مجلة البعث الأسبوعية

التيه الفكري في الخطاب الشعبوي

 د. مهدي دخل الله

يبدو أن الخطاب عندنا نفسه أصبح مشكلة تضاف إلى ما نحن فيه من مشاكل ناتجة عن واحدة من أعتى الحروب ضد بلد صغير مسالم لا ذنب له سوى إصراره على حماية استقلاله      الحقيقي . فاليوم يسيطر على الساحة الإعلامية وعلى دوائر الرأي العام على اختلاف أشكالها عندنا خطاب شعبوي سلبي يبعدنا جميعاً عن التشريح الموضوعي لمشاكلنا . بل أن خطاب الحكومة ومجلس الشعب نفسه يخضع في كثير من الأحيان لأدوات التعبير الشعبوي .

ومن أبرز مخاطر هذا الخطاب أنه ديماغوجي في دفاعه وفي هجومه على الرأي الآخر ، أي أنه مطلق وشعاراتي سواء في عرض مواقف صاحبه أو في مهاجمة مواقف الطرف الآخر وتفنيدها. ولا تنتهي الديماغوجية عند الشعارات وإنما تظهر الرأي وكأنه صنو الكمال الخالص والرأي الآخر وكأنه مصيبة خطيرة . صواب خالص مقابل مصيبة تامة . هذه هي فلسفة الخطاب الشعبوي الذي تستسيغه الآذان والعواطف عندما تتوقف العقول عن العمل .

ومن مخاطر هذا الخطاب أنه يبعدك عن البحث المشترك عن الحل الحقيقي لأي مشكلة  مطروحة ، إذ أنه يتجنب الاسلوب العلمي في التفكير القائم على ثلاثية : التفكيك – التحليل – إعادة التركيب . لأن هذا الأسلوب العلمي يتطلب الموضوعية والحياد العاطفي تجاه القضية   المطروحة .

وفي إطار هذا التيه الفكري يتم الخلط بين الأسباب الموضوعية للمشكلة والأسباب الذاتية أو القصور الذاتي في المعالجة . خطاب الحكومة والإدارة العامة يقف عند الأسباب الموضوعية      ( الحرب ) ، أما الطرف الآخر فيقف عند الأسباب الذاتية وقصور الحلول الوزارية والإدارية ..

ولا شك في أن الأسباب الموضوعية – أي الحرب – هي الأساس وراء كل مشاكلنا المعيشية والمالية والنقدية ، لكن هذا لا يمنع أن تكون هناك فرص ضائعة أو قصور هنا وهناك . هل نستطيع تشكيل مجموعة بحثية مستقلة تدرس المشاكل والحلول المتاحة ، وتفصل الأسباب الموضوعية عن الأسباب الذاتية ، ثم تقترح الصيغة المناسبة وتتحمل المسؤولية العلمية       عنها  ؟؟.. بهذه الطريقة نكون قد شجعنا المبادرة العلمية والبحث الموضوعي وأنقذنا الوزراء من مشكلة الخوف من الخطأ والبقاء عند الأسلم .

ولا بد من التأكيد هنا أنه في الأوقات الصعبة لا توجد حلول جيدة مائة بالمائة ، هناك حلول أقل سوءً يمكن تطبيقها تجنباً لما هو أكثر سوءً . ثم لا بد من التركيز على جوهر المشكلة بدلاً من القيل والقال . ولنا في أحاديث الرئيس الأسد أفضل الأمثلة للمنهج الناقد بالمعنى الإيجابي . على سبيل المثال لا الحصر حديثه أمام الحكومة وتوجيهاته لها حيث كان ثلث الحديث تماماً يركز على الفساد ودور المجتمع والإعلام في محاربته ، ويركز كذلك على مناحي القصور المختلفة في البحث عن الحلول .

 

mahdidakhlala@gmail.com