مجلة البعث الأسبوعية

الجزيرة السورية إلى الواجهة من جديد.. مشروع أمريكي بدمج التنظيمات الارهابية لإطالة أمد الحرب والاستمرار بسرقة النفط

البعث الأسبوعية- علي اليوسف

تعود الجزيرة السورية إلى الواجهة من جديد على وقع التصعيد والتحركات الأمريكية التي تحاول أن ترسم مساراً خاصاً مع القوى الانفصالية بعيداً عن اتفاقات مسار أستانا، وما رافقه من وجود توافق على الوقوف في وجه الأجندات الانفصالية الهادفة إلى تقويض سيادة سورية وسلامتها ووحدة أراضيها. هذا الواقع الميداني الجديد يشير إلى دور أمريكي قادم، فهل هناك تنسيق مع النظام التركي، أم تبادل وتكامل في الأدوار؟.

من الواضح أن الهدف الأمريكي المعلن حتى الآن هو إطالة أمد الحرب، وعدم الدخول في حرب جانبية، وإعاقة أي محاولة لإيقاف الحرب على سورية، وما يدلّ على ذلك هو قيام الولايات المتحدة الأمريكية بترجمة مشروعها العسكري الجديد القديم، المتمثل بدمج التنظيمات الإرهابية وتداخلها على شكل حزام متصل من منطقة التنف وصولاً إلى غرب الفرات، بعد استقدامها قوات دعم ممّن يسمّون مجموعة الصناديد إلى الحقول النفطية في شرق الفرات لحمايتها وخاصة حقلي كونيكو والعمر بريف دير الزور، وطلبها من التنظيمات المسلحة في التنف الاستنفار في منطقة 55، والطلب من قوات “قسد” الانفصالية إعادة الانتشار على سبعة نقاط مطلة على ضفاف الفرات.

دمج المجاميع الارهابية

يبدو من هذا السيناريو أن الولايات المتحدة تسعى إلى دمج التنظيمات الإرهابية مع قوات “قسد”  الانفصالية من التنف حتى حدود إدلب بإشراف أمريكي، في ظل المساعي الأخيرة لاستقدام تيار واسع من “جبهة تحرير الشام” وضمّه لهذا الحزام. لذلك إن هذا التحرّك الآن هو بالتحديد لمنع الدولة السورية من فرض سيطرتها على منطقة شرق الفرات، ودفع القوات الأمريكية للانسحاب وحرمانها من سرقة حقول النفط، في ظل زيادة تداعيات الحصار الاقتصادي على السوريين. لقد كان هذا التحوّل الكبير في العقلية الأمريكية ناتجاً عمّا سرّبته صحف أمريكية وازنة وفي مقدّمتها “واشنطن بوست”، و”فورين بوليسي” خلال الأشهر الثلاثة الماضية من معلومات وصلت إلى القوات الأمريكية عن توجّه دمشق وحلفائها لاستهداف الوجود الأمريكي شرق الفرات، الأمر الذي دفع أميركا لاستقدام أسلحة نوعية لمنطقة شرق الفرات، رافقها مناوشات جوية بين سلاحي الجو الروسي والأمريكي.

لا يُستبعد في هذه الأجواء أن تقدم الولايات المتحدة الأمريكية على تحريك هذه التنظيمات على عدة محاور بهدف عرقلة المسارات السياسية الخاصة في حل الأزمة السورية، أو بهدف انتقال الصراع الأمريكي الروسي إلى الجغرافيا السورية. ولعل إعلان ما تسمّى القيادة الوسطى للجيش الأمريكي عن مقتل قيادي في تنظيم “داعش” في سورية المدعو “أبو أسامة المهاجر” بعملية شرق الفرات منذ أيام، يأتي في إطار استثماري لقوات الاحتلال الأمريكية في سورية من أهمها السعي الأمريكي لتكريس وجود القوات الأمريكية المحتلة داخل الأراضي السورية، في ظل الحراك السياسي الإقليمي تجاه سورية، وتزايد المؤشرات على اندماج مسار أستانا مع المبادرة العربية، لذلك تسعى واشنطن إلى توفير المبررات بما في ذلك ما تدّعيه من محاربة الإرهاب وانتظار الحل السياسي لإبقاء قواتها في سورية، لكن الحقيقة هي أن إعلان مقتل “أبو أسامة المهاجر” هو أقرب للتوظيف الإعلامي والسياسي منه لما تدّعيه واشنطن من مكافحة الإرهاب.

