعلن عنها، ما دفع الرياض إلى رفع يديها عن الموضوع برمّته حتى قبل أيام بسيطة، حين أبدى البرهان وحميدتي استعدادهما لخوض جولة جديدة من تلك المباحثات.

كذلك دخلت القاهرة على خط الوساطة من خلال قمّة دول الجوار التي احتضنتها مؤخراً بحضور ممثلين عن ليبيا وتشاد وإفريقيا الوسطى وجنوب السودان وإريتريا، إلى جانب إثيوبيا، ورغم المخرجات الدبلوماسية التي أسفرت عنها تلك القمّة، لم تكن على المستوى المأمول في ظل غياب الضمانات، وأوراق الضغط التي تجبر الطرفين على الانصياع لما يتم الاتفاق عليه.

وعليه، وأمام كل تلك الجهود المبذولة للدفع بالأزمة نحو الحل السياسي ووقف القتال الدائر الذي تتسع رقعته يوماً بعد الآخر، يصرّ البرهان وحميدتي على مواصلة المعركة بكل شراسة، بعد أن حوّلا البلاد إلى ساحة حرب واسعة، لا مجال فيها للحياة المدنية البتة.

كثير من الأصوات تعلم أن الحرب في السودان لم تعُد شأناً داخلياً كما يظن البعض، فالأجندات الخارجية كثيرة، في ظل صراع النفوذ، ومن ثم يجب التعامل معها في إطار أوسع من ذلك، يضع في الاعتبار البعدين الإقليمي والدولي، لأنهما الأكثر تأثيراً في المشهد، وعليه فإن السير في طريق الحل الدبلوماسي بعيداً عنهما حرث في الماء لا جدوى منه.

وعليه، وفي ظل هذا التصعيد وهذه الأجواء الملبّدة بالغيوم، باتت البلاد فريسة سهلة لتجريدها من مواردها وثرواتها وسكانها، خدمة لطموحات سياسية داخلية تحرّكها القوى والأطماع الخارجية.

هيفاء علي