“رحلة مع الأنغام.. 3” تكرّم أميري الفنّ: فريد الأطرش وأسمهان
ملده شويكاني
“حمل فريد الأطرش رسالة الحضارة الموسيقية وقدمها للعالم معتمداً على الحداثة والعراقة في آن واحد، واستطاع اعتلاء المستوى الأول بين مبدعي الزمن الجميل المزدهي، وكذلك شقيقته أسمهان التي تميزت بصوت لم يعرف القرن الماضي مثيلاً له على الإطلاق. واليوم نسعى لإحياء ذاك الزمن الفريد”، هذا جزء من الكلمة الترحيبية التي حيا بها المايسترو المغترب مؤيد الخالدي محبيه وجمهوره الكبير على مسرح دار الأوبرا بحفل ” رحلة مع الأنغام.. 3″ بتكريم الشقيقين المبدعين السوريين – أميري الفنّ – بمشاركة الفرقة الموسيقية، التي ضمت عدداً من الموسيقيين الشباب من الخريجين وطلاب المعهد العالي للموسيقا، إضافة إلى بعض الأساتذة الأكاديميين المحترفين.
وقد قدم الخالدي أجمل أغنيات فريد الأطرش التي كتبها كبار الشعراء الغنائيين، منهم أحمد رامي ومأمون الشناوي وفتحي قورة وحلمي الحكيم وغيرهم، بعضها من أفلامه التي بقيت خالدة في وجدان الشعب العربي والسوري، إضافة إلى الأغنيات التي لحنها لأسمهان وغيرها، جميعها أظهرت عبقريته التي انعكست على ألحانه القوية المحمّلة بالفخامة الموسيقية المبنية على تنوع المقامات والإيقاعات، وعلى تطويع الآلات الغربية بالموسيقا العربية. واتسم البرنامج بجمالية التوزيع الموسيقي لجورج موسى، وبتنوع القفلات الخاطفة المفاجئة في مواضع.
اعتمد المايسترو على توظيف النسيج الموسيقي ككل مع إظهار دور بعض الآلات ضمن التشكيلية الموسيقية للفلوت والأكورديون والبيانو والبوق، كما أظهر جمالية التداخل بين الألحان والصولو للساز والناي والقانون والعود، وزيّنت آهات الفوكاليز الحفل، وكان للكورال دور بالترديد والتناوب مع المغنين.
وكعادة المايسترو الخالدي افتتح الحفل بموسيقا ” نجوم الليل” ألحان فريد الأطرش، بدأت مع الفلوت والنحاسيات والبيانو والمؤثرات الإيقاعية، ومن ثم التصاعد اللحني مع الفرقة وآهات الفوكاليز.
التخت الشرقي
ومن ثم قدم الخالدي ثلاثة أصوات رائعة بالتناوب بين الأغنيات، بدأ ريان جريرة المعروف لجمهور الأوبرا وغنى سابقاً لفريد الأطرش بأغنية فريد الأطرش ” يارتني طير” ألحان إيليا بيضا، توازى فيها الخط الإيقاعي مع آلات التخت الشرقي بدور الساز – د. هوشنك حبش- لتأتي القفلة بامتدادات صوت جريرة لمفردة “بيت”.
مسحة حزن
وتغير النمط الغنائي باللحن الدرامي لأغنية ” مش كفاية” ألحان فريد الأطرش التي سُبقت بصولو الكمان، واتسمت بشفافية رومانسية لا تخلو من مسحة حزن، فزاد صوت جريرة من جمالها ” مش كفاية ابتسامة أو سلام مش كفاية” مع الوتريات والإيقاعيات، ثم التحاور بين الجمل الموسيقية والإيقاعيات.
الموال والساز
ومع تأثير الموال ضمن الأغنية الشهيرة ” ع الله تعود ” -ألحان فريد الأطرش- بدأ الكورال بالمقدمة ثم غنى جريرة ” من بعدك مافي أحباب غير الله” مع دور الساز داخل اللحن، ومن ثم تخللها صولو صغير للأكورديون-لينا ميهوب- ليصل بمرافقة الساز بغناء موال ” ع الله تعود بهجتنا، والفراح تغمر دارنا”، وتابع الغناء مع تشكيلة الفرقة بدور القانون والعود.