ولإكمال هذا التوظيف أرسل الجيش الأمريكي تعزيزاتٍ عسكرية إلى قواعده غير الشرعية المنتشرة في محافظة الحسكة شمال شرق سورية مكوّنة من رتل عسكري ولوجستي مؤلف من 40 آلية دخلت من معبر الوليد غير الشرعي، وهذه التعزيزات العسكرية هي عبارة عن مدرعات عسكرية وناقلات وقود وكميات كبيرة من الذخيرة، توجّهت إلى القواعد والنقاط العسكرية للقوات الأمريكية غير الشرعية في محافظة الحسكة شمال شرق سورية، ودفع جيش الاحتلال الأمريكي بتعزيزاتٍ عسكرية إلى مناطق وجوده في حقل “رميلان” وتل بيدر والشدادي بمحافظة الحسكة، بعد أن انسحبت القوات الأمريكية المحتلة من المنطقة لتعزّز وجودها حول منابع النفط شمال شرق سورية في تشرين الأول 2019 بعد عملية ما يسمّى “نبع السلام”.

تهجير قسري

بعيداً عن معطيات وسيناريوهات الحرب، هناك بُعد يعدّ الأخطر على مستوى المنطقة قد يكون عاملاً خطيراً يتمثل في إحداث تغيير ديموغرافي وهيكلي لسكان المنطقة، يتم من خلاله إحلال التنظيمات الإرهابية محل السكان الأصليين، تماماً كما يحدث في الشمال على يد الاحتلال التركي، وهو ما كانت قد حذّرت منه موسكو مراراً وتكراراً وفي مناسبات عدة حول خطورة ما تنتهجه واشنطن من خلال تشكيل قوات جديدة أو إعادة هيكلة التنظيمات القديمة وتطعيمها بقوات من العشائر وعناصر “قسد” الانفصالية، وتشكيل غرفة عمليات موحّدة تحت الإشراف الأميركي، على حساب أهالي المنطقة.

صحيح أن واشنطن تصبّ جهودها في الآونة الأخيرة على إحياء وتشكيل تنظيمات إرهابية في الرقة ودير الزور والحسكة، وهو مشروع قديم جديد تسعى واشنطن لإحيائه من جديد بهذا التوقيت لتحصين مواقع سيطرتها على المناطق النفطية وحمايتها بقوات تابعة لها ولا تحمل جنسيتها، لكن الأخطر هنا مصير العشائر العربية، وباقي الإثنيات التي تقطن المنطقة، فهل سيكون مصيرها التهجير القسري؟.

قد يبدو هذا الاحتمال وارداً، لأنه بالتزامن مع انكشاف المخطط الأمريكي، تداولت الصحف الغربية معلوماتٍ عن تزويد واشنطن الميليشيات الانفصالية التابعة لـ”قسد” بمنظومة الصواريخ الشهيرة “هيمارس”. لكن في العمق فإن هذه المعلومات لا تخرج عن السياق الطبيعي للمخططات الأمريكية في المنطقة، فالسلاح الأمريكي وأدواته ” قسد وداعش” يبدو أنه يتحضّر لتصعيد جديد بمواجهة التطورات الجديدة الإيجابية في المنطقة، التي بالتأكيد تتعارض مع المصالح والأهداف الأمريكية العدوانية.

لكن ما موقف الحليف التركي من تزويد تلك الميليشيات الانفصالية بأسلحة نوعية كهذه تهدّد أمن جميع دول المنطقة بمن فيهم حلفاء أمريكا، وشريكها في الناتو تركيا “الحليف غير الموثوق؟”.

تسليح الميليشيات الانفصالية

خبر وصول “هيمارس” الأمريكية إلى يد “قسد” أكّدته صحيفة “ديلي صباح” التركية، التي نقلت عن مصادر قولها: “إنّ نظام هيمارس تمّ نقله إلى قوات “قسد” المدعومة من الولايات المتحدة، في القواعد الأميركية في محافظة دير الزور السورية، بينما قالت وكالة الأناضول: إنّ الولايات المتحدة عزّزت قواتها بالقرب من حقول النفط شرقيّ سورية بمنظومة صواريخ من طراز هيمارس، والمنظومة تمّ إرسالها إلى القاعدة الأميركية في حقل العمر النفطي، وقاعدتها في حقل كونيكو للغاز الطبيعي. والسؤال ما هي مهمّة راجمة الصواريخ تلك، وهدف تلك الأسلحة المتوسطة المدى، ولماذا الكشف عنها اليوم، علماً أنها موجودة بيد القوات الأمريكية المحتلة منذ عام 2017؟.

في الواقع منذ عام 2015 الجميع يشاهد التدريبات اليومية التي تجريها واشنطن لمجموعاتها من الميليشيات الانفصالية في الجزيرة السورية، والفصائل الإرهابية في البادية والتنف على أنواع معروفة وغير معروفة من الأسلحة الأمريكية المتطوّرة، وآخرها التدريبات التي أجرتها القوات الأمريكية المحتلة لمسلحي الميليشيات الانفصالية “قسد” منتصف شهر أيار الماضي على دبابات لم يُعرف طرازها، ومضادات دبابات من طراز “تاو” أمريكية الصنع.

