المطلوب حلول مستدامة
علي اليوسف
تصرّ بعض الدول الأعضاء في مجلس الأمن على الاستئثار والانتقائية في إيصال المساعدات إلى مناطق محدّدة في سورية عبر منح الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصّصة إذناً باستخدام معبر باب الهوى لإيصال المساعدات الإنسانية، أو كما تسميها “المساعدات الإنقاذية”، إلى شمال غرب سورية لمدة ستة أشهر بدءاً من الـ13 تموز الجاري.
هذا السلوك الذي تتبعه بعض الدول في مجلس الأمن -مكشوفة الأجندات- يظهر أن هدفها التضييق على الحلول الأكثر نجاعة التي تطرحها الدولة السورية في كل مناسبة للخروج من الوضع المأساوي الذي يعيشه الشعب السوري، وهو ما يؤكد أن تلك الدول والمنظمة الدولية وكأنها لا تريد حلاً نهائياً للعقوبات الظالمة بحق الأطفال والنساء وجميع الأسر السورية.
وما دامت الأمم المتحدة والدول التي تملي قراراتها عليها لا تريد التكفير عن خطاياها التي أوصلت الشعب السوري إلى ما هو عليه اليوم، فهذا يعني بالضرورة أنها لعبة تسييسية رخيصة تلعبها دول عظمى في الحجم فقط، وليس في العقل، لأن المنطق في تحسين الوضع الإنساني في سورية يتطلّب توفير حلول مستدامة لدعم الشعب السوري، بما يقلّل الاعتماد على المساعدات الإنسانية “الإنقاذية”، وتوفير ظروف عودة اللاجئين والمهجّرين، والرفع الفوري وغير المشروط للإجراءات الاقتصادية القسرية الغربية غير الشرعية.
هذا المطلب كان هو المنشود منذ دخول الملف السوري دهاليز الأمم المتحدة، وحينها كانت الرؤية السورية شاملة لكل الشعب السوري، وليست انتقائية كما تفعل دول الأجندات الاستعمارية التدميرية. وهي، أي الدولة السورية، لم تضع شروطاً، وأبدت انفتاحاً على التعاون الكامل مع الأمم المتحدة التي تضع مفهوم “التنمية المستدامة” كهدف وغاية رئيسيين للأمم المتحدة، والمتمثل بتسريع الجهود للحفاظ على الجنس البشري ورفاهية الأجيال المستقبلية، لكن ما نشهده في الحالة السورية يخالف هذه الغايات “النبيلة”، إذ لا نرى تطبيقاً لهذا المفهوم في سورية، والشعب السوري لا يزال محاصراً في أزمة إنسانية واقتصادية تفرضها دول المساعدات “الإنقاذية”.
صحيح أن هذا الوضع الذي تفرضه الدول العظمى والأمم المتحدة يشكل مصدر مأساة بالنسبة للسوريين، لكنه في الوقت ذاته يشكل عاملاً حاسماً في الصبر على البلوى، والتمسّك بالرؤية الشاملة التي تقاتل الدولة السورية من أجلها، وهي تحسين الوضع الإنساني عبر حل شامل ونهائي -تنمية مستدامة- بطرق سياسية، وعدم تسييس القضية الإنسانية حتى لا تؤثر على عملية الحلّ السياسي للوصول أخيراً إلى وطن للجميع يسوده السلام والأمن.
ومن هذا المنطلق، لا يظنّ أحد أن لعبة المساعدات المؤقتة قد تنفع مع من دحر الإرهاب، وتحمّل كل أنواع العقوبات الاقتصادية، لأن الحلّ الحقيقي هو عبر التنمية المستدامة. ولتحقيق هذا المبتغى يتطلب، وقبل كل شيء، إنهاء الوجود غير الشرعي للقوات الأمريكية والتركية، ووقف التدخّل بشؤون سورية الداخلية، ووقف دعم التنظيمات الإرهابية، والكفّ عن نهب ثرواتها ومقدّراتها الوطنية، وخاصةً النفط، والرفع الكامل والفوري وغير المشروط لإجراءات الإرهاب الاقتصادي والعقاب الجماعي المفروضة على الشعب السوري، والارتقاء بالوضع الإنساني من خلال تلبية الاحتياجات الإنسانية للسوريين بشكل عادل ودون تمييز.