كما غنى ” ياوحشني رد عليّ” -ألحان فريد الأطرش- وسُبقت بصولو القانون- وتميزت بألحانها الجميلة مع الآهات والتناوب بالغناء بين جريرة والكورال.
الأكورديون والنحاسيات
وكانت أغنية أسمهان” يابدع الورد” ألحان فريد الأطرش بصوت ديانا سعيد، بمرافقة الأكورديون والوتريات وآلات التخت الشرقي والإيقاعيات بدرجة بطيئة ” رسول العشاق، سفير المشتاق”.
ثم غنت ” إيمتى حتعرف إيمتى” ألحان محمد قصبجي البراقة الراقصة بدور النحاسيات والأكورديون ضمن اللحن، لاسيما بتكرار الجملة الموسيقية الأساسية” إيمتى حتعرف”
إيقاع الفالس
والمفاجأة بالحفل كانت بأداء سيلفانا دياب المذهل بغنائها رائعة أسمهان التي ارتبطت بأحد أفلامها بالمشهد التعبيري الراقص ” ليالي الأنس بفيينا” –ألحان فريد الأطرش-المبنية على إيقاع الفالس لجزء من اللحن ومن ثم التنوع اللحني المتناغم بتدرج المقامات، ” ما بين رنين الكاس ورنة الألحان” بالاعتماد على صوت دياب بمرافقة وترية خافتة، ثم ” ساعة هنا” بمرافقة التشيللو والناي والساز، لتعود إلى اللحن الراقص ” افرح وامرح” وتقفل مع الآهات، وقد تخللها صولو العود.
صولو الناي
كما غنت” يلي هواك شاغل بالي” كلمات أحمد رامي وألحان فريد الأطرش، وسُبقت بصولو مطوّل من روح اللحن ومقامه على الناي –كمي مرشد-
الفقرة التفاعلية
واختتم الحفل بالفقرة التفاعلية التي تأخذ فيها الفرقة دور المرافقة فغنى الجمهور بتفاعل كبير مع أبطال الحفل الثلاثة أغنية فريد الأطرش الراقصة التي ارتبطت بالفيلم ببطولة فاتن حمامة أيقونة السينما العربية ومشاركتها بحلقة الرقص” تؤمر عل الراس وع العين”-ألحان فريد الأطرش- وتميزت بدور الناي مع الإيقاعيات ضمن اللحن.
سورية أولى بأولادها
وبعد الحفل تحدثت الدكتورة لبانة مشوّح وزيرة الثقافة في حديث خاص لـ ” البعث” عن الترحيب بالمايسترو مؤيد الخالدي المغترب وبكل المبدعين المغتربين: “سورية أولى بأولادها، وأولادها في المغترب أولى بها” وأشادت بالحفل المتكامل وأثنت على الأداء الذي جعل الكبار يحلقون بعالم زمن الموسيقا الجميل، وتوقفت عند إصغاء الشباب إلى الأغنيات القديمة لفريد الأطرش وأجمل ما عنته أسمهان، ما يدل على أن الإنسان السوري يتربى على الفن الراقي الأصيل ويقدره ويتذوقه.
تأهيل عالي المستوى
كما نوّهت بدور العازفين الشباب بالفرقة ما يدعو إلى الفخر بما تقدمه وزارة الثقافة من تأهيل عالي المستوى سواء بالعزف أو الغناء أو بكل ألوان الفنون المسرحية والسينما، مشيرةً إلى أنها مع الفنّ الراقي أياً كان نوعه.
نوع من التحدي
وتابع المايسترو مؤيد الخالدي بأن الحفل كان نوعاً من التحدي بالاعتماد على قسم كبير من العازفين من طلاب المعهد العالي للموسيقا ومن الخريجين الشباب، الذين يعدون أمل الموسيقا السورية، بغية إيصال رسالته الموسيقية إلى العالم باستمرار الإبداع الموسيقي السوري رغم كل الأوضاع الصعبة التي مرت وتمرّ بها سورية.
نقل الحفل ببث مباشر إلى كل العالم من صفحة دار الأوبرا على الفيس بوك.