هذه التدريبات والتزوّد بالأسلحة لمسلحي “قسد” في قواعدها العسكرية غير الشرعية في المنطقة يسقط ذريعة محاربة تنظيم “داعش” الإرهابي ما دامت هناك خطط لدمج كل التنظيمات الإرهابية مع “قسد” في طوق أمني واحد من التنف إلى إدلب، أي أن الهدف بات واضحاً وهو أن يكون الجميع رأس حربة أمريكية في المنطقة لقطع الطرق التي فتحت بين دمشق والعواصم العربية بمصافحات قلبت كل المعادلات خلال الفترة الماضية.

إن الاستنتاج المنطقي أمام هذه المعطيات هو أن الولايات المتحدة لا تزال تكابر في احتلالها للأراضي السورية، وأيضاً الإبقاء على العقوبات الاقتصادية غير الشرعية وغير الإنسانية، والحصار على الشعب السوري، حتى رفض مجلس النواب الأمريكي، مسعى من أربعة نواب جمهوريين لإنهاء 5 إعلانات طوارئ رئاسية، تسمح بفرض عقوبات على من تصفهم بأنهم أعداء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وإفريقيا، بات هو الآخر أسير الدولة العميقة صاحبة القرارات في هذا الشأن، لكن المستغرب في هذه الدولة العميقة أن تقحم عبارة “دعم الشعب السوري” في قرار يُتخذ ضد الدولة السورية.

على مدى سنوات كانت أهداف البقاء في سورية خفية، لكن اليوم بدأت تظهر للعلن وتتكشف المشاريع الاحتلالية الأمريكية من أجهزة الاستخبارات والبنتاغون وجميعها مبنية على عقلية اللصوصية والسرقة، بدليل تراجع الإدارات الأمريكية المتعاقبة عن أي موقف تتخذه، لتعود إلى المسار الأول وهو البقاء العسكري الاحتلالي، وتشديد الحصار الاقتصادي.

حالات طوارئ عفا عليها الزمن

مؤخراً قام أربعة نواب من الجمهوريين، هم لورين بويبرت، ومات جايتز، وبول جوسار، وإيلي كرين، باستعمال تدابير منفصلة تُعرف باسم القرارات ذات الأولوية، بطلب إجراء عمليات تصويت على إنهاء حالات طوارئ قائمة منذ فترة طويلة، تشمل خمس دول من بينها سورية، وتخفيف العقوبات عنها، حيث رفض مجلس النواب الأمريكي بأغلبية كبيرة إنهاء الطوارئ عبر عدة عمليات تصويت.

وتعليقاً على رفض مجلس النواب، قال السياسي في الخارجية الأمريكية جويل رايبورن: “إن التصويت أظهر مرة أخرى أن الكونغرس ببساطة لن يخفف الضغط عن الحكومة السورية”. بينما قال النواب الذين طالبوا بإلغاء الطوارئ، التي تعود إلى عهد الرئيسين جورج بوش الابن وباراك أوباما: إن مدتها قد انتهت، وعفا عليها الزمن، كما أوضحوا أنهم سيقدّمون مشاريع قرارات إضافية لتسليط الضوء على 41 إعلان طوارئ، من بينها إعلان يتعلق بإيران يرجع لسبعينيات القرن الماضي، ولا يزال قائماً دون مراجعة مناسبة من الكونغرس.

في السابق عارضت إدارة ترامب “حالات الطوارئ” التي تدعم فرض عقوبات على الدول الأجنبية، إلا أنها لم تنجح بتمرير مطالبها في مجلس النواب، وتم تمديد “العقوبات على سورية” مرّتين في عهد ترامب، وثلاث مرات في عهد بايدن الحالي. وليس دفاعاً عن ترامب، لكن للحقيقة هو كان الرئيس الأكثر تعبيراً عن واقع بلاده، وفيما يخص سورية بالتحديد ووجود قوات أمريكية بشكل غير شرعي على أراضيها، غيّر ترامب رأيه ثلاث مرات خلال فترة قصيرة كان أشهرها عندما عاد ليؤكد نيّته الانسحاب في تشرين الأول عام 2019، وقال خلال خطاب ألقاه في البيت الأبيض متحدّثاً عن سورية: “دع شخصاً آخر يقاتل على هذه الرمال الملطخة بالدماء”، متعهّداً بسحب جميع القوات الأمريكية من سورية، لكن بعد بضعة أيام فقط، غيّر ترامب رأيه وقال: “إن القتال في الشرق الأوسط يستحق العناء طالما أنك تحصل على عائدات النفط من الصفقة